لا توجد أرقام دقيقة حول معدل البطالة في سوريا، لكن معظمها يتقاطع حول فكرة ارتفاعها بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية نتيجة الحرب السورية التي ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة، لا سيما الجانب الاقتصادي، حيث وصلت أوضاع البلاد إلى مستويات متدنية، لدرجة أن أكثر من 83 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وفق تقارير أممية، الأمر الذي خلق صورة غامضة وسوداء لمستقبل جيل بأكمله ينتظر فرص العمل أو ربما المجهول.

اختلالات السوق

شهدت الأسواق خلال الفترة الأخيرة حالة غير مسبوقة من الركود وانخفاض مستويات الأجور مقارنة بمتطلبات المعيشة وارتفاع الأسعار، وهذا ما يدفع السوريين إلى البحث عن فرص عمل تتناسب مع الواقع المعيشي في سوريا بحيث يوفر لهم ولأسرهم الاحتياجات الأساسية، لكن فرص العمل الجيدة في سوريا باتت شبه مستحيلة، خاصة وأن قيمة الليرة السورية تتراجع يوما بعد يوم.

وقد ارتفعت نسب البطالة في سنوات الحرب الأولى إلى مستويات قياسية وصلت 48.5 بالمئة عام 2015 لتنخفض بعدها، لكن مع بقاءها عالية تزيد على 31 عام 2019 و الرقم الوحيد الذي حصلنا عليه من المكتب المركزي للإحصاء أن النسبة حاليا تزيد قليلا على 21 بالمئة بعد تواصلنا معه لمعرفة تركيبة هذه النسبة حسب مستويات التعليم لكن لم نحصل على الأرقام، وفقا لموقع “هاشتاغ” المحلي، في تقرير نشر يوم أمس.

أما صحيفة “البعث” المحلية، فقد نشرت قبل نحو شهر، تقرير تقول فيه، أن نسبة البطالة في سوريا ارتفعت من 8 بالمئة في عام 2011، إلى 56 بالمئة في عام 2013، وبالرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية لنسب البطالة خلال السنتين الأخيرتين لكنها بكل تأكيد تفوق الـ 60 بالمئة بحسب آراء عدد من المختصين خصوصا بين الخريجين في الجامعات والمعاهد التقانية، مؤكدين أن العاطلين عن العمل هم من خيرة الكفاءات والخبرات القادرة على إيجاد المخارج والحلول لمشاكلنا والسير وإن كان ببطء نحو تحقيق الأهداف.

وأشار موقع “هاشتاغ” المحلي في تقريره إلى أن “أصحاب المهن والحرف في وضع أفضل نسبيا مقارنة بالعاملين بدخل ثابت في القطاعين العام والخاص رغم أن عملهم يتسم بعدم الاستقرار ما يجعلهم عرضة للبقاء من دون عمل لفترات طويلة و هذا ما يدفعهم لرفع أجورهم”.

وبحسب مواطن يعمل في مجال تمديدات الكهرباء أفاد للموقع المحلي، “فقد يبقى لأيام طويلة بدون عمل بسبب قلة الطلب على تمديدات جديدة أو حتى تحسينات كهربائية في المنازل والمنشآت، إلا في الحالات الطارئة بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيشها الجميع.

وأضاف الموقع الإعلامي، “وهذا حال أبو نضال “سمكري” حيث أشار إلى أن عمله يتعلق بإصلاح الأعطال الطارئة بسبب عدم وجود ورش إنشائية حاليا، لكنه أكد عدم قبوله لأي عمل بأجر ثابت بسبب عدم الاستقرار في الأسعار واستغلال أصحاب العمل لعمالهم ورفضهم لرفع الأجور رغم رفعهم لأسعار منتجاتهم وخدماتهم”.

قد يهمك: البطالة وضعف القوة الشرائية في سوريا: المهن البديلة وسيلة مناسبة؟

لا عمل لأصحاب الشهادات الجامعية!

لعل من أكثر القطاعات تضررا من الحرب السورية هو القطاع التعليمي، خاصة الحاصلين على الشهادات الجامعية والدراسات العليا وذوي الخبرات، ويقول خالد الحاصل على شهادة جامعية في الهندسة إنه “نادم على السنوات التي قضاها في دراسته، فهو مجبر الآن على العمل في وظيفة لا يحقق دخلها الثابت أدنى متطلبات حاجاته الشخصية فكيف الحال إذا ما أقدم على مشروع الزواج؟”، وفق تعبيره للموقع الإعلامي.

وتابع في حديثه مشتكيا من الأوضاع في المزرية في البلاد، أن “وقته مستهلك تماما في العمل، لأنه اضطر للالتزام بعمل في شركة مقاولات بأجر 400 ألف ليرة شهريا، إلا أنها غير كافية أيضا لأنه يدفع 3000 ليرة وسطيا للتنقل بين عمله في دمشق ومنزل ذويه في معربا، وساعات العمل الطويلة من 9 صباحا حتى الخامسة مساء تتطلب وجبة طعام”.

فيما تمنى محمود الحاصل على شهادة معهد متوسط في حديثه للموقع الإعلامي، “لو أنه وفر سنوات دراسته وأتقن مهنة تجنبه الديون المتراكمة عليه، والتي دفعته للعمل على بسطة للمشروبات والدخان بعد وظيفته في القطاع العام”.

أما بشار الحاصل على الماجستير فأظهر أنه لا يجد فرصة عمل تضمن له دخلا يتناسب مع مستواه التعليمي. في الوقت نفسه حاول العمل كسائق تاكسي، لكنه فشل في التعامل مع هذه المهنة التي تحتاج إلى كل شيء ما عدا الخبرة التعليمية، بحسب موقع “هاشتاغ”.

أسباب البطالة

وتحدث الخبير الإداري، إياس الحمدان لـ “هاشتاغ” عن أسباب تفشي البطالة في سوريا. وقال إنه من خلال تحليل سوق العمل وهيكله نجد أن أصحاب العمل يواجهون صعوبات في تأمين كوادر جديدة، حيث يوجد نقص في الخبرة العملية خاصة في القطاع التقني السائد إقليميا وعالميا، خاصة بعد ظهور مفاهيم إدارية جديدة مثل “إنترنت الأشياء” و “البلوك تشين” والذكاء الاصطناعي، بالرغم من وجود بعض التخصصات التقنية، إلا أنها تعاني من نقص الخبرة العملية.

فضلا عن ظروف الحرب السورية التي أدت إلى هجرة العديد من الخبرات والظروف الاجتماعية المتعلقة بطبيعة عمل المرأة في حالات الزواج.

وبحسب مراقبين اقتصاديين، يعتبر القطاع الزراعي في سوريا الأكثر تضررا. بينما كان يوظف القطاع الزراعي أكثر من 50 بالمئة من القوى العاملة في سوريا، انخفضت النسبة إلى حوالي 10 بالمئة. ومنذ أن شهدت البلاد موجة جفاف شديدة دفعت عددا كبيرا من العمال الزراعيين في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا إلى الهجرة تحديدا نحو مراكز المدن بحثا عن فرص عمل جديدة.

واقترح الخبير الإداري عدد من المقترحات لضبط سوق العمل وزيادة كفاءة قواه مثل القيام بوضع برامج تدريب طويلة الأمد من شأنها تعزيز المهارات الأساسية والاهتمام بوضع خطط تدريب في قطاع السياحة والفندقة والمطاعم لأنه قطاع مهم للدخل القومي لكنه مهمل ربما بسبب الحرب. إضافة إلى الاهتمام بالبرمجيات والتقنيات واللغات حيث باتت معظم الأعمال تعتمد عليها حاليا، وفق تقديره الذي أفاد للموقع المحلي.

في ظل الواقع المعقد في سوريا، لا يزال مستقبل عدد كبير من العاطلين عن العمل من حملة الشهادات الجامعية والخبرة وغيرها غامضا ومجهولا. بينما تدعي الحكومة السورية إطلاق مشاريع وخطط تنموية واقتصادية وأن الأزمة السورية على وشك الانتهاء، فإن الواقع والظروف الحالية لا توحي بانفراج كبير في المستقبل المنظور، وهذا ما شهدناه خلال الشهرين الماضيين، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وكيف انهار الاقتصاد السوري بشكل كبير جراء ذلك، وبالتالي مدى هشاشة الحكومة السورية أمام الأزمات.

قد يهمك: ارتفاع نسبة البطالة في سوريا ومؤسسات الدولة مهددة بالإفلاس

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.