خفايا “مجزرة التضامن”، التي كشفها تحقيق صحيفة “الغارديان” البريطانية، تتكشف يوما بعد يوم، خصوصا وأن المجزرة التي نفذت على أيدي مجموعة من الجيش السوري، يقودها أمجد يوسف، في 16 نيسان/أبريل 2013 في حي التضامن بدمشق، وأسفرت عن مقتل ما يقرب من 41 شخصا ودفنهم في مقبرة جماعية، كانت صدمة جديدة للمجتمع الدولي عموما، والسوريين على وجه الخصوص.

أين ذهب أمجد يوسف؟

خلال التحقيق، أظهرت مقاطع الفيديو، مقتل 41 مدنيا أعزل معصوبي الأعين، على يد ضابط المخابرات العسكرية في ذلك الوقت، أمجد يوسف، والذي لم يعرف مصيره منذ ذلك الحين.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان، كشفت في تقرير لها، أمس الاثنين، أن الأجهزة الأمنية السورية، تحتجز أمجد يوسف الذي ظهر في الفيديوهات، وهو يقوم بإلقاء المدنيين في حفرة معدة لهذا الغرض، وسط شارع غير مأهول في منطقة التضامن، وبعد أن انتهى من إطلاق النار على الضحايا واحدا تلو الآخر، أشعل النار في جثث الضحايا من خلال حرق إطارات كانت موضوعة سابقا أسفل الحفرة.

وذكر تقرير الشبكة الذي اطلع عليه “الحل نت”، أن دمشق تتحفظ على أمجد يوسف، وأن عملية الاعتقال لم تتم بموجب أمر قضائي يستند إلى اتهام محدد، وأنه لم تتم إحالة يوسف، وهو ضابط في قوات الأمن السورية، وتحديدا فرع “227” في شعبة “المخابرات العسكرية” إلى القضاء، ولم تصدر المحكمة أي إعلانات بشأن اعتقاله.

وفي السياق ذاته، ذكر الصحفي السوري، والمقيم في لبنان، صدام حسين، أنه سيتم “تنفيذ حكم الإعدام بحق أمجد يوسف منفذ مجزر ة التضامن قريبا وفي ساحة عامة”، دون توضيح مصدر المعلومات.

هل تقطع دمشق الطريق على المحاكم الأوروبية؟

المعلومات الواردة من عن أمجد يوسف، تشير إلى أن دمشق تحاول قطع الطريق على المحاكم الأوروبية خوفا من إصدار قانون جديد على غرار “قيصر” الذي كبدها خسائر كبيرة، إذ قللت السلطات السورية سابقا، من قيمة الجلسات التي عقدت في واشنطن وكشفت آلاف الصور لجثث معتقلين، والتي تمخض عنها قانون “قيصر”.

رئيس “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، قال إن أبرز ما جاء في تقرير “الغارديان”، هو قدرة الباحثين على الوصول إلى هوية المسؤول الأول عن مذبحة التضامن، أمجد يوسف.

وكتب عبد الغني عبر حسابه على “فيسبوك”، “كان هناك لقاء مع المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، وتحدثت عن التحقيق وتسجيل الفيديو، في سياق الحاجة لوصف أفعال الأنظمة الوحشية مثل النظام السوري بأنها أعمال إرهابية، إذا لم يكن ما فعله أمجد وعصابته أعمالا إرهابية تحت رعاية بشار الأسد وحصانة كاملة ، فما هو الإرهاب”.

وعرضت اللقطات على ثلاثة مدعين عامين في أوروبا، في ألمانيا وفرنسا وهولندا لبدء الإجراءات القضائية، بحسب عبد الغني.

وفيما يتعلق بإمكانية استخدام اللقطات لرفع دعوى جنائية في المحاكم، أوضح الحقوقي، محمد العبد الله، مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، أنه من الممكن بالتأكيد رفع دعاوى، لكن مع عدم وجود إمكانية للإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، يقتصر التقاضي على دول الاتحاد الأوروبي، التي تسمح قوانينها بملاحقة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وتابع العبد الله في حديث صحفي، في الـ 10 من أيار/مايو الجاري، أن أمجد يوسف، عميل المخابرات الذي ظهر في التسجيل، ليس موجودا على الأراضي الأوروبية، لذا لا توجد إمكانية لمحاكمته غيابيا، حيث لا تسمح التشريعات أو القوانين الوطنية في هذه الدول بالمحاكمات الغيابية، وفقا لمبدأ الولاية القضائية العالمية لحقوق الإنسان .

ويرى العبد الله، أنه من الممكن إصدار مذكرة توقيف دولية مماثلة لأوامر التوقيف الصادرة بحق كبار مساعدي الرئي السوري، بشار الأسد، مثل اللواء علي مملوك، واللواء جميل الحسن، لكن هذا لا يعني أن أمجد يوسف منفذ مجزرة التضامن، سيسلم أو يقدم للعدالة والمحاكمة.

وتنص اتفاقيات جنيف لعام 1949 على أن الدول الأطراف ملزمة بتعقب الجناة المشتبه بهم في الانتهاكات الجسيمة (جرائم الحرب)، بغض النظر عن جنسياتهم ومكان ارتكاب الجريمة المزعومة، وتقديمهم إلى محاكمها أو تسليمهم إلى دولة طرف بالاتفاقيات للمحاكمة.

استنكار محلي للجرمية

أعادت المشاهد التي نشرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية في تحقيقها حول “مجزرة التضامن”، إلى الأذهان صور المصور في الشرطة العسكرية الذي عرف لاحقا باسم “قيصر” والتي بلغ عددها 55 ألف صورة تعود لـ11 ألف معتقل سوري قضوا في ظروف من التعذيب والمرض وغيرها في مراكز الاحتجاز التابعة للحكومة السورية.

ما جرى في يوم 16 نيسان/أبريل 2013، تم اكتشافه بطريق الصدفة، من قبل أحد المجندين في الأجهزة الأمنية، والذي قام بتهريب مشاهد الفيديو في رحلة طويلة ليوصلها إلى ناشطين في أوربا، حيث تم البدء بتحقيق استمر نحو عام ونصف، تخلله التواصل مع مرتكب “المجزرة” أمجد يوسف، الذي أكد في النهاية أنه نفذها مفتخرا بأنه كان يقوم بأداء واجبه.

تقول “الغارديان”، إن “هذه قصة جريمة حرب قام بها أحد أشهر الأفرع التابعة للنظام السوري، الفرع 227 يعرف بفرع المنطقة من جهاز المخابرات العسكرية”، حيث تم إلقاء القبض على مجموعة من المدنيين، كانوا معصوبي الأعين، مقيدي الأيدي، وساروا نحو حفرة الإعدام، غير مدركين أنهم على وشك أن يقتلوا بالرصاص.

أثارت “مجزرة التضامن”، تفاعلا واسعا من السوريين بشكل عام على المشاهد التي وُصفت بالمروعة التي نشرتها الصحيفة، حيث علق المحامي عارف الشعال  أن ” الجريمة جريمة…موقفك منها لن يغير من طبيعتها ولكن يحدد من أنت”.

من جهته، تحدث الكاتب والسياسي من السويداء ماهر شرف الدين، على صفحته على “فيسبوك”، عن معلومات خاصة وعاجلة تضاف لما تم نشره، بأن هناك مجرمين آخرين حسب وصفه، مسؤولون عن المجزرة، بجانب العنصر الذي ظهر بشكل رئيسي في المشاهد المدعو أمجد يوسف.

وفي سياق الرد على المجزرة، كتب المحامي حكم جيركو على صفحته على “فيسبوك”، “كل من يعتدي على حياة أو مال أو شرف أو كرامة أي مواطن سوري هو مجرم يجب أن يحاكم وينال عقابه وجزاءه العادل، الفرد الذي يعمل ضمن أجهزة الدولة الأمنية أو الشرطية أو العسكرية ويخرق القانون ويرتكب جرائم بحق السوريين هو أشد خطرا وضررا بأمن واستقرار البلاد من غيره من المجرمين العاديين لأنه يتخفى ويتستر ويحتمي بسلطة الدولة والقانون وعقوبته بالشرائع القانونية مشدده ومضاعفه لأن ضرره يتخطى فعله إلى المؤسسة التي ينتمي لها”.

التحقيق أثار غضبا محليا ودوليا، مستذكرا مذابح أخرى وتسريبات مماثلة، كان أبرزها تسريب 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل في 2014 من قبل المصور العسكري المنشق الملقب بـ “قيصر”، مما دفع الولايات المتحدة إلى الموافقة على قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 الذي يعاقب السلطات السورية، بما في ذلك بشار الأسد، على جرائم حرب ضد الشعب السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.