بعد أيام قليلة من الغزو الروسي لأوكرانيا، كتب رجل سوري على موقع “تويتر”، مقدما نفسه على أنه مصطفى كيالي. “نحن مجموعة من الأطباء المختصين بطب الطوارئ والصدمات وطب الحرب. لقد عانينا من عدوان القوات الروسية طوال الثماني سنوات الماضية، وقد دربنا الناس على التعامل مع الحالات الطارئة وكيفية الحفاظ على حياتهم. نحن نود أن نساعد أوكرانيا وشعبها”، كتب مصطفى.

وأوضح أن الأطباء السوريون يتمتعون بخبرة فريدة في علاج ضحايا الهجمات الكيميائية. فقد تم استخدام الأسلحة الكيميائية بشكل متكرر ضد المدنيين في سوريا.

وفق تقرير لصحيفة “التايمز” البريطانية، وترجمه موقع “الحل نت”، فقد تم حتى الآن تدريب عدة آلاف من الأطباء الأوكرانيين على كيفية التعامل مع مصابي الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. ويقدم الطبيب عبد الله عبد العزيز الحجي، أخصائي الجراحة العامة ورئيس أكاديمية العلوم الصحية، التي تأسست في العام 2011 بعد اندلاع الحرب في سوريا لتوفير التدريب الطبي للأطباء والمدنيين في المنطقة، هذه الدورات التدريبية. وتدير الأكاديمية المذكورة في الوقت الحالي برامج الطوارئ والتمريض والعلاج الطبيعي.

“عندما هاجمت (القوات الحكومية) شعبنا، عانينا من النقص في الكوادر الطبية. فالعديد من الأطباء كانوا معتقلين أو مقتولين أو فارين خارج البلاد. أسسنا أكاديميتنا من خلال دورات قصيرة مدتها 15 يوما، لتوفير التدريب على الاستجابة الأولية للصدمات. فلم يكن في سوريا من قبل مسعفين أو مختصين بطب الطوارئ. ومع الوقت، أصبحت الآلة الحربية أكثر عدوانية وازدادت وتيرة الغارات. وكلما ازدادت الحرب عنفا، كلما ازدادت الأشياء التي قمنا بها. وكان الشعب السوري يعاني من استخدام الأسلحة الكيميائية، لذلك دربنا طلابنا وعلمناهم كيفية التعامل من أشكال الإصابات المختلفة”، يوضح الطبيب الحجي.

واضطرت الأكاديمية إلى التنقل مرات عدة بسبب تدمير الغارات الجوية الروسية لمقراتها. واستقرت في إدلب، المنطقة القريبة من الحدود التركية. “نراقب الوضع في أوكرانيا منذ عدة أشهر، واعتقدنا أنه يجب علينا مساعدة الأطباء هناك. لقد درس العديد من زملائي في أوكرانيا، وعملوا هناك، وعرفنا أنها بلد محب. يسعدنا تقديم المساعدة لأن كلا الشعبين السوري والأوكراني يحاربون العدو ذاته”، يقول مصطفى كيالي، نائب رئيس أكاديمية العلوم الصحية.

وقد كانت تجربة الأطباء السوريين مع المرضى ضحايا الأسلحة الكيميائية هي التي لفتت انتباه الأطباء الأوكرانيين. وبينما يحذر الناتو والولايات المتحدة من احتمالية استخدام روسيا مثل هذه الأسلحة المحظورة في أوكرانيا، هناك شعور متزايد بالحاجة الملحة للتأهب.

“عندما بدأت روسيا بقصف المدنيين والمناطق السكنية في أوكرانيا، تلاشت كل الأوهام بأنها ستتوقف وستتصرف في إطار القانون الإنساني الدولي”، تقول ملادينا كاشوريتس، النائبة السابقة لوزير الصحة الأوكراني ومديرة قسم تطوير الموظفين والتعليم في دوبروبت، إحدى أكبر العيادات الخاصة في كييف.

لذلك، فقد استجابت كاشوريتس على الفور لفكرة الأطباء السوريين، حيث تقول “لقد أدركنا أنه يتوجب علينا الاستعداد للأسوأ، وأنه لا يمكننا تجاهل تهديد الهجمات بالأسلحة الكيميائية”. وبعد جلسة تمهيدية ناجحة جمعت عدد صغير من الأطباء الأوكرانيين والسوريين عبر رابط فيديو، تم جدولة أربع محاضرات مفتوحة لجميع العاملين في المجال الطبي في أوكرانيا عبر الإنترنت، وتم تقديم أول محاضرتين قبل عشرة أيام.

“كان هناك اهتمام كبير بهذه المحاضرات من كل من الأطباء والممرضين. وأعلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن الدورات التدريبية، وأعرب ما يزيد عن 13 ألف شخص عن اهتمامهم. وانضم إليهم العاملين في المجال الطبي من جميع أنحاء أوكرانيا، بما في ذلك الطواقم الطبية من المستشفيات في المناطق التي مزقتها الحرب. وقد سجلنا المحاضرات ونشرناها عبر يوتيوب وفيسبوك، حتى تتسنى فرصة مشاهدتها لاحقا لأولئك الذين لم يتمكنوا من الحضور المباشر”.

“نحن نعمل الآن على الترجمة إلى اللغة الأوكرانية لنتأكد من أن كل طبيب وممرض في أوكرانيا يمكنه الوصول إلى المحاضرات”، تضيف كاشوريتس. وحتى الآن، حصلت هذه التسجيلات على ما يزيد عن 30 ألف مشاهدة. ويتم التخطيط للمزيد، بما في ذلك المحاضرات الموجهة إلى عامة الشعب الأوكراني.

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تعيش يوليا شوكلينا، الحاصلة على الدكتوراه في الطب، ورئيسة قسم الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى كبير في كييف، مع المئات من زملائها ضمن مبنى المستشفى، وتعمل ليل نهار لعلاج الجرحى والمصابين بأمراض مزمنة. “لقد غيرتنا الحرب جميعا. خلال الأيام الأولى من الحرب كنت في حيرة من أمري. لدي خبرة 26 عاما في مجال العمل كطبيبة جراحة أنف وأذن وحنجرة، إلا أنني لم أتعامل قط مع تصنيف المرضى وعلاج إصابات الحرب”.

“نحن ندرس ونرى الكثير من المحاضرات هذه الأيام. درست كيفية التعامل مع هجمات الأسلحة الكيميائية في الجامعة، لكنني نسيتها لأنني لم أفكر مطلقا بأنني سوف أضطر إلى تطبيقها. تعلمت خلال الجلسة مع الأطباء السوريين كيفية تحديد نوع المادة الكيميائية المستخدمة وكيفية تقديم المساعدة بحسب ذلك. هذا يختلف تماما عن الإصابات العادية حيث يمكنك تحديد مدى الإصابة بصرياً. الأمر مختلف تماما مع ضحايا الهجمات الكيميائية فلا يمكنك تقييم الضرر بالعين المجردة. نحن حقا نقدر مشاركة الأطباء السوريين تجربتهم المباشرة. لم أعد أشعر بالذعر عند سماعي عن احتمالية وقوع هجوم بالسلاح الكيميائي. لدي الآن خوارزمية عن كيفية التصرف. أعلم الآن أنني لن أكون مرتبكة أو عبئا، وسأكون قادرة على المساعدة. آمل حقا أن تبقى هذه المعرفة نظرية فقط”، تقول الطبيبة شوكلينا في مكالمة فيديو أجرتها مع صحيفة “التايمز” خلال استراحة قصيرة وقبل سماع صفارة الإنذار التي أعلنت عن حالة تأهب للغارة الجوية في كييف والتي قطعت المحادثة.

وقد ذهبت الطبيبة شوكلينا بعد الجلسة إلى إدارة المستشفى وطلبت منهم توفير الترياق الذي يختلف باختلاف المادة الكيميائية المستخدمة. “هناك الكثير من المساعدات الإنسانية والتي تتضمن المساعدات الطبية التي يتم تسليمها إلى أوكرانيا هذه الأيام. ولكن يركز أطبائنا على ما يحتاجونه لعلاج المصابين الذين يعانون من إصابات متعددة وجروح بسبب الشظايا وكسور في الأطراف. ولم أجد في قوائم الإمدادات الضرورية لهم أية معدات للحماية الشخصية وللتحضّر للهجمات الكيميائية. أعتقد أنه يجب إضافتها إلى قوائم التوريد، وأنه مسبقا يجب إنشاء مخزون من الترياق لأنواع مختلفة من الأسلحة الكيميائية”، تقول كاشوريتس، النائبة السابقة لوزير الصحة.

بينما يأمل كيالي من جانبه بتنظيم بعض المحاضرات الشخصية للأطباء الأوكرانيين في المستقبل، حيث يقول “في حال وجود مكان آمن في أي مكان ضمن أوكرانيا، يسعدنا السفر إلى هناك وإجراء جلسات وجها لوجه”. وفي غضون ذلك، كان لديه رسالة لزملائه الأوكرانيين “كونوا أقوياء ودربوا المزيد من الأشخاص لتقديم المساعدة الطبية. يمكن أن تستمر الحرب طويلا، ولسنوات، نحن السوريون نعرف ذلك. ولهذا السبب، تحتاج أن تدرب المزيد من الأشخاص بما في ذلك عامة الناس. يجب أن يتدرب الناس على معالجة هؤلاء المتضررين من الأسلحة الكيميائية وحتى الأسلحة النووية. أنت تتعامل مع مجرمين ويمكنك توقع حدوث أي شيء”، يقول كيالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة