تعمل أنقرة على جعل دعمها لانضمام ستوكهولم إلى “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) مشروطا بتسليم حوالي 30 لاجئا سياسيا، الأمر الذي يثير هلع أكراد السويد.

لقد كان اللقاء “بناء” وستستمر المناقشة. فبعد ساعات قليلة من اجتماع ممثلي الحكومات الفنلندية والسويدية والتركية في أنقرة يوم الأربعاء الماضي، ما زالت هلسنكي وستوكهولم تأملان في إيجاد أرضية مشتركة مع تركيا لرفع اعتراضاتها على انضمام البلدين الشماليين إلى الحلف. لكن وزيرة الخارجية الفنلندية بيكا هافيستو حذرت من أن المفاوضات قد تستغرق “أسابيع بدلا من أيام”.

ولم يخف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تحفظاته تتعلق أساسا بالسويد. ففي 23 أيار، قدمت مخابراته قائمة مطالب على شكل لائحة اتهام ضد ستوكهولم، متهمة إياها بتمويل وتسليح “حزب العمال الكردستاني” وفرعه السوري، وفق الادعاءات التركية.

لقد طالبت تركيا السويد بإنهاء “دعمها السياسي للإرهاب”، ورفع الحظر الذي فرضته منذ عام 2019 على صادرات الأسلحة إلى أنقرة، وتسليم حوالي 30 شخصا يشتبه في صلاتهم بـ “حزب العمال الكردستاني”.

الشتات الكردي نشيط جدا

ردت رئيسة الوزراء السويدية، ماغدالينا أندرسون، على القائمة التي قدمتها تركيا، قائلة: “سننظر في القائمة التي قدمتها تركيا ونحل بعض الالتباسات”، مؤكدة أن السويد “لم ترسل أموالا أو أسلحة إلى منظمات إرهابية”، وأشارت إلى أن المملكة الاسكندنافية كانت “من أوائل الدول (…) التي صنفت حزب العمال الكردستاني على أنه إرهابي منذ عام 1984”.
وتواجه حكومة أندرسون ضغوطا متزايدة حتى لا تستسلم لـ “ابتزاز” أنقرة. وفي يوم الأربعاء الماضي، نشرت سبعة عشر شخصية، بمن فيهم رؤساء نقابات الكتاب والكتاب المسرحيين والصحفيين وممثلي منظمة “مراسلون بلا حدود” وجمعية “القلم”، مقال رأي، حثوا فيه الحكومة السويدية على عدم “الوقوع في فخ” أردوغان. وبحسب هؤلاء، “لا يمكن للسويد تحت أي ظرف من الظروف تسليم المثقفين إلى نظام يحاول إسكات منتقديه حتى داخل الحدود السويدية”.

“إنه ديماغوجي ويفعل ما بوسعه من أجل بقائه في السلطة. إذا بدأنا في الاستسلام له، فسيتقدم بمطالب أخرى”، يعلق كوردو باكسي، الصحفي من أصل كردي وأحد الموقعين على المقال، معبرا عن القلق الذي يجتاح الجالية الكردية في السويد. ويقدر عدد الأكراد في السويد اليوم بـ 100.000، من تركيا والعراق وإيران وسوريا ولبنان. “يجد الكثيرون أن الحكومة السويدية ليست حازمة بما فيه الكفاية تجاه تركيا، وأولئك الذين يطلبهم أردوغان بالاسم قلقون بشكل خاص”، يوضح السيد باكسي.

وإذا كانت السويد هدفا أنقرة على الدوام، فذلك لأنها لطالما كانت “ملاذا للاجئين السياسيين، لاسيما الأتراك والأكراد الذين فروا بعد الانقلاب العسكري في عام 1980، ثم في أعقاب العنف مع حزب العمال الكردستاني في التسعينيات”، كما يوضح بول ليفين، باحث في المعهد السويدي للشؤون الدولية في ستوكهولم والمتخصص في تركيا.

ويتابع ليفين قائلا: “إن الشتات الكردي نشيط للغاية وممثل سياسيا. كما أن هناك تعاطف قوي معه بين السويديين، داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على وجه الخصوص، ولكن أيضا في التشكيلات اليسارية أو في الحزب الليبرالي”.

وفي البرلمان السويدي، هناك ثمانية من أصل 349 نائبا هم من أصل كردي. ويرى أردوغان في الدول الاسكندنافية بمثابة حواضن للمنظمات الإرهابية، حتى أن هناك البعض منها لها ممثلين في البرلمان في بعض هذه البلدان. “يمكنني أن أؤكد لكم، سيدي الرئيس، أن هذا غير صحيح”، ترد النائبة الليبرالية غولان أفشي المولود في تركيا على أردوغان، ناشرة صورة لها مع النائبة المستقلة أمينة كاكابافيه، البشمركة السابقة المولودة في إيران.

وقد أعلن السفير التركي في ستوكهولم، قبل أن يتراجع، عن رغبته في تسليم السيدة كاكابافيه لتركيا، بسبب الاتفاق الذي أبرمته النائبة في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 مع الاشتراكيين الديمقراطيين. ففي مقابل دعم هذه النائبة لحكومة أندرسون، ستعزز ستوكهولم تعاونها مع الأكراد، لاسيما حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا. واعتقادا منها بعدم تنفيذ هذه الاتفاقية من الجانب السويدي، هددت كاكابافيه الحكومة بعدم التصويت على الموازنة القادمة.

وبالنسبة للديمقراطيين الاشتراكيين، فإن الوضع أكثر تعقيدا، حيث تغير موقفهم 180 درجة حول مسألة عضوية الناتو، ولا يزال الحزب منقسما، كما يلاحظ السيد ليفين. ويخشى الكثيرون من أنه من خلال التخلي عن عدم الانحياز، سيتعين على السويد التخلي عن سياستها الخارجية المستقلة، والتي تشمل الدفاع عن الأقليات، مثل الأكراد، وهو بالضبط ما طالبت به تركيا ما أن تم تقديم طلب العضوية. كما أن ضغوط السيد أردوغان تقدم حججا لمعارضي حلف شمال الأطلسي، حيث كان أحد الأسباب الرئيسية لرفضهم ترشح السويد هو على وجه التحديد وجود تركيا داخل الحلف الأطلسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.