تشهد أسعار العقارات في بغداد ارتفاعا شديدا وغير منطقي، بحسب رأي معظم أهالي المدينة، بالقياس مع انعدام الأمن وقلة الخدمات وانهيار البنى التحتية في العاصمة. وقد باتت الأسعار في بعض المناطق أغلى من أسعار العقارات في باريس ولندن، وغيرها من المدن العالمية.

فقد بلغ سعر المتر المربع في منطقة المنصور، أحد الأحياء الراقية بغداد، ثلاثة عشر ألف دولار، أما في منطقة الكرادة فقد وصل إلى نحو أحد عشر ألف دولار. وهذا يفوق سعر المتر المربع في شارع “الشانزليزيه” الشهير في باريس، الذي يبلغ عشرة آلاف دولار. وكان يعتبر من الأغلى عالميا.

ويرجع بعض المختصين ذلك لغياب التخطيط الحكومي، وقوانين الشراء والاستملاك القائمة، التي مكّنت عناصر الفصائل المسلحة والفاسدين من شراء العقارات بدون حدود، مما يسهّل عمليات تبييض الأموال.

شراء العقارات أسهل طريقة لتبييض الأموال وتهريبها

الباحث الاقتصادي سلام زيدان يرجع ارتفاع أسعار العقارات في بغداد، وبعض المدن العراقية الأخرى، إلى عدة أسباب، أولها أن “شراء العقارات هو أسهل طريقة لغسيل الأموال، ومن ثم تهريبها لخارج العراق”.

موضحا في حديثه لـ “الحل نت”: “الأشخاص الذين سرقوا أموال العراق، أو يسرقونها حاليا، يعتبرون أن أفضل طريقة لتخزين الأموال هي شراء العقارات. لأنه ما زال بالإمكان دفع ثمن العقارات نقدا، وبدون تحويلات مصرفية نظامية”.

مشيرا إلى أنه “بعد شراء العقار بالإمكان بيعه وارسال سعره للخارج. وهذه طريقة مضمونة لغسيل الأموال وتهريبها”.

أسباب أخرى لارتفاع أسعار العقارات في بغداد

إلا أن زيدان يؤكد “وجود أسباب أخرى لارتفاع أسعار العقارات في بغداد، مثل هجرة أبناء المحافظات إلى العاصمة بكثافة بعد عام 2003”.  مبينا أن “أغلب من هُجِّروا من مناطقهم لأسباب طائفية استقروا في بغداد، ولم يرجعوا لمناطق سكناهم الاصلية”.

كما أن غياب التخطيط الحكومي أحد أهم ارتفاع أسعار العقارات برأي زيدان، الذي يشير إلى أن “مبادرة البنك المركزي العراقي بإعطاء قروض لشراء العقارات أدت لارتفاع الأسعار، لأنها حرّكت سوق العقارات، الذي توقف بعد تظاهرات تشرين الأول/أكتوبر 2019”.

وأضاف أن “عدم إنشاء مدن سكنية جديدة، تواكب الطلب على العقارات، بسبب بيئة الاستثمار المعقدة في العراق، من الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار العقارات في بغداد أيضا”. لافتا إلى أن “مدينة بسماية، التي تعتبر أكبر مدينة استثمارية ببغداد، متوقفة منذ عام 2019. بسبب الخلافات بين الشركة الكورية المشرفة على الاستثمار والدولة العراقية”.

ويشهد سوق العقارات عامة تصاعدا مستمرا في الأسعار، ولم يؤثر عليه انتشار جائحة كورونا، أو غيرها من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي شهدها العراق مؤخرا. ويؤكد المختصون حاجة البلاد لنحو ثلاثة ملايين ونصف المليون وحدة سكنية لحل أزمة السكن.

مقالات قد تهمك: أزمة السكن في العراق: ما علاقة الاكتظاظ السكاني بالمحاصصة الحزبية وانتشار العنف والجريمة؟

ارتفاع أسعار العقارات ليس مقتصرا على بغداد وحدها

من جانبه أوضح الناشط  الاجتماعي علي المهداوي أن “غلاء أسعار العقارات لا يقتصر على بغداد، وإنما بات ظاهرة عامة في معظم محافظات العراق”.

ويبيّن المهداوي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “هنالك مناطق بالمحافظات لا يستطيع أحد شراء العقارات فيها إلا المسؤولين، لأن أسعارها تساوي أسعار العقارات في بغداد”.

موضحا أن “العقارات التي تُشترى بأسعار هائلة في العراق ليست دورا وعمارات سكنية فقط، وإنما مولات ومطاعم ومقاه ترفيهية وأراض”. مؤكدا أن “عوائل الطبقات الفقيرة أو المتوسطة لا يمكنها مجرد التفكير بشراء هذا النوع من العقارات، الذي بات من يتعاملون به معروفين في الشارع العراقي”، حسب تعبيره.

معددا الجهات، التي تشتري العقارات بأسعار خيالية، وعلى رأسها، “المسؤولون الفاسدون، الذين يفضلون شراء العقارات في مدنهم ومناطقهم، لأنهم يخشون الانتقال إلى بغداد لشراء العقارات هناك؛ وكذلك قيادات الفصائل المسلحة، التي تعتاش على تحصيل الإتاوات من رجال الأعمال”.

العقارات في مزاد المناصب

ويلفت المهداوي إلى أن “العقارات غالية الأسعار دخلت ضمن مزاد بيع المناصب بين المسؤولين. فقد يتسلم مسؤول منصبا مهما، مقابل إعطائه عقارا، سواء كان أرضا أو دارا، للمشرفين على الجهة التي منحته المنصب”.

مؤكدا أن “الأمر لا يقتصر على العقارات في بغداد وبقية المحافظات العراقية، فحتى العقارات التي يشتريها بعض المسؤولين في الخارج، مثل تركيا، باتت  تدخل في صفقات الفساد، لبيع المناصب وتسهيل الأعمال غير القانونية”.

وكانت المديرية العامة للطابو والمسح العقاري في تركيا قد أعلنت بيع 68600 عقارا للأجانب في تركيا عام 2021، مشيرة إلى أن العراقيين في صدارة قائمة المشترين الأجانب للعقارات التركية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.