من وسائل التواصل الاجتماعي وإليه، باتت مسيرة حياة زوجية قصيرة في المنطقة العربية تمر عبر تلك الوسائل، فالخلافات التي تؤدي إلى الطلاق باتت في نسبة لا بأس فيها تتسبب بها وسائب التواصل الاجتماعي.

الأغرب من وصول أدق تفاصيل الحياة الزوجية إلى صفحات التواصل العام، بأن تكون هي المتسبب الرئيسي في بعض الأحيان لحالات الطلاق، والأغرب من ذلك ما صار منتشرا في الآونة الأخيرة هو ظاهرة الاحتفال بالطلاق لدى بعض السيدات والرجال، تعبيرا منهم عن حالة الارتياح التي وصلوا إليها بعد علاقة زوجية وضعهم تحت قيود وضوابط أفسدت عليهم حياتهم وفق تعليقاتهم.

أسباب وحالات

في سوريا وباقي دول المنطقة هناك أسباب كثيرة أدت إلى ارتفاع عدد حالات الطلاق، وقد يكون خلفها عدم التفاهم بين الزوجين، أو العنف المنزلي والخيانة الزوجية أو الرغبة في عدم الارتباط بالشراكة الزوجية والمسؤوليات بسبب واقع التغيرات المجتمعية وتأثير ذلك على العلاقات الإنسانية والاجتماعية.

مدينة اللاذقية، غربي سوريا، شهدت العام الفائت، حالة طلاق غريبة في تفاصيلها، بعدما تسبب تعليق على موقع “فيسبوك” بطلاق الزوجين.

ووفق ما نقلت مواقع إخبارية محلية، إنّ رجلا انفصل عن زوجته بعدما رفضت أن تحذف تعليقا وضعته على مقال لأحد الكُتّاب قالت فيه “جميلة جدا، سلمت يدا من كتبها”، ليرُد صاحب المنشور بكلمات شكر، الأمر الذي تسبب بحالة احتقان بين الزوجين لتنتهي بالطلاق بينهما.

كما شهدت عدة مدن سورية، خلال السنوات الماضية، حالات طلاق مشابهة، والتي تسبّبت فيها وسائل التواصل الاجتماعي بتفكيك عائلات وانفصال الأزواج بسبب تعليقات على صفحات تلك الوسائل.

نهاية العام 2021، كشفت صحيفة “الوطن” المحلية، عن تسجيل مدينة دمشق وحدها 5 آلاف حالة طلاق خلال العام المنصرم. مبينة بأن معظم حالات الطلاق في سوريا سببها الوضع المادي ووسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيرها السلبي في العلاقات الإنسانية، خاصة على التواصل داخل الأسرة وبين الأصدقاء.

كما أشارت الصحيفة، إلى أن العام 2020 شهد ارتفاعا بمعدلات حالات الطلاق خلال فترة حظر التجول بسبب تفشي فيروس “كورونا”.

الباحثة الاجتماعية، نورهان حلواني، تقول تعليقا على تزايد حالات الطلاق، لـ”الحل نت” بأن مرده الرئيسي في سوريا يعود إلى عدم وجود إدراك كامل لمفهوم الأسرة والزواج، وتغير معنى وقيمة الشراكة الزوجية بين الناس، فضلا عن تبعات الحرب السورية التي أدت إلى خلق ظروف معيشية واقتصادية صعبة، رغم اختلاف الحالات والمواقف التي تؤدي إلى الطلاق.

تسربت تقاليد الاحتفال بالطلاق شيئا فشيئا إلى مجتمعات المنطقة، فأصبحت تقام له الحفلات وتحجز له المطاعم وتجهز له قوالب الحلوى، ويحتفل به في أجواء صاخبة تماما مثل ما يتم في أعياد الميلاد أو إثر الحصول على الشهادات الجامعية.

بدأ الحديث إعلاميا عن حفلات الطلاق قبل 13 عاما عندما أقامت عارضة الأزياء وممثلة ونجمة تلفزيون الواقع وملكة الجمال الأمريكية، شانا موكلير، حفل طلاق في تموز/يوليو من عام 2007، ثم أقامت بعد ذلك أكثر من فنانة عربية حفلة طلاق، وقيل وقتها إنه تقليد للفنانة الأمريكية.

اختلاف ثقافات

في حين تشير تقارير صحفية، إلى أن فكرة حفل الطلاق، تعود بالأساس إلى الياباني هيروكي تيراي، الذي كان متعهدا لهذه الحفلات، وسرعان ما انتشرت بعد ذلك هذه الفكرة إلى عدة بلدان ودول غربية، وحطت أخيرا في المنطقة العربية.

ووفق حلواني فإن مجتمعات المنطقة العربية انطلاقا من ثقافتها، تعطي اهتماما كبيرا لمنظومة العائلة، وبالتالي فإن الطلاق، يعتبر تجربة قاسية ومحطة حزينة، باستثناء الحالات التي يكون فيها الطلاق الحل الأنسب للمشاكل المعقدة التي يمر بها الزوجان.

هانية يوسف (اسم مستعار) وهي سيدة مطلقة (40 عاما) تقول خلال شهادتها لـ “الحل نت” إنها من أشد المدافعات عن إقامة مثل هذه الحفلات، معتبرة أن ذلك يكون متاحا من أجل إبلاغ الأقارب والأصدقاء أن المرأة المطلقة أصبحت متاحة للزواج مرة أخرى.

وتضيف قائلة: “ما هو المانع من احتفال المرأة بخلاصها من رجل كان سببا لمعاناتها وتعاستها. ألا ترون السجين يحتفل بعد خروجه من السجن؛ إنه نفس الشيء”.

في حين تعتبر، سعاد حسن (اسم مستعار) وهي سيدة متزوجة (35 عاما) أن اللائمة يجب أن تلقى على الرجل معتبرة أنه المسؤول عن ظاهرة الاحتفال بالطلاق، “لولا تعنت الرجال في إعطاء السيدات حريتهن ما ظهرت هذه الظاهرة. كيف يقبل رجل أن يعيش مع امرأة تكرهه”.

من جانبها لفتت حلواني إلى أن اختلاف مبررات الاحتفال بالطلاق، فأبرز الأسباب وأولها ينطلق في حال كون الطلاق من رغبة الزوج، “فتقوم الزوجة بالاحتفال حتى لا يشمت أحد فيها، وتعطي إيحاء للآخرين أن الطلاق كان أمنية تحتفل بتحقيقها، ويكون الاحتفال في هذه الحالة هو تعويض نفسي عن الهزيمة، ورد فعل للإحساس بالفشل”.

أما النوع الثاني من الاحتفال بالطلاق يحدث بناء على رغبة الزوجة ويأتي بعد سلسلة من القضايا بالمحاكم رفعتها للحصول عليه، ويكون الاحتفال هدفه التعبير عن الفرحة.

وفي هذا السياق، تحدثت الكاتبة تارا آيزنهارد، المختصة في العلاقات، في مقال سابق بأن “الطلاق هو فرصة للتعلم والشفاء والنمو” وشجعت في الأثناء متابعيها على القيام بشيء ما، سواء كان “حفلا أو تجمعا بسيطا”، حيث إنه حسب رأيها “يساعد إقامة حفل المطلقين على بداية جديدة وهم يشعرون بدعم الأسرة والأصدقاء”.

فيما تتعارض أراء مختصين آخرين مع هذا الرأي باعتبار أن الاحتفال بنهاية العلاقة مع طرف ما يتعارض مع مشاعر الغضب والأذى والحزن المرتبطة عادة بالطلاق والتي من شأنها التأثير على النساء أكثر من الرجال” وأشار مختصون في ذلك، إلى أن هذا النوع من السلوك قد يوفر شعوراً مؤقتاً بالانتقام لكنه لا يساعد في معالجة المشاعر السلبية.

ويقيم في المقابل، محللون ومختصون، الظاهرة باعتبارها مجرد موضة عابرة، ساعدت في انتشارها بشكل كبير، وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد فاقمت حفلات الطلاق من مخاوف العديد من الجهات في المجتمعات العربية، التي تشهد بلدانها ارتفاعا مقلقاً في نسب الطلاق، ناهز 500 حالة يوميا.

ووفق آخر إحصائيات لعام 2021، سجلت السعودية 7 حالات طلاق كل ساعة، أي بمعدل 162 حالة يوميا، فيما سجلت تونس 940 حالة طلاق شهريا، أي بمعدل 4 حالات كل 3 ساعات، وبلغت حالات الطلاق فى الجزائر 64 ألف حالة سنويا، أي بمعدل حالة كل 12 دقيقة، أما فى الأردن فقد وصلت حالات الطلاق إلى 14 ألف حالة طلاق سنويا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.