نظرية المؤامرة وأبناء السفارات، شعارات لا تفارق الجهات الموالية لإيران بمواجهتها إلى أي رفض تتعرض له في العراق سواء كان سياسيا أو شعبي، لمساهمتها في فشل العملية السياسية العراقية منذ 2003 وإغراق البلاد في الأزمات.

لكن الغريب هذه المرة أن القضاء العراقي يرفع ذات الشعار، ويتحدث بلهجة مشابهة، في رده على اعتراض مثقفين وصحفين على موقفه تجاه برنامج يبث من على شاشة التلفزيون العراقي الرسمي، حيث اتهم مقدم البرنامج في بيان رسمي بـ”تعمد الإساءة إلى مجلس القضاء عبر استضافة شخصيات محددة كما أنه صاحب رأي سلبي متطرف يتطابق مع من يتعمد استضافتهم”.

https://twitter.com/adnanaltia/status/1532270049490259969?s=21&t=jzESYfdZs7hV0K9DtM35tw

اقرأ/ي أيضا: العراق.. فضيحة جديدة للحلبوسي وتذمر شعبي واسع

إساءة متعمدة

جاء ذلك على خلفية حلقة من برنامج “المحايد”، الذي يقدمه الإعلامي سعدون محسن ضمد، تخللها اتهامات من قبل ضيف البرنامج الكاتب والصحافي سرمد الطائي للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، فضلا عن رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي فائق زيدان.

واتهم الطائي خلال حديثه عن الأزمة السياسية القائمة في البلاد، رئيس مجلس القضاء الأعلى بـ “الانحياز” لحلفاء طهران في العراق، قائلا إن “وجود زيدان يمثل ظهور دكتاتورية جديدة في البلاد، حيث تطال مذكرات الاعتقال أي معترض على رئيس مجلس القضاء”.

بالمقابل، أصدرت شبكة الإعلام العراقي اعتذارا رسميا لمجلس القضاء عنما صدر في البرنامج، كما حذفت حلقة البرنامج من على كل منصاتها، بعد أن اتهم رئيس القضاء فائق زيدان مقدم البرنامج بـ”تقصد إخراج هذه الإساءات إلى الجمهور المشاهدين كأنها بدرت من ضيوف البرنامج لا من القناة”.

وعلى الرغم من وجود مادة قانونية صريحة في العراق، تنص، أن “الإعلامي غير مسؤول عما يرد على لسان ضيوفه من آراء، إلا أن القضاء العراقي بقي مصرا على موقفه، حيث أصدر مذكرة قبض بحق الكاتب والصحفي سرمد الطائي، وهذا ما أثار موجة سخط كبير في الوسط الأوساط الصحافية والأدبية والثقافية إزء محلس القضاء.

وأصدر مئات المثقفين والفنانين والأدباء والأكاديميين والإعلاميين والناشطين المدنيين العراقيين بيانا استنكروا فيه واقع حقوق الإنسان في عموم العراق، مؤكدين أنه يشهد تراجعا ملحوظا في ظل تزايد أوامر الاعتقال التي تستهدف ناشطين وأدباء، مستندة إلى قوانين سنت في زمن نظام صدام حسين.

وبدلا عن احتواء الأزمة والمضي باتجاه تطمين هذه الشريحة المهمة في المجتمعات، رد مجلس القضاء اليوم الثلاثاء، على ذلك في بيان مطول، اتهم من خلال “شبكة إعلاميين” مدعومين من الخارج والداخل يحاولون “تعمد إهانة المؤسسة القضائية لمصالح شخصية أو لعدم الدراية الكافية والاستناد على مصادر غير موثوقة”، لخلق جو من عدم الثقة بين القضاء والمواطنين.

وقال إعلام القضاء في بيان تلقاه موقع “الحل نت”، إنه “يود التوضيح بشأن إجراء محكمة تحقيق الكرخ الأولى تحقيقا في قضية تتعلق ‏بالإهانة المتعمدة بحق المؤسسة القضائية بغية إضعاف ثقة المواطنين بالقضاء ‏وما يصدر عنه، خصوصا في الاختصاص الدستوري بهدف إرباك المشهد السياسي خارج ‏حدود حرية التعبير عن الرأي والنقد الموضوعي البناء الذي كفلته المادة 38 من ‏الدستور”. 

وأظهرت نتائج تلك التحقيقات، أن “هناك شبكة ممن يصفون أنفسهم ‌‏(إعلاميين) لديهم مصالح خاصة أو (خبراء وفقهاء قانون) لديهم خصومات شخصية مع القضاء امتهنت إشاعة الأكاذيب وتحوير المفاهيم الدستورية والقانونية بشكل مقصود، باتجاه عدم الاطمئنان لما يصدره القضاء باستغلال عدم فهم الكافة بالقانون عبر صفحات التواصل ‏الاجتماعي وقنوات يوتيوب غير مسجلة رسميا، لها ارتباطات في داخل العراق وخارجه وكذلك بعض القنوات الفضائية المحسوبة على جهات سياسية معينة اختارت طريق ‏الإساءة إلى القضاء كرد فعل على بعض القرارات التي صدرت بخلاف مصالحها”، وفقا للبيان.

كما أشار، إلى أن “هذه الممارسات غير القانونية هي جزء من مشروع عدم الاعتراف بالنظام السياسي القائم، وبتحريك أجندات دولية، وعلى إثر ‏ذلك صدرت قرارات باستقدام المتورطين بهذه الجريمة التي يعاقب عليها قانون العقوبات ‏رقم 111 لسنة 1969 النافذ وفي مواده”، مؤكدا في الوقت ذاته “احترامه وحرصه على كفالة حق التعبير ‏عن الرأي بكافة الوسائل حتى لو تضمن ذلك نقد القضاء وشخوص القائمين على إدارته ‏بشكل موضوعي بعيدا عن التشكيك بالوطنية ووصف القضاء بألفاظ وعبارات تشكل ‏جريمة، لا تعبر عن رأي ودليل”.

اقرأ/ي أيضا: المالكي ضد “الأمن الغذائي”.. تغييب القانون مجدّداً؟

تميز لابد من ملاحظته

القضاء لفت إلى أن “التمييز بين الحالتين يفترض يعيه جميع المثقفين ‏والمختصين سواء في القانون أو الإعلام ومن غير المقبول التبجح بشعارات تكميم ‏الأفواه أو تقييد حرية التعبير عن الرأي في حالات مخالفة القانون لأنها سوف تكون مبررا لا ‏أكثر للسماح بارتكاب أفعال جرمية تخضع للمساءلة القانونية”. 

من جانبه، يقول الصحافي أحمد الهاشم: “لا اعرف حقيقة ما جناية وذنب مقدم البرنامج في ما يقوله أحد الضيوف أو الضيوف كلهم، خصوصا وأن مقدم البرنامج وفريق الاعداد ليسوا مجموعة من المنجمين والعرافين وقارئي الفنجان كي يتوقعوا ما سيقوله احد الضيوف”.

وأشار إلى أنه “في حال تجاوز أحد الضيوف والبث مباشر لا يمكنك منتجة كلام المتحدث، لأن هذه العملية في البرامج المسجلة وليس المباشرة”.

بالمقابل، قال الصحافي علي الرزاق لموقع “الحل نت”، إن “ما بحاول فعله القضاء العراقي هو فرض دكتاتورية سبق وأن فشل من قبلهم في فرضها، لكن الغريب أن في العراق الجميع يحاول تكرار الأخطاء”.

وأضاف أن “الحديث عن القضاء يحتاج إلى مراجعة حقيقة، لا سيما وأنه لا ينفصل عن شكل النظام المتهاوي، بل ويأتي عن طريق النظام، بالتالي أن مثل ما صدر عنه ليس بغريب، الغريب أن رئيسه بدأ يجهر بمحاولات فرض الدكتاتورية”.

وقبل أيام، أصدر مجلس القضاء الأعلى، مذكرة إلقاء قبض بحق مقدم برنامج “بوضوح” على شاشة تلفزيون زاكروس، محمد جبار وفق المادة 226 من قانون العقوبات العراقي أيضا.

وبقي شعار “أبناء السفارات” أو كما الذي ورد في بيان القضاء العراقي بإشارته لمناهضيه بأن هناك جهات خارجية تقف خلفهم، تهمة جاهزة لملاحقة تلك الأصوات وكل من يبدي برأيه في العراق، بحسب مراقبين.

بالمقابل، لاقى الإعلامي سعدون ضمد، تعاطفا واسعا، وحملة تضامنا من قبل الوسط الصحفي، فيما أصدرت “جمعية الدفاع عن حرية الصحافة”، بيان استغربت فيه ما صدر عن رئيس مجلس القضاء الأعلى، قائلة إنها “تستغرب بيان السيد فائق زيدان بوصفه مقدم البرنامج بالمتطرف السلبي، وإطلاقه أحكاما مسبقة إزاء ضمد المعروف بمهنيته وموضوعيته طيلة فترة عمله كمقدم للبرامج منذ أكثر من عقد من الزمن، وجميع الأسرة الصحفية تشهد بذلك”.

اقرأ/ي أيضا: ثلاث مشاريع عراقية لتخفيف الازدحامات المرورية.. ماذا عن القطار المعلق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة