كيف تستخدم روسيا ملفات الطاقة في حربها على أوكرانيا؟

كيف تستخدم روسيا ملفات الطاقة في حربها على أوكرانيا؟

يُصنف تحقيق مستوى مرتفع من أمن الطاقة، جزءا مهما من الأمن القومي للدولة، لاسيما الدول الصناعية والدول التي في طور التنمية. وإذا أردنا أن نعرف أمن الطاقة للدول المستهلكة فيمكننا تلخيصه على الشكل التالي المتمثل بالمحافظة على تدفق موارد الطاقة إلى الأسواق المستهلكة، بشكل آمن وبأسعار متناولة أو معقولة.

دائما ما تسعى دول الاتحاد الأوروبي لتحقيق مستوى مرتفع من أمن الطاقة بسبب الندرة في موارد الطاقة لديها، لذلك اعتمدت بشكل واسع على الاستيراد من السوق الدولية، خاصة السوق الروسية، لعدة أسباب أهمها؛ امتلاك روسيا احتياطيات ضخمة من موارد الطاقة. وكذلك الاتصال الجغرافي مما يسهل الاستيراد لاسيما عبر خطوط الأنابيب. فضلا عن انخفاض تكلفة الاستيراد عبر خطوط الأنابيب.

لكن اعتماد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على واردات الطاقة الروسية جعلها عرضة للضغط الروسي، التي استخدمت ملف الطاقة ضد دول الاتحاد الأوروبي في عدة أزمات بين الجانبين، كان آخرها فيما يتصل بأوكرانيا ومراحل التسخين في ملفها وصولا للغزو الروسي.

تم اعتماد وثيقة أمن الطاقة الروسي عام 2012 التي حددت من خلالها الآليات ومسؤوليات الدولة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وتضمنت أيضا منع كافة التهديدات الجيوسياسية، والاقتصادية و التكنولوجية وغيرها من الأخطار التي تهدد أمن الطاقة الروسي.

وتطبق روسيا مع دول الاتحاد الأوروبي سياسة الـ “تشبيك بخطوط الأنابيب”، لأنها من أكفأ وسائل النقل، حيث تنقل كميات كبيرة بتدفق مستمر ومباشر من المصدّر إلى المستهلك، ويمكن لخط أنابيب طوله 1,000كم وقطره 100سم نقل حوالي مليون برميل من النفط يوميا. ورغم ارتفاع تكاليف إنشاء خطوط الأنابيب، إلا أنها تعتبر رخيصة نسبيا من ناحية التشغيل والصيانة. كما تدرك روسيا أن موقعها الجغرافي القريب من الدول الأوروبية يعطيها ميزة تمديد خطوط الأنابيب.

فيما استطاعت روسيا تنفيذ أربعة خطوط أنابيب للغاز مع دول الاتحاد الأوروبي، كانت من خلال ممرات النقل عبر أوكرانيا، حيث يوجد ثلاثة خطوط أنابيب رئيسية تمر عبر الأراضي الأوكرانية، وتصنف هذه الخطوط كأكبر ممر لنقل الغاز بسعة تقديرية تزيد عن 146 مليار متر مكعب سنويا.

وكذلك عبر خط أنابيب “ترك ستريم”، والذي يمتد من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود، ويتفرع إلى خط مخصص لتركيا، والثاني مخصص لجنوب وشرق أوروبا، حيث تبلغ سعته الإجمالية 31.5 مليار متر مكعب (15.75 مليار متر مكعب لكل من الفرعين).

وهناك خط الأنابيب الثالث الذي يمتد من روسيا عبر بيلاروسيا وبولندا إلى دول الاتحاد الأوروبي. وتبلغ القدرة السنوية للتصدير منه 31 مليار متر مكعب. في حين بلغت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تلك الأنابيب على مدار عام 2020 (بموجب عقود شركة غازبروم للتصدير) 170 مليار متر مكعب.

وبالنظر إلى ما سبق يمكن تفسير أهمية تصدير الطاقة الروسية إلى الاتحاد الأوروبي كالتالي؛ أولا فإنه تعتبر مبيعات الغاز أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للاقتصاد الروسي، خاصة بالنسبة لقدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية للسكان. بينما تعتبر دول الاتحاد الأوروبي المستورد الأكبر للغاز الروسي.

ثانيا فإن تستطيع روسيا أن تمارس سيطرتها على تدفقات الغاز الطبيعي للتأثير على أوروبا. ودائما ما يستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موارد الطاقة كسلاح ضد الدول الغربية، وذلك إما عبر قطع الإمدادات كما حصل عام 2009، وعام 2006، حين أوقفت روسيا نقل الغاز عبر أوكرانيا وتركت الأوروبيين في البرد.

بالإضافة إلى الأسباب التي تم ذكرها آنفا، فإنه من المحتمل أن يكون لدى الروس أهداف أخرى من الحرب على أوكرانيا، وتتمثل بتحقيق مكاسب فيما يتعلق بزيادة احتكار سوق الغاز الأوروبية من خلال إجبارها على القبول بمشروع خط أنابيب “نورد ستريم” ذو الأهمية الاستراتيجية، الذي يمتد من روسيا عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا مباشرة، وهو عبارة عن خطين متوازيين. وهذا خط مهم استراتيجيا لروسيا، بسبب قدرته على نقل 55 مليار متر مكعب سنويا أي (37 بالمئة من صادرات موسكو إلى دول الاتحاد). حيث يساهم الخط في إعادة تشكيل شبكة خطوط الأنابيب الأوروبية الروسية، ويزيد من احتكار الأخيرة للسوق الأوروبية.

لذلك دائما ما تطالب الولايات المتحدة الأميركية بوقف استكمال “نورد ستريم”، وعدم السماح لروسيا بزيادة سيطرتها على منطقة بحر البلطيق، وأوروبا، وتصر على دوام الاستيراد عبر الخطوط الأوكرانية.

في حين اتبعت روسيا استراتيجيات لإجبار الأوروبيين على تشغيل خط “نورد ستريم” من خلال اتباع السياسات التالية:

أولا؛ تخفيض صادراتها إلى دول الاتحاد الأوروبي، وثانيا رفع أسعار الغاز المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي. وثالثا؛ الحرب على أوكرانيا، حيث أن الحرب العسكرية الروسية على أوكرانيا من الممكن أن تؤدي إلى توقف خطوط الأنابيب عن العمل، بحجة عدم وجود البيئة الآمنة. وقد تلجأ روسيا لضرب أنظمة خطوط الأنابيب العابرة من أوكرانيا.

موارد الطاقة الروسية ليست مهمة فقط للأوروبيين بل للسوق العالمية أيضا، وذلك لعدة أسباب؛ أولا فإن روسيا تمتلك 80 مليار برميل من النفط كاحتياطي مؤكد، وتنتج يوميا بين 10 – 11 مليون برميل، وهذا الرقم يشكل 10 بالمئة من الإنتاج العالمي.

ثانيا فقد بلغ الاحتياطي الروسي من الغاز 38 تريليون متر مكعب، وتنتج سنويا ما يقرب من 300 مليار متر مكعب، يذهب منها 175 مليار إلى أوروبا. وأما ثالثا، فإن امتلاك روسيا لهذه الكميات، والقدرة على الإنتاج جعلها رقم صعب في السوق الدولية، وأي خلل في إنتاجها سوف يرفع سعر موارد الطاقة في السوق العاملية، وكذلك سوف يؤثر هذا الارتفاع بالدرجة الأولى على الدول الصناعية ( الولايات المتحدة، دول الاتحاد الأوروبي، دول شرق وجنوب شرق آسيا).

بالنتيجة تبين لنا من المعطيات السابقة أهمية الاحتياطيات لموارد الطاقة الروسية بالنسبة للسوق الأوروبية والعالمية. وكيف أصبحت ممول رئيسي لأوروبا التي تصنف من أكثر الدول استهلاكا للطاقة. لذلك ابتعدت كل من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا عن فرض عقوبات على هذا القطاع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.