بعد مرور عام على الانتخابات الرئاسية السورية، وسط تشكيك دولي بشأن شرعيتها الانتخابات. فيما اعتبر بعض المراقبين أن نتائج الانتخابات التي أفرزت نجاح الرئيس السوري بشار الأسد أمرا مفروغا منه، مشيرين إلى استمرارية التزوير في هذه الانتخابات منذ سيطرة الرئيس السابق حافظ الأسد على الحكم، حيث كان الأسد الأب يدخل الانتخابات دون منافس له، فيما كان الأسد الابن منذ عام 2014 يتنافس مع شخصيات يعتبرها بعض المراقبين بأنها أحجار ديكور لاستكمال عناصر اللعبة الانتخابية.

الانتخابات الرئاسية الثانية بعد عام 2011، شهدت رفضا دوليا وكذلك محليا سواء في مناطق الجنوب السوري أو المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق، فقد شهدت محافظة السويداء آنذاك منتصف العام 2021 أجواء متوترة بعد دعوات لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، وفي محافظة درعا المجاورة، انتشرت ملصقات ومناشير ورقية تدعو لمقاطعة الانتخابات، ومن هذه الكتابات كانت “العبيد يرضخون والأحرار يرفضون”، “حاربوك وعارفين أبوك”، “لا استقرار للبلد بوجود الأسد”.

كذلك أصدرت كل من الولايات المتحدة وكل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وقتذاك، بيانا مشتركا، يشكك بشرعية الانتخابات الرئاسية في سوريا، معتبرة أنها “لن تكون حرة ولا نزيهة”، منتقدين الرئيس السوري بشار الأسد وسياسة حكمه.

وأضافوا عبر البيان “نحن ندعم أصوات جميع السوريين التي نددت بالعملية الانتخابية باعتبارها غير شرعية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والمعارضة السورية”.

واعتبرت آنذاك الانتخابات “ليست جزءا من العملية السياسية” التي “تشمل انتخابات حرة ونزيهة بموجب دستور جديد” تحت إشرافها، وبهذا فإن سعي الأسد في الحصول على أموال المجتمع الدولي لإعادة الإعمار لا يمكن أن يحصل خارج تسوية سياسية تحت مظلة الأمم المتحدة، في حين يعمل ومن خلفه حلفائه على جذب “مانحين محتملين” على رأسهم دول الخليج، وسط انهيار اقتصادي غير مسبوق.

تثار العديد من التساؤلات بعد التمديد للأسد في سدة الرئاسة لسبع سنوات جديدة، حول ما يمكن أن يحققه الأسد خلال فترة رئاسته الجديدة، فضلا عن التساؤل حول ما استطاع الأسد تقديمه بعد عام من التمديد له في الرئاسة، في ظل تدهور اقتصادي غير مسبوق واستعصاء سياسي.

الأسد لم يقدم شيء جديد

لقد حمل العام الجديد عدة تغييرات بأرقام الاقتصاد السوري، والتي اتجهت للانحدار بمقابل اتجاه الأسعار لقفزات مضاعفة لا يمكن التوقع حيالها إلى أين ستتجه بعد ذلك، وكيف ومتى سيتم ضبطها. العام الحالي لم يختلف عن سابقه، فمع ارتفاع الأسعار في سوريا، سيكون على المدنيين الاعتبار بأن التطمينات الحكومية لا جدوى منها.

وضمن هذا السياق يقول الكاتب الصحفي فراس علاوي: “أولا وقبل كل شيء، يدرك الجميع أن الانتخابات في سوريا لا تحمل المعنى الحقيقي للانتخابات، أي أنها ليست ديمقراطية وليست مسارا لأية عملية سياسية، بل بالأحرى هي عملية متكررة تحت ما يسمى بـ “الاستفتاء”، والجميع كان يعلم نتيجة هذا “الاستفتاء” حتى قبل صدوره، مما يعني أنه حتى القائمين على هذه الانتخابات يعرفون أنها “تمثيلية” أمام الرأي العام، بأن هناك عملية ديمقراطية في سوريا”.

وأردف في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الأسد لم يحقق شيء حتى الآن، لأنه عمليا لا يمثل رئيسا لدولة وبمفهوم دولة حقيقية ذات سيادة وقرار ذاتي، هو يحكم نظاما في مناطق معينة بسوريا، وحتى في هذه المناطق لا يتحكم بجميع مفاصله. هناك قوى أخرى تنازع السيطرة عليها وتتغلب عليها في بعض المناطق الأخرى، لا سيما الميليشيات والقوى المتداخلة في سوريا (إيران وروسيا)، لذا فهو لم يحقق شيئا ولم يأتِ بشيء جديد في البلاد، في ظل الأوضاع التي تتجه نحو التدهور يوما بعد يوم وخاصة تراجع الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، وانتشار الفلتان الأمني في مناطق سيطرته”.

الكاتب السياسي درويش خليفة، خلال حديثه لـ”الحل نت” يتفق مع الرأي ذاته، حيث يقول “إذا ما تكلما بكل وضوح، فإن الانتخابات، حقيقة لم يكن متوقعا منها أن تأتي بشيء جديد، والجديد الذي من الممكن أن يحصل في سوريا، هو أن يترك بشار الأسد دفة الحكم، أو قد يكون عبر إحداث حل سياسي شامل لكل السوريين. أما بقاء الأسد في السلطة وبقاء القوى الدولية في سوريا وخاصة الميليشيات الإيرانية، فهذا لن يخدم الملف السوري ولن يأتي بجديد لسوريا، وبالتالي فإن الانتخابات الرئاسية السورية التي جرت منذ عام، وجودها وعدمه واحد”.

الأسد كان قد حدد في كلمة ألقاها خلال مراسم أدائه اليمين الدستورية لولاية رئاسية رابعة، توجهات بلاده للسنوات السبع القادمة.

وأشاد الأسد في كلمته أمام أعضاء مجلس الشعب وشخصيات سياسية وحزبية وعسكرية ودينية وعائلات القتلى والجرحى من عناصر الجيش السوري، بصمود الشعب السوري أمام ما مر به بلده من تحديات في السنوات الماضية، بحسب تعبيره، قائلا إن الشعب “حمى وطنه بدمه وحمله أمانة في القلب والروح، فكان على قدر مسؤوليته التاريخية حين صان الأمانة وحفظ العهد وجسد الانتماء في أسمى معانيه والوحدة الوطنية في أبهى صورها”.

قد يهمك: هل تقطع ثروة عائلة الأسد الطريق على التطبيع مع دمشق؟

تأزم سياسي والاتجاه نحو الأسوأ

في خضم التضخم الاقتصادي في البلاد، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وانعكاساته الأخيرة على سوريا، وازدياد تبعية الأسد لإيران، وقد ظهر ذلك جليا عندما زار الأسد مؤخرا طهران وفتح خط ائتماني مع إيران. إذ توحي المعطيات بأن الأمور تزداد تعقيدا وسط حالة من التأزم واستعصاء لأي حل سياسي في البلاد، بظل تعنت دمشق بإحداث أي حل سياسي وعدم تطبيقها للقرار الدولي 2254.

الكاتب السياسي، درويش خليفة، يرى أن، “السوريين اليوم شعب منكوب و90 بالمئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، وفي الأساس عندما ترشح الأسد للانتخابات في العام الفائت، كان يفترض أن يكون هناك برنامج سياسي واضح، وليس فقط إطلاق شعارات وهمية مثل ” الأمل بالعمل”، فأين العمل ومن سيعمل في هذا البلد، في حين السوريون يبيعون ممتلكاتهم في سبيل الهجرة من سوريا”.

وأضاف في حديثه مع “الحل نت”، بأنه وحتى عندما أصدرت الحكومة السورية مؤخرا عفوا عن المعتقلين، لم يتم الإفراج سوى عن 527 شخص من مختلف السجون المدنية والعسكرية والأفرع الأمنية في المحافظات السورية، أي أن دمشق لا زالت تعتقل/ تخفي قسريا قرابة 132 ألف مواطن سوري منذ آذار/مارس 2011 حتى أيار/مايو 2022، وفق تقارير حقوقية، و”بالتالي بكل وضوح وبساطة، فإن (النظام السوري) لم ولن يقدم شيء إيجابي للشعب السوري”.

وبالعودة إلى الكاتب الصحفي فراس علاوي، وعن الدور الروسي في سوريا، يقول: “يتعلق الأمر بمستقبل العلاقات الروسية-الدولية، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. إذا تم التوصل إلى اتفاق دولي في أوكرانيا، فسيكون الملف السوري من بين هذه الاتفاقيات. أما في حال انسحاب روسيا من سوريا – كما يجري الحديث عنه حاليا – فسيؤدي ذلك إلى ملء مكانه بالميليشيات الإيرانية، وبالتالي ستكون هناك خسائر اقتصادية أكبر لسوريا وسط استمرار العقوبات الدولية على سوريا”.

ويرى علاوي أن “الوضع الاقتصادي في البلاد سيتحول إلى الأسوأ طالما هناك فيتو أميركي-أوروبي على سوريا وكل من يتعامل مع دمشق، وكذلك الفيتو المستمر على إعادة الإعمار في سوريا، ما لم يكن هناك حل سياسي شامل، وتنفيذ القرار الدولي 2254، فإن الأوضاع في البلاد يتجه نحو الهاوية”.

الرئيس السوري بشار الأسد كان قد هاجم تركيا في أول خطاب له بعد أدائه اليمين الدستورية رئيسا للبلاد، معلنا سقوط مشروعها في بلاده، على حد وصفه.

وقال الأسد في خطابه من داخل “قصر الشعب” بدمشق: “محاولات تركيا لوضع سوريا تحت رحمة القوى الأجنبية تبخرت”.

وأضاف: “الوعي الشعبي هو حصنكم وهو حصننا وهو المعيار الذي نقيس به مدى قدرتنا على تحدي الصعاب”.

وفاز بشار الأسد بولاية رئاسية رابعة من 7 سنوات، بعد فوزه بنسبة 95 بالمئة من الأصوات وبفارق كبير جدا عن أبرز منافسيه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الـ26 من أيار/مايو الماضي.

قد يهمك: هل تلاشت فرص عودة العلاقات العربية مع دمشق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.