يعاني السوريون من أزمة كهرباء غير مسبوقة، مع زيادة عدد ساعات قطع التيار الكهربائي ووصولها في بعض المناطق إلى نحو 10 ساعات متواصلة، في مقابل تغذية بالتيار لمدة ساعة واحدة أو ساعتَين متواصلتين على أفضل تقدير. ومع غياب البدائل الدائمة ورداءة الوسائل المتاحة لتعويض قطع الكهرباء، فإنه لا مجال أمام السوريين القاطنين في مناطق سيطرة حكومة دمشق سوى ترقب أي تحسن قد يطرأ، والأمل بزيادة عدد ساعات التغذية.

تبريرات

وتبرّر حكومة دمشق أزمة الكهرباء بأن محطات توليد التيار الكهربائي في البلاد هي محطات انتهى عمرها الفني قبل سنوات، وثمة محطات شارف عمرها الفني على الانتهاء، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى صيانة دورية وقطع غيار. ومن المبررات كذلك عدم توفر كميات كافية من الغاز لتشغيل محطات التوليد، في الوقت الذي حُوّلت فيه إمدادات الغاز، التي وصلت إلى محطة الريان في حمص آتية من حقول الجبسة في الحسكة، بمعظمها.

ويبدو أنّ دمشق تهرب إلى الأمام في تبرير أزمة الكهرباء، إذ قال وزير الكهرباء السوري غسان الزامل، في مؤتمر “الاستثمار الأول في الطاقات المتجددة” الذي عُقد منتصف أيار/مايو الماضي، إن الحصار والعقوبات المفروضة على دمشق هي سبب الواقع الحالي.

وقد أقامت حكومة دمشق، المؤتمر الأول لـ”الاستثمار في قطاع الكهرباء والطاقات المتجددة”، بهدف تشجيع الاستثمار في سوريا، لتحسين القطاع الكهربائي، وهو الأمر الذي عجزت الحكومة عن تحقيقه خلال السنوات الماضية.

وحضر المؤتمر، رئيس الحكومة السورية، حسين عرنوس، وعدد من الوزراء، بالإضافة لوزير الطاقة اللبناني، وليد فياض، وعدد من المستثمرين منهم سوريون ومنهم من دعتهم الحكومة على أنهم من “الدول الصديقة”.

وزير الكهرباء، غسان الزامل، استعرض خلال المؤتمر سوء الواقع الكهربائي أمام المستثمرين، موضحا أن سوريا اقتربت قبل عام 2011 من إنتاج 400 ألف برميل يوميا من النفط، وكانت تستهلك نصف الكمية، وتصدر الباقي، بينما تراجع الإنتاج اليوم إلى 20 ألف يوميا فقط.

أسباب التدهور

لقد أدى تدهور الاقتصاد وانخفاض إمدادات الكهرباء بشكل كبير إلى اعتماد السوريين على الطرق القديمة للحصول على الطاقة، ووسط الانقطاعات المتكررة، أعلنت كهرباء دمشق، أنها غير قادرة على تلبية احتياجات الطاقة، مما يشير إلى استمرار الواقع السيئ لقطاع الكهرباء في سوريا لاسيما في العاصمة.

معضلة الكهرباء في دمشق وريفها ليست حديثة العهد، إذ تعاني المناطق السورية بالعموم منذ سنوات من نقص حاد في الطاقة بسبب تدهور محطات توليد الكهرباء الذي تفاقم بسبب تدمير أنابيب الغاز خلال العمليات العسكرية، ونتيجة لذلك، زادت ساعات انقطاع التيار الكهربائي، وتفاقمت المشكلة عند حدوث انقطاع غير منتظم للتيار الكهربائي.

الكهرباء هي العنوان الأبرز لمعاناة ملايين السوريين في مختلف المحافظات السورية، حيث تصل ساعات التقنين في بعض المناطق إلى 22 ساعة يوميا مقابل ساعتين تغذية فقط، في حين هناك خطوط معفية من التقنين تذهب إلى مناطق المسؤولين الحكوميين وأصحاب السلطة بشكل علني.

عضو مجلس الشعب سهيل سلام خضر، طالب بإلغاء كافة الخطوط الخاصة المعفاة من التقنين، والإبقاء فقط على الخطوط العامة وذات الطابع الإنتاجي، متهما وزارة الكهرباء بالفساد وتقديم خطوط معفاة من التقنين لبعض الجهات والشركات مقابل مبالغ مالية تدفع بشكل غير قانوني.

كما قال خضر في رسالة وجهها لرئيس مجلس الشعب ونشر نسخة منها عبر صفحته بفيسبوك، في نيسان/أبريل الفائت: ” إن فكرة الخطوط المعفاة ابتُدِعَتْ يوم كان التقنين (3ب3) وكانت آثارها على المواطن قليلة جدا، وقد شُكلت لجنة لهذا الغرض تُعفي من تشاء وترفض من تشاء والميزان هو من يدفع أكثر وإلا كيف تُعفى منشأة سياحية وتُرفض أخرى؟“.

الحكومة السورية خلال السنوات الماضية، قدمت عشرات الوعود بتحسين واقع التيار الكهربائي، إلا أن ما حصل كان العكس ومع تقدم الوقت تزداد ساعات التقنين في سوريا، فالوزارة قدرت في العام 2021 تكلفة إعادة بناء الإنتاج والنقل في القطاع بـ 2.4 مليار دولار، إذ وصل تقنين الكهرباء في سوريا، خلال العام ذاته إلى عشر ساعات لكل ساعة أو نصف ساعة من الكهرباء.

الجدير ذكره أن، الحرب أدت إلى تعرض 4 محطات من أصل 14 محطة لأضرار جسيمة، أي ما نسبته 18 بالمئة من استطاعة الدولة، وعليه ستبقى مناطق الحكومة السورية في المستقبل القريب بلا خدمات، كما ستواجه مصاعب في كيفية الحصول على ما يكفي من الوقود لتشغيل محطات الطاقة التي تديرها، وستواصل شبكة الكهرباء التهرب من المشكلة، بما أن داعمي الحكومة يرفضون الاستثمار بشكل مكثف في دعم الشبكة.

وفي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2021، أصدر الرئيس بشار الأسد، القانون رقم 32، والذي تم بموجبه تعديل المادة 28 من قانون الكهرباء رقم 32 لعام 2010، حيث أصبح بموجب القانون باستطاعة السوريين شراء الكهرباء المنتجة من مشاريع الطاقة المتجددة في سوريا، التي يمكن ربطها على شبكة النقل أو شبكة التوزيع إذا توفرت الإمكانات الفنية لذلك.

قروض الطاقة البديلة

في سياق التشجيع للتحول للطاقة البديلة في ظل تدهور قطاع الكهرباء، أعلن صندوق دعم الطاقات المتجددة، عن منح قروض بدون فوائد للموظفين لتركيب الطاقة الشمسية.

من جهته، كشف زهير مخلوف، مدير الصندوق، أن شريحة الموظفين هي المستهدف الأساسي من قروض الطاقة المدعومة من الصندوق، مشيرا إلى قرب صدور اتفاق إطاري لتنظيم عملية الإقراض من قبل مختلف المصارف العاملة في سوريا، بحسب موقع “أثر برس” المحلي.

مخلوف أشار إلى أنه، تم الاجتماع مع كل المصارف العاملة في سوريا سواء الخاصة أو العامة، لوضع اتفاق إطاري ينظم عملية الإقراض أو يدعم الفائدة على قروض الطاقة، لافتا إلى أن التفاصيل ستصدر في وقت قريب.

وأضاف أن الصندوق يهدف لتقديم الدعم للمستفيد منه على شكل قروض بلا فائدة أو سيتم دعم الفائدة على القروض، وهذا رهن بشكل الضمانات التي ستكون ضمن شروط المصارف نفسها، والتي قد تحدد إمكانية منح القروض لغير الموظفين أيضا، ومشيرا في نفس الوقت إلى أن الصندوق مخصص لدعم الاستهلاك الذاتي للطاقة وليس لدعم مشاريع التوليد.

الطاقة البديلة، وخصخصتها، مفاهيم لا تزال تتردد بين فترة وأخرى على لسان مسؤولين سوريين، ففي مطلع شهر أيار/مايو الماضي، قال وزير الكهرباء غسان الزامل، إن الوزارة هيأت بيئة تشريعية جديدة للاستثمار في مجال الطاقة البديلة، مضيفا أن سوريا تمتلك مقومات تشجع على تطبيق الطاقات البديلة، إذ تصل الأيام المشمسة إلى 300 يوم في العام، يمكن الاستفادة منها في توليد الطاقة الكهروضوئية.

كما أصدرت وزارة الكهرباء مطلع نيسان/أبريل الماضي مذكرة خاصة تظهر توجه الوزارة نحو مشاركة القطاع الخاص ببناء محطات توليد خاصة ومستقلة، لبيع الكهرباء للصناعيين، وحسب المذكرة فإن هذا التوجه هو نتيجة الطلب المرتفع على الطاقة الكهربائية في مختلف المجالات المنزلية والصناعية وغيرها، بحسب متابعة “الحل نت”.

الخصخصة

المذكرة بينت، أن هناك مستثمرين من القطاع الخاص يرغبون في بناء محطات توليد مستقلة خاصة، ما يفسح المجال لوزارة الكهرباء لتغذية القطاع المنزلي وغيره من القطاعات الخدمية بالكهرباء، وإلزام الصناعيين بتلبية جزء من أحمالهم الكهربائية من مصادر الطاقات البديلة.

الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية، سمير طويل، قال خلال حديث سابق لـ “الحل نت” إن خطة تحرير أسعار الكهرباء لدى الحكومة السورية، هو أمر طبيعي ويندرج ضمن المخطط الأشمل المتعلق برفع الدعم عن الحاجات الأساسية للمواطنين الذي تنتهجه دمشق خلال الآونة الأخيرة، مبينا أن دمشق تسعى للقول أن كلفة استجرار الطاقة الكهربائية وتوزيعها هي كلفة مرتفعة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود، وبالتالي لابد من اختلاف تسعيرة الكهرباء ويتم تحرير الأسعار في هذا القطاع. وبالتالي يتم التملص من دعم المواطنين ضمن هذا القطاع.

وأشار الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن تحرير أسعار الكهرباء يتطلب خصخصة القطاع بالكامل، وهذا بالضرورة يعني “إصلاح البنية التحتية، أي الدخول بعملية إعادة الإعمار التي لايبدو لها أفق في المرحلة الراهنة، ولا أعتقد أن أي من الشركات الرائدة في هذا المجال قد تقدم على شراء هذا القطاع”، مبينا أن تحرير أسعار الكهرباء سيجعل الفاتورة الشهرية تصل وسطيا إلى حوالي 30 دولارا أميركيا، وهذا يعادل راتبا شهريا لأستاذ جامعي في سوريا.

وتم إحداث صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة بموجب القانون رقم 23 الصادر في تشرين الأول/أكتوبر 2021، بحيث يستفيد منه القطاع المنزلي والزراعي والصناعي والتجاري والخدمي.

وكان مجلس الوزراء، وافق في كانون الأول/ديسمبر الماضي على منح وزارة الكهرباء سلفة مالية بقيمة 10 مليارات ليرة سورية لمصلحة حساب صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة بما يمكن للمواطنين الاستفادة من خدمات الصندوق والمساهمة في توسيع نطاق استخدام هذه الطاقات

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.