ما هي مستجدات التنسيق السياسي حول القصف الإسرائيلي على سوريا؟

ما هي مستجدات التنسيق السياسي حول القصف الإسرائيلي على سوريا؟

استمر القصف الإسرائيلي على الأراضي السورية، رغم تسيير روسيا مؤخرا لدورية مراقبة جوية، فريدة من نوعها في السماء السورية، رغم كل الاعتقادات التي اعتبرت أن تسيير تلك الدورية يعني رسالة وروسية عاجلة إلى إسرائيل بضرورة وقف الاستهدافات المتكررة على المواقع التي يتواجد بها الإيرانيون في سوريا.

أبرز التساؤلات تدور حول معاني استمرار القصف الإسرائيلي على الأراضي السورية، رغم تكرار التصريحات الروسية الرافضة لهذه الهجمات، ولعل تلك التوقعات التي أرادت تحميل التصريحات والتحركات الروسية أبعادا سلبية تجاه علاقة موسكو مع تل أبيب، لم تكن ترى من زاوية تبعات تطور القصف وجدوى التحرك الفعلي للروس في سوريا.

ما الأهداف الحقيقية؟

يقول الباحث في العلاقات الدولية، ضياء حسين، إن استمرار القصف الإسرائيلي رغم التصريحات الروسية التي تبدو ظاهريا على الصعيد الإعلامي رافضة له، يؤشر على اتفاق روسي إسرائيلي غير معلن، لضرورات المرحلة الخاصة بروسيا. “المتتبع لمجرى التحركات على الأرض بعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة يرى أن تحركات القوات الروسية تأتي لتقييد النفوذ الإيراني، والعمل من خلال خطوات أولى ذات فعالية ملموسة ضد ذلك النفوذ”.

ويرى حسين خلال حديثه لـ”الحل نت” أن أبرز المؤشرات على جدية التحركات الروسية ضد التواجد الإيراني في سوريا، بمساعدة وتحريك من إسرائيل، تجلى من خلال انتشار قوات روسية في ميناء اللاذقية بعد تعرضه للقصف مرتين من قبل الطيران الإسرائيلي، بحجة وصول أسلحة إيرانية إليه، وهو الميناء الذي يقع تحت السيطرة الإيرانية. “عمليا فإن قوات روسية أعادت انتشارها في الميناء ذو النفوذ الإيراني، إذا فما الهدف الحقيقي من الانتشار على الأرض هل هو لتوجيه رسائل إلى إسرائيل، أم أنه في حقيقة الأمر نموذج عملي ستتبعه روسيا للسيطرة على بعض مكامن القوة الإيرانية في فترات لاحقة بذريعة حماية تلك المواقع من القصف الإسرائيلي. أستطيع القول بأن التحرك الروسي كان ضد النفوذ الإيراني وليس ضد الجانب الإسرائيلي”.

وكان الطيران الحربي الإسرائيلي استهدف ميناء اللاذقية بقصف لحاويات في الميناء، في 28 من كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهو الثاني من نوعه خلال نفس الشهر لمناطق لا تبعد كثيرا عن الوجود الروسي المتمثل في قاعدة “حميميم” العسكرية. وقد كثّف الطيران الحربي الإسرائيلي من استهدافه مواقع في سوريا، منها مواقع إيرانية، منذ تعيين الحكومة الأخيرة برئاسة نفتالي بينيت، في حزيران 2021، مع تصريحات مسؤولين إسرائيليين بشأن عدم نية إسرائيل تحمل الوجود الإيراني في سوريا.

فيما يتابع حسين في السياق ذاته “حتى الدورية الجوية المشتركة بين القوات الجوية الروسية ونظيرتها السورية، لم توجه من خلالها أية رسائل صوب الإسرائيليين وإنما كانت بشكل أساسي ضد التحركات الإيرانية، فمسار الدورية الجوية اشتمل على عدة مناطق سواء بالقرب من الجولان السوري الذي تتواجد بقربه ميليشيات ذات تبعية إيرانية، وكذلك اتجهت الدورية صوب شرق الفرات حيث تتواجد هناك بكثرة الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني”.

وكانت القوات الروسية، سيّرت منتصف شهر كانون الثاني/يناير الماضي دوريات في ميناء اللاذقية، مما يطرح تساؤلات عن الهدف من هذه الخطوة. وقد جاء الإعلان عن تسيير الدوريات من جانب وسائل إعلام روسية، حيث استعرضت العديد من الصور، ووثقت فيها انتشار القوات في مناطق متفرقة من الميناء، إلى جانب عدد من السيارات المصفحة والمدرعة.

وعلى مدى السنوات الماضية تحدثت تقارير غربية عن ميناء اللاذقية، واعتبرت أن إيران تستخدمه لتمرير شحنات الأسلحة التي تحتاجها ميليشياتها، كما جعلت منه محطة لتمرير النفط والوقود إلى حكومة دمشق وميليشيا “حزب الله” في لبنان.

روسيا بحاجة إلى دافع؟

تحتاج روسيا إلى محرك قوي لتصويب جهودها نحو النفوذ الإيراني الذي بات يزعجها في سوريا أكثر من ذي قبل، ولعل التوترات الروسية التركية في فترة ماضية حيال الملف السوري، وأزمات روسية مع دول أوروبية فيما يتصل بملفات الطاقة وشكل العلاقة بين موسكو وبروكسل، وتأزم حل الملف السوري، ورغبة الروس في التقارب من الأمريكان هو ما دفع موسكو لاستثمار الضربات الإسرائيلية التي باتت تلقى ضوءا أخضرا مشتركا من قبل موسكو وواشنطن على مواقع عسكرية في سوريا، بحسب حسين.

إسرائيل، ترى أن التعاون مع روسيا يشكل ضمانة لتحقيق أهدافها في سوريا، ويساعدها على صيانة خطوطها الحمراء المتعلقة بمنع وصول الخطر الإيراني إلى حدودها، وعرقلة استمرار حكومة دولة مجاورة تتبع النفوذ الإيراني كما هو الحال خلال السنوات الماضية لدى حكومة دمشق، لذا فإن التنسيق المشترك بينهم لن يضر مصالحهم في المنطقة، وفق المحلل السياسي المختص بشؤون الشرق الأوسط، أدهم عايد، الذي يعتبر أن الفترة التي تبعت خروج نتنياهو من الحكم في إسرائيل، تشهد تقاربا في المصالح الروسية الإسرائيلية، بحكم تطورات الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، رغم أن تبعات الأزمة الأوكرانية، قد تؤجل المضي في المشاريع المشتركة للجانبين في سوريا.

لم تتسامح إسرائيل مع أي أنشطة عسكرية من قبل النفوذ الإيراني، بالقرب من الحدود الإسرائيلية السورية، كما أنها لن تتسامح مع نقل الأسلحة من إيران إلى “حزب الله” اللبناني عبر الأراضي السورية. إن التعاون بين موسكو وتل أبيب انبنى ما بعد عام 2018 على التنسيق بين الطرفين من خلال إخطار بالضربات الإسرائيلية، وفق تعبير عايد، ويزيد بالقول “كلا الجانبين يريد إدامة التوافق على وجود منطقة خالية من النفوذ الإيراني مقابل منطقة خالية من الضربات الإسرائيلية، حيث التواجد الروسي الاستراتيجي”.

كذلك فإن تطور العلاقات الروسية-الإسرائيلية والمعادلة التي تقوم عليها في سوريا، أسهم بخلق عامل مهم أثَّر على سلوك الأطراف الفاعلة في الملف السوري، واستطاع ضبط تحركها وانتشارها، ومن المتوقع أن تؤثر على مسار التسوية السياسية المحتملة في سوريا، وفق دراسة نشرها مركز “الجزيرة للدراسات”، العام الفائت.

كما يضاف إلى كل ذلك، استفادة روسيا من المعادلة التي تربطها بـ إسرائيل في سوريا، وذلك باستخدام ورقة إيران للتقارب والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية. ورغم أن بوادر هذا التعاون بدأت منذ عهد الرئيس باراك أوباما، وفق شهادة آندرو أكسوم الذي كان يشغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط في إدارة أوباما، فإن هذا التعاون تم تعزيزه في عهد الرئيس دونالد ترامب؛ حيث شكَّل الملف السوري منصة لتعزيز العلاقات بين الأطراف الثلاثة على حساب إيران ووجودها في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.