يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد خالف بوعده عندما قال في وقت سابق إن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي كان “مع سبق الإصرار” وبأمر من “أعلى المستويات” في الحكومة السعودية، وأنه يجب على “الحكومة التركية” الكشف عن هويات الذين كانوا وراء مقتل خاشقجي، هذه التحولات في المواقف التي تفضح انتهازيته السياسية وكذا مصالحه الخفية والمُعلمة.

وطلب المدعي العام التركي نقل محاكمة خاشقجي إلى السعودية يوم أمس يشير بالفعل بمخالفة وعد أردوغان بالعدالة لجمال خاشقجي وقتذاك. ويمثل طلب المدعي العام استغرابا واستهزاء بالمسؤولية من جانب الحكومة التركية التي ستخضع حكم القانون لما تمليه المصلحة السياسية الدولية.

ما أسباب إغلاق قضية خاشقجي؟

طلبت النيابة العامة التركية إغلاق ملف قضية، الصحفي السعودي، جمال خاشقجي الذي قُتل في قنصلية بلاده بتركيا عام 2018، وإحالته إلى السلطات السعودية.

وقالت وسائل إعلام تركية يوم أمس، أن النيابة التركية طالبت بإحالة قضية محاكمة الأشخاص الـ 26 المتهمين بقتل  خاشقجي، إلى القضاء السعودي، والتي لم يحضرها المتهمون.

جاء ذلك خلال جلسة المحاكمة غيابيا التي عقدت، في المحكمة الجنائية بإسطنبول، وشددت النيابة على البدء بالإجراءات اللازمة بهدف تأمين نقل المحاكمة إلى الجهات القضائية السعودية.

فيما أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن “خطوات مهمة” لتحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، بحسب وسائل إعلام تركية.

ويرى المحاضر في العلوم السياسية وفلسفة التاريخ الدكتور سامح إسماعيل، حول ما إذا أُغلقت أنقرة الآن بسبب حاجة تركيا لتعزيز مصالحها الاقتصادية مع دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، “لا يبدو موقف رجب طيب أردوغان أمرا مباغتا إذ إن ذلك يتفق مع سلوك السياسي الانتهازي الذي يقوم على الابتزاز وتسييس كافة القضايا لجهة الاستعانة بها كأوراق ضغط مثلما فعل في قضية اللاجئين السوريين الذين دخلوا تركيا ثم حصل على امتيازات مالية جمة لكن كانوا طوال الوقت أداة لتخويف الغرب عندنا تتناقض مصالحه معهم وهو ما تكرر عدة مرات”.

وتابع إسماعيل خلال حديثه لـ “الحل نت”، “بالتالي تحولت القضية الإنسانية المزعومة إلى مجرد أداة وظيفية مؤقتة ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الاعتداءات التي ترقى لأن تكون ممنهجة ضد السوريين”، وفق تعبيره.

من جانبه، قال أوغلو خلال لقاء تلفزيوني سابق إن نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، أعلن في وقت سابق أنه يعتزم زيارة تركيا، وأفاد أنه لم يتم التخطيط لهذه الزيارة بعدُ، بسبب الزخم الموجود في المشهد السياسي.

لكن أوغلو أشار إلى أنه التقى الأمير فيصل في العاصمة الباكستانية إسلام آباد في 28 آذار/مارس الفائت، على هامش أعمال الاجتماع الثامن والأربعين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي.

قد يهمك: “صيد اقتصادي ثمين”.. تركيا تبتعد عن روسيا بسبب غزو أوكرانيا

مجرد نفاق سياسي

وحول ما إذا كان هناك ثمن منتظر ستقبضه تركيا حيال هذه الخطوة، يقول المحاضر في العلوم السياسية، “قضية خاشقجي كذلك كانت أداة لابتزاز دول الخليج والسعودية، تحديدا في ظل المقاطعة الخليجية لقطر وتركيا على خلفية دعم أردوغان للإسلام السياسي”.

وأردف، “وبالتالي عندما حدث تقارب براغماتي فرضته طبيعة التحالفات الإقليمية الأخيرة ومستجداتها ومصالحها الجيوستراتيجية الجديدة أضحى ملف خاشقجي والعدم سواء الأمر الذي يؤكد أن الموقف المبدئي لأردوغان الذي يحاول الترويج له مرارا وتكرارا مجرد نفاق سياسي”، بحسب تعبيره لموقع “الحل نت”.

وبحسب مراقبون، فإنها تنفي إمكانية إجراء السلطات السعودية لمحاكمة عادلة تتماشى مع المعايير القانونية الدولية بشأن مقتل خاشقجي، بالنظر إلى دور الحكومة السعودية في مقتله، لا سيما دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

حيث في شباط/فبراير 2021، خلص المكتب الأمريكي لمدير المخابرات الوطنية إلى أن محمد بن سلمان وافق على عملية قتل خاشقجي. كما يفتقر نظام العدالة الجنائية السعودي إلى المصداقية ويفشل في تلبية المعايير الأساسية للشفافية واستقلال القضاء والإنصاف. أكملت الحكومة السعودية بالفعل محاكمة صورية بشأن مقتل خاشقجي ولا يوجد سبب لتوقع نتيجة مختلفة إذا ما أجرت محاكمة أخرى، بحسب تقديرات مراقبين.

من جانب آخر، قررت هيئة المحاكمة التركية يوم أمس، تأجيل الجلسة مع مطالبة وزارة العدل التركية بالإدلاء برأيها حول نقل القضية إلى السلطات القضائية السعودية.

وأشار المدعي العام إلى مطالبة النيابة السعودية برفع قرارات المذكرة الحمراء بحق المتهمين الـ26، وأردف بأنه ونظرا لكون المتهمين مواطنين أجانب، فإنه لم يتم القبض عليهم بعد وبالتالي لم يتم أخذ إفاداتهم، ما أدى إلى عدم إحراز تقدّم في الملف، ومن ثم إغلاقه.

يذكر أن الصحفي السعودي المعارض للسعودية، كان مقيما في الولايات المتحدة، وقُتل في عام 2018، بعدما دخل إلى قنصلية بلاده في إسطنبول بهدف استخراج أوراق رسمية، وتم تقطيع جثته بعد ذلك.

واتهمت تركيا منذ وقوع الجريمة أشخاصا سعوديين منهم النائب السابق لرئيس المخابرات العامة أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، بالتورط في هذه القضية، لكن السعودية رفضت تسليم المتهمين.

وبعد نفي الجريمة في البداية، بدأت السعودية تحقيقات انتهت إلى تأكيد مقتل خاشقجي، وأعلنت حينها أحكاما رادعة ونهائية بحق المتهمين، وإصدار أحكام بالإعدام على 5 متهمين، وسجن 3 آخرين ليس من بينهم عسيري ولا القحطاني. وبموجب الأحكام هذه حاولت الرياض لفلفة القضية التي شغلت الرأي العام العربي والدولي.

حيث هزت جريمة مقتل الخاشقجي الرأي العام العالمي، وإدانة دولية للسعودية، وفرضت الولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة عقوبات على أشخاص سعوديين، يشتبه بتدبيرهم عملية اغتيال خاشقجي.

قد يهمك: خسائر روسيا في أوكرانيا.. ما علاقة تركيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.