قلّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي، الأسقف باسكال غولنيش، مدير جمعية “العمل في الشرق”، وسام جوقة الشرف، لاسيما وأن هذه الجمعية الفرنسية ملتزمة بمساعدة المسيحيين الشرقيين، ولها نشاط في 23 دولة.

في السنوات الأخيرة، اعتمدت الدولة الفرنسية بشكل خاص على خبرة هذه الجمعية لنشر سياستها في الشرق الأوسط، وهذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها الرئيس الفرنسي مدير الجمعية المذكورة، ففي نهاية آب/أغسطس من العام الماضي، كان الأسقف غولنيش ضمن الوفد الرسمي للرحلة الرئاسية إلى العراق. وقبل ذلك بعام، كان قد رافق الرئيس الفرنسي إلى بيروت، على إثر الانفجار الهائل الذي دمّر مرفئها.

وفي كانون الثاني/يناير 2020، كان إلى جانب ماكرون في القدس، وخلال هذه الرحلة، أعلن المدير التنفيذي لهذه الجمعية عن إطلاق صندوق للمدارس المسيحية في الشرق، تشترك في إدارته وزارة الخارجية الفرنسية والجمعية، حيث ساهم كل من الشريكين بمليون يورو لهذا الصندوق.

يعود تاريخ التعاون مع الدولة إلى نشأة الجمعية، التي تأسست عام 1856، كما يذكر الأسقف غولنيش. يتابع قائلا: “إنها حكاية قديمة، وقد تعمقت” فبالإضافة إلى علاقة الثقة بين رجل الدين هذا وإيمانويل ماكرون، هناك عوامل أخرى تلعب دورا. لقد كان عام 2015 بمثابة نقطة تحول في العلاقات بين الدولة الفرنسية والشبكات المسيحية في الشرق الأوسط.

في مواجهة الانتهاكات التي يرتكبها تنظيم “داعش”، أقامت باريس مؤتمرا دوليا حول الأقليات العرقية والدينية في هذه المنطقة من العالم، ورأى المراقبون حينها أنه “تغيير كبير في العقلية الفرنسية”، مما أدى إلى تغيير الحذر التقليدي في فرنسا فيما يتعلق بدعم الأقليات الدينية، وخاصة المسيحيين، خوفا من “المحاكمات المجتمعية” والرأي العام الفرنسي.

ومنذ ذلك الحين، بدأت العديد من الجمعيات التابعة لـ “الكوكب الكاثوليكي” تشكل علاقات قيّمة للدولة الفرنسية في هذا المجال. وبالتالي، فإن الجمعية ومنظمات أخرى، مثل “الأخوة في العراق”، والتي تأسست عام 2011، أو جمعية “القديس ايريناوس”، وهي عضو لجنة متابعة مؤتمر باريس 2015، بدأوا بالعمل لصالح باريس، حيث تتعلق أنشطتهم بالمدارس والطوائف المسيحية، وبالتبعية الفرانكفونية “الفرنّسة”، بالإضافة إلى التراث الديني.

“على الأرض، يُنظر إلينا على أننا ذراع لفرنسا، وهذا أمر إيجابي”، يقول إتيان بيكيه غوتييه، مدير جمعية “القديس ايريناوس”، المرتبطة بأبرشية ليون. يضيف قائلا: “تحتاج الدولة الفرنسية إلى منظمات مثل جمعيتنا للتواصل مع الزعماء الدينيين، لأنه لا يمكن الاستغناء عن هؤلاء الزعماء في تلك البلدان”.

من جانبه، يقول لويس دي بامبلون، المدير السابق لـ جمعية “العمل في الشرق” في العراق: “إنه نصر للطرفين، فمن ناحية، توفر خبرتنا وقت الدولة وطاقتها؛ ومن ناحية أخرى، عندما كنت أرافق السياسيين الفرنسيين في الميدان، انتهزت الفرصة لإظهار الأولوية للمشاريع التي تنفذها جمعيتنا”.

ويتساءل تقرير صحيفة “لاكروا” الفرنسية، الذي ترجمه موقع “الحل نت”، فيما إذا كانت قد سعت باريس إلى تفويض هذه الجمعيات بجزء من سياستها في الشرق الأوسط.

“إنه واقع الحال تقريبا”، يؤكد العديد من أعضاء هذه الجمعيات، كما يتجلى ذلك على وجه الخصوص في البلدان التي لم تعد لفرنسا علاقات دبلوماسية معها، مثل سوريا منذ عام 2011. “في هذه الدولة التي لا توجد فيها سفارة لفرنسا، مكّن عملنا من الحفاظ على الاتصالات بين بلدينا”، يؤكد الأسقف غولنيش، فيما يشير أحد المراقبين إلى أنه على الرغم من ذكر اسم هذه المنظمة غير الحكومية في أغلب الأحيان، فإن بعض المشاريع تنسب أحيانا إلى فرنسا بشكل عام، مما يعود بالفائدة على نفوذها.

“المشكلة هي أن النظر إلينا على أننا قريبون جدا من الحكومة الفرنسية، يمكن أن يجعلنا أهدافا ويعرضنا للخطر”، يؤكد مدير إحدى الجمعيات، الأمر الذي يثير خطر التعرض للخطف.

كذلك تضمنت بعض الشراكات أيضا جمعيات ومؤسسات مثيرة للجدل، مثل SOS Chrétiens d’Orient، التي استفادت من اتفاقية مع وزارة الدفاع من 2015 إلى 2020، بينما كانت هذه المنظمة غير الحكومية مرتبطة بالميليشيات المحلية التابعة للجيش السوري.

ويشير تشارلز بيرسوناز، مدير “معهد التراث الوطني الفرنسي”، إلى أن الروابط بين الدولة والجمعيات ليست “حصرية” بأي حال من الأحوال بالجمعيات المسيحية، فمنذ أن عمل برنارد كوشنير في وزارة الخارجية (2007-2010)، عززت الدوائر الدبلوماسية والإنسانية علاقاتها بشكل كبير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.