بينما يواجه العالم روسيا بشأن غزوها لأوكرانيا، تواجه الصين معضلة ثلاثية الجوانب؛ الحفاظ على شراكتها مع روسيا دون تفاقم علاقاتها مع الغرب، مع احترام مبدأ وحدة الأراضي. بالنظر إلى الضغوط العالمية على الصين لإدانة روسيا، تواجه الصين مخاطر خسارة علاقاتها مع أوروبا.

وبسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، فالصين التي تمتلك علاقات استراتيجية طويلة الأمد، باتت الآن على مفترق طرق بين أن تختار جانب روسيا أو تصدم الروس وتستمر بخذلانها لتكون إلى جانب أوروبا. بالمقابل فإن الخلافات الصينية الأميركية ستتأثر بسبب الغزو الروسي وارتدادته وتبعاته، فهل سيقوي الحضور الأميركي إلى جانب أوروبا بمقابل الابتعاد الأوروبي عن الصين من منطلق أن الصين حليف للروس.

انحياز غير متوازن

على مدار شهر من غزو روسيا لأوكرانيا، كان هناك تقييم لموقف الصين من روسيا، وهنا يشير الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي، أحمد القاروط، في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أنه من وجهة نظر الصينيين على الأقل على المستوى الرسمي، أنهم يجب ألا ينحازوا لأي طرف من أطراف العراك السياسي أو العسكري في أوكرانيا. متبعين بذلك أسلوب الحياد والعمل على إنهاء الصراع بالطرق الدبلوماسية. مما يرضي التطلعات الأمنية لكل من روسيا والاتحاد الأوروبي.

ولكن القاروط، يرى أن هذا الموقف ليس بالمحايد، إنما موقف لاعب دولي يحاول اللعب كوسيط. حيث برز ذلك عندما أرسلت بكين مساعدات لأوكرانيا، وعبروا عن دعمهم لموسكو من جهة أخرى، على الرغم من التزامهم بالعقوبات الدولية التي فرضت على روسيا.

ويعتقد القاروط، أن الصين تحاول موازنة علاقتها مع روسيا من باب علاقتها الاستراتيجية، ولا سيما في مجال الطاقة، وعلاقة الصين مع أوروبا التي تعد من أهم السوق التي تستقبل بضائعهم. ولكن الحياد ودور الوساطة وفق نظر الباحث، غير واضح، حيث لم تصدر أي مبادرة صينية رسمية إلى الآن بهذا المضمار.

وفي معرض إجابته عن سؤال إذا ما كانت بكين ستنجح بإنقاذ علاقتها مع القارة العجوز وفصل خلافاتها مع واشنطن عنها، أوضح القاروط، أن الصين تراهن على الخلاف الأوروبي. لا سيما وأن بعض دول الاتحاد ليس لديها موقف واضح، حيث يدور انقسام داخلي بخصوص الإجراءات المتخذة ضد الصين وروسيا.

وبيّن الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي، على سبيل المثال، بولندا التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أميركية، اتخذت موقفا حادا ضد روسيا، أما دولة المجر والتي ترتبط مع الصين بعلاقات تجارية واحتضنت العديد من المؤتمرات حول “طريق الحرير” والذي يمر عبرها، فقد عارضت العقوبات.

للقراءة أو الاستماع: تحذيرات من انهيار الاتفاق النووي بسبب روسيا والصين

الصين خسرت المراهنة على روسيا

كل يوم يمر يفضح بمزيد من الوضوح، سوء تقدير الزعيم الروسي، فلاديمير بوتين، في شنه غزوا ضد دولة قلل من شأنها. وبحسب  المحلل السياسي الروسي، أليكاس موخين، فمنذ الغزو في الرابع والعشرين من شباط/فبراير، رفضت الصين النداءات المتكررة من الحكومات الغربية، بأن تعمل بنشاط أكبر لإقناع روسيا – صديقتها القوية – بوضع حد سريع للفوضى التي تسببت بها.

لكن بكين لم تذهب إلى أبعد من الدعوات المعيارية لضبط النفس من قبل جميع أطراف النزاع. وطبقا لحديث موخين لـ”الحل نت”، فإن ذلك أدى لظهور نفاد صبر الغرب. حيث دعا وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الصين لممارسة “نفوذها الهائل” على روسيا.

ويضيف موخين، أنه لا يخف على الجميع، أن الصين تحب أن تقدم نفسها على أنها عملاق محب للسلام يعارض التوغلات الأجنبية. فمبعوثو الصين داخل الأمم المتحدة، دائما ما يتذمرون بشكل واضح على التدخلات العسكرية. وآخرها الغزو على أوكرانيا، بالرغم من أنهم رفضوا التحذيرات الأميركية التي تحدثت عن عزم بوتين، واعتبروها أكاذيب.

وفي الوقت الذي أذهلهم عدم كفاءة روسيا في ساحة المعركة، اتجهت الصين على موقف الحياد الزائف إذ إنه مؤيد لروسيا. وهو ما يفسر مخاوف الحكومات الغربية، من أن الصين قررت “الجلوس ومشاهدة الكارثة”، على حد تعبير أحد الدبلوماسيين.

ويشير المحلل الروسي، إلى أن الصين توقعت أن تستطيع روسيا فرض سيطرتها على أوكرانيا خلال أسابيع. لكن خطة القادة في بكين حاليا ووفقا للتقارير الإعلامية، يتطلعون لأن يكونوا أكثر حزما في الضغط من أجل وقف إطلاق النار. وتحييد بوتين عن الاستيلاء على العاصمة الأوكرانية، كييف، التي تتعرض للقصف. وبعد ذلك، قد تعرض الصين إعادة بناء المدن المدمرة في أوكرانيا، على أمل أن يجبر ثقلها الاقتصادي الدول الأخرى على نسيان أسابيع من اللامبالاة الصينية تجاه الغزو الروسي.

ولكن بغض النظر عن كيفية تطور الحرب، يعتقد موخين، أن الصين ستتعامل مع علاقتها مع الكرملين كوسيلة لتعزيز القوة الصينية، وليس قوة روسيا. إذ أفادت التقارير أن أميركا تبادلت معلومات استخباراتية مع حكومات حليفة، تظهر أن روسيا طلبت من الصين طائرات بدون طيار وصواريخ أرض-جو ومساعدات عسكرية أخرى. فيما ووصفت وزارة الخارجية الصينية هذه التقارير بأنها “معلومات مضللة”.

للقراءة أو الاستماع: “الاتحاد من أجل السلام” ضد الغزو الروسي لأوكرانيا.. الصين وإيران تخذلان بوتين

الصداقة بين الصين وروسيا لها حدود

يبدو أن  هناك سبب واحد اقتصادي، يراقبه الرؤساء في الشركات المملوكة للدولة في الصين، فالعديد منهم لديهم أعمال تجارية كبيرة ليس فقط في روسيا ولكن أيضا في أوكرانيا. فعلى سبيل المثال، عملاق الأغذية المملوك للحكومة “كوفكو”، يعتبر أوكرانيا قاعدة مهمة.

أما “تشاينا ميرشانتس جروب”، وهي شركة حكومية، تمتلك موانئ في أوديسا الأوكرانية، في حالة تأهب قصوى لأي هجوم روسي على منشآتها. كما يشير قرار الشركات الصينية بالابتعاد عن روسيا إلى الخوف من العقوبات التي قد تفرضها أميركا. حيث تعتمد صناعة الطيران في الصين بشكل كامل تقريبا على التكنولوجيا الأميركية لإنتاج قطع الغيار.

وفي الواقع، ستستفيد الصين أكثر من أي دولة أخرى من عزلة روسيا. لأن الصين تريد نظاما عالميا مبنيا حول مناطق النفوذ، حيث تسعى الصين للسيطرة على آسيا، وساعدت الحرب الروسية في أوكرانيا على وجود مثل هذا الأمر. إذ إن مصلحة الصين هي في صعودها لتصبح العملاق الآسيوي لا نظير له.

هذا الهدف لم يغب عن بال الروس، فهم في الواقع وبحسب موخين، ومنذ تولي بوتين لرئاسة روسيا يعلمون ذلك. ففي كل مرة يرى بوتين مستشاريه الأمنيين، كان يسمي ثلاثة تهديدات، الصين، والإرهاب الإسلامي وحلف شمال الأطلسي، ويطلب منهم تصنيفها حسب الأولوية.

ففي أول ولايتين رئاسيتين لبوتين من عام 2000 إلى عام 2008، جاء الإرهاب الإسلامي في المقدمة. وتلته الصين ثم حلف شمال الأطلسي. وبعد عام 2008، تغير النظام: كان يُنظر إلى الصين على أنها أكبر تهديد، يليها حلف شمال الأطلسي ثم الإرهاب الإسلامي.

وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والتوجه نحو الصين، تغير النظام مرة أخرى: الناتو، ثم الإرهاب الإسلامي، ثم الصين. وبالنسبة لبوتين، فإن غزو أوكرانيا ليس مجرد محاولة لاستعادة الأراضي الروسية التاريخية. وأنها حرب على الغرب، والصين هي أقوى شريك يمكن لروسيا أن تراه. وهنا يكمن الاختبار بالنسبة للطرفين.

ومع ذلك، لا يزال الجانبان بعيدين عن إنشاء نوع من العلاقة البينية القوية، كالذي بنته أميركا وحلفاؤها على مدى عقود.ويرجع ذلك لجملة من الأسباب، أبرزها أن أنظمة أسلحتهم غير متوافقة على نطاق واسع. وتشكل الاختلافات اللغوية عقبة أيضا، فقلة من كلا الجانبين يتحدثون الصينية والروسية. كما أنه ليس لديهم معاهدة دفاع مشترك.

قد يهمك: ما السر وراء الخذلان الصيني لروسيا في الملف الأوكراني؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.