بيع الأعضاء في السويداء لم يعد مجرد نشاط يتم بالسر، فقد عرضت شابة من المحافظة كليتها للبيع بشكل معلن، عبر إحدى مواقع “البيع والشراء” على الإنترنت. ذاكرةً عمرها وحالتها الصحية وزمرة دمها. وبررت هذا الفعل بحاجتها للوفاء بديون عجزت عن تسديدها. على الرغم من مزاولتها عدة أعمال، لم تّؤمن لها الحد الأدنى للعيش الكريم. فيما يريد شاب آخر في مقتبل العمر بيع كليته بقصد الهجرة إلى أوروبا. وهذان مثالان واضحان عن الواقع المأساوي الذي وصلت إليه المحافظة الجنوبية.

التطور الأكبر في بيع الأعضاء في السويداء، الذي لم ينقطع منذ بداية الحرب السورية، بحسب الناشط الإعلامي “و. خ”، أن “تجارة الأعضاء فيما مضى كانت تتستر خلف  إعلانات عن الحاجة لمتبرع بمواصفات صحية محددة. أما اليوم فيتم عرض الأعضاء علنا في وسائل التواصل الاجتماعي. والأسوأ أن كثيرين، في التعليقات على هذا النوع المستجد من الإعلانات، يؤكدون بدورهم رغبتهم ببيع كلاهم أو غيرها من الأعضاء، مقابل مبالغ مالية، أو تأمين ظروف السفر والهجرة”.

وأضاف في إفادته لـ”الحل نت”: “بروز هذه الإعلانات يؤشر على الحال الذي انحدرت إليه محافظة السويداء، التي تفتقر للحد الأدنى من سبل العمل والإنتاج المحلي. فليس فيها معامل ولا سياحة ولا معابر برية أو بحرية. فيما يعتمد غالبية السكان على الزراعة وتحويلات المغتربين”.

باعوا أعضاءهم ورحلوا

الشاب عماد .أ، المولود في السويداء، باع كليته قبل أعوام، وغطى بثمنها تكلفة سفره وعبوره إلى هولندا. معتبرا ذلك “ثمنا بخسا في سبيل أن يحيا بكرامة ويعيل أسرته”.

مضيفا في حديثه لـ”الحل نت”: “كنت أعيش في بيت مؤجر بمنطقة جرمانا، وأعمل حوالي ست عشرة ساعة يوميا، مقابل أجر معقول. ومع ارتفاع أجور السكن وغلاء الأسعار، وصلت لمرحلة من اليأس وفكرت بالانتحار. إلى أن قرأت إعلانا على جدران مشفى المجتهد في دمشق، لمريض بحاجة كلية من زمرة دم مطابقة لزمرتي. فلم أتردد واتصلت على الفور، مطالبا بمبلغ ثلاثة آلاف دولار، ما ساعدني على الهجرة لهولندا. ومنذ وصولي بدأت أساعد عائلتي، ولم أشعر بأي ندم طالما أني أعيش بكرامة”.

سهيل شاب في العشرين من عمره، وكان ممن لجأوا إلى بيع الأعضاء في السويداء، بعد أن وجد في هذه التجارة فرصة للخلاص من الخدمة الإلزامية، وبوابة أمل للهجرة. فباع كليته وغادر إلى لبنان تهريبا. وتقول والدته، في إفادتها لـ”الحل نت”، إنها “لم تعلم بالأمر إلا بعد فوات الأوان. ولو علمت لكانت نهته عن هذا الفعل”.


وكانت صحيفة البعث الرسمية قد نشرت، في خريف العام 2020، تحقيقا يؤكد انتشار عمليات بيع الكلى. وأجرت استطلاعا، أكد فيه أطباء أن جريمة الاتجار بالأعضاء تمارس بشكل علني.

وفي آذار 2021 عرض أحد المتصلين بإذاعة “المدينة إف أم” كليته علنا للبيع، عبر برنامج “المختار”، الذي يبث على الهواء مباشرة.

هل سهلت حكومة دمشق بيع الأعضاء في السويداء؟

المحامي سليمان العلي اتهم “السلطات السورية بتسهيل بيع الأعضاء في السويداء، بعد أن ساهمت بزيادة الجوع والفقر، وغضت الطرف عن عصابات الاتجار في الأعضاء”.

 مشيرا إلى أن “كثيرين من المطلعين على  أوضاع المحافظة يتهمون حكومة دمشق بخلق مافيات لهذه التجارة المربحة. خاصة بعد أن استقبلت المناطق الخاضعة لها ملايين النازحين، الذين خسروا بيوتهم وأرزاقهم، وباتوا على استعداد لبيع أعضائهم”.

ويتابع حديثه بالقول: “توجد في العاصمة دمشق إعلانات معلقة على جدران الأحياء الفقيرة، المكتظة بالنازحين، وبالقرب من المشافي العامة والمساجد، من الواضح أنها تتعلق بتجارة وبيع الأعضاء البشرية. وغالبا ما تكون صيغتها الإعلان عن مريض بحاجة لكلية من زمرة دم محددة، مرفقة بكلمة تبرع، خوفا من المحاسبة القانونية. الأمر الذي ساهم في ازدهار الاتجار بالأعضاء”.

ويشير المحامي إلى أن “القانون السوري يمنع بيع وشراء الأعضاء البشرية. ويجرّم جميع المشاركين بالفعل، من بائع وشارٍ وسمسار وطبيب، بعقوبات جزائية ومادية، تصل إلى السجن المؤبد للمتاجر بالأعضاء. بينما يسمح القانون بالتبرع لمن تجاوز السن القانوني، وكان بكامل قواه العقلية، بعد توقيع إقرار خطي لدى كاتب العدل. إلا أن هذا لم يحد من بيع الأعضاء في السويداء، وسوريا عموما”.

مقالات قد تهمك: صور- بعد الجوع والحرمان.. عباراتٌ جدارية في السويداء ترفض ترشيح “بشار الأسد” لنفسه مجدداً

سعر الأعضاء في سوق العرض والطلب

من جهته يقول الطبيب المختص بأمراض الكلى خلدون .ع لـ”الحل نت” إن “عمليات بيع الأعضاء في السويداء صارت شبه علنية. وازدادت خلال سنوات الحرب الأخيرة، رغم أن ثمن الأعضاء قد انخفض، مع زيادة المعروض منها”.

ويتابع الطبيب، الذي رفض ذكر اسمه الكامل خوفا على سلامته الشخصية: “لم أعد أتفاجأ عندما يزورني مريض بكلية واحدة”.  مشيرا إلى أن “كثيرين من مرضاه يسألونه عن أسعار بيع الأعضاء في السويداء، ويؤكدون استعدادهم لبيع كلاهم، إن ناسبت أحد المحتاجين”.

 وبحسب الطبيب فإن “غياب إحدى الكليتين عن الجسم يسبب ضعفا في مناعته تجاه معظم الأمراض عموما، وخاصة التهابات المسالك البولية والإحليل والمثانة وتضخم البروستات وفرط كالسيوم الدم. فتصبح الكلية المتبقية بحاجة لعناية فائقة، لتقوم بعمل مضاعف”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.