تؤدي المخلفات الحربية في درعا إلى كثير من المآسي، التي تضاف إلى الأزمات المعيشية والأمنية الخانقة، التي يعاني منها أهالي المحافظة. ففي يوم السبت، الحادي عشر من حزيران/يونيو الحالي، قُتل نحو اثني عشر شخصا، بينهم أطفال ونساء، كما جرح نحو اثنين وثلاثون آخرون، جراء انفجار لغم أرضي بحافلة كانوا يستقلونها، عند عودتهم من موسم حصاد القمح في بلدة دير العدس شمالي درعا.

وبات مثل هذا المشهد الكارثي مألوفا في المحافظة بعد عملية التسوية في العام 2018. وعلى الرغم من تكرار الحوادث إلا أن حكومة دمشق لم تصغ لمطالب المدنيين بالتخلص من المخلفات الحربية في درعا، ومنها الألغام وبقايا القنابل والصواريخ غير المنفجرة.

درعا على بحر من الألغام والقنابل

تعود مشكلة المخلفات الحربية في درعا لفترة احتدام المعارك على المحافظة، فخلال سيطرة أطراف عديدة على المنطقة، منذ العام 2018، عمد كل طرف إلى زراعة حقول من الألغام في محيط مناطق سيطرته، لقطع الطريق على الأطراف الأخرى. ولكن الطرفين الرئيسيين، اللذين قاما بأكبر عملية زرع للألغام، هما القوات النظامية وتنظيم داعش.

فقد قامت القوات النظامية بإحاطة ثكناتها العسكرية، وحتى الأراضي الزراعية البعيدة نسبيا عنها، بشراك خطيرة للغاية. وخاصة في مناطق الغارية الشرقية، خربة غزالة، داعل، الصورة، علما، الشيخ مسكين، محجة، نوى، الأراضي بين مدينتي طفس وداعل، والأراضي المحيطة بدرعا البلد، بحسب مصدر خاص لـ”الحل نت”.

المصدر أوضح أيضا أن “منطقة حوض اليرموك، المعقل السابق لتنظيم داعش، مليئة بالألغام وشراك العبوات الناسفة، التي زرعتها كتيبة الهندسة التابعة للتنظيم، وزادتها قبيل سقوط المنطقة بيد القوات النظامية في العام 2018”.

وبيّن المصدر أن “هناك كثيرا من المخلفات الحربية في درعا، خاصة في السهول الزراعية، وحتى في عديد من المنازل المدمرة، ما أدى إلى سقوط كثير من الضحايا خلال السنوات الماضية”.

ما المخلفات الحربية ولماذا يتم زرعها وتركها؟

بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي يستخدم مصطلح “مخلفات الحرب القابلة للانفجار” لوصف مجموعة كبيرة من الأجسام المتفجرة، التي تبقى في منطقة معينة بعد انتهاء النزاع المسلح. وتشمل هذه الأجسام: قذائف المدفعية والقنابل اليدوية وقذائف الهاون والذخائر الصغيرة والصواريخ والقذائف، وغيرها من الأجهزة القابلة للانفجار.

أما الألغام فهي من الأسلحة الفتاكة، التي لها تأثير طويل الأمد على الشعوب بعد انتهاء الحروب بعقود كثيرة، فهي تحول دون تطوير المساحات التي تكمن فيها حقول للألغام، وتعرّض البشر وثرواتهم للخطر على المدى البعيد. وتقسّم الألغام إلى عدة أنواع، منها الألغام البرية، التي تستهدف الأفراد والآليات؛ والألغام البحرية؛ وغيرها.

المقدم السابق أحمد الحوران، يشرح لـ”الحل نت” الخلفيات العسكرية لمشكلة المخلفات الحربية في درعا. موضحا أن “الهدف من الألغام الحيلولة دون تقدم القوات المعادية، حتى يتم تحييد مساحة معينة من الأرض، فلا تشكل منفذا يُخشى من دخول العدو منه”.

وأشار إلى أن “استخدام الألغام البرية يتطلب تعاونا وثيقا بين وحدات المدرعات والمشاة وسلاح المهندسين، ومعرفة وثيقة بمواصفاتها”. مضيفا أن “زراعة الألغام تختلف حسب نوعها، فهي تزرع إما بطمرها بشكل يدوي، خلال حالات الدفاع في المعركة؛ أو بشكل مبعثر، عبر زارعات ألغام خاصة خلال الاشتباكات وحالات الهجوم”.

وأكد الحوراني أن “الألغام لا بد من أن تزرع وفق خطة هندسية، تنفذها وحدات الهندسة العسكرية. إذ تمتلك هذه الوحدات خرائط خاصة بكل حقل للألغام تم زرعه، وذلك من أجل سهولة تفكيكها بعد انتهاء العمليات القتالية”.

ولكن، وبحسب الحوراني، فإن “القوات النظامية، وتنظيم داعش، الذي حصل على كميات كبيرة من الألغام المسروقة، قاما بزراعة الألغام بشكل شبه عشوائي، مكتفيين باستخدام نقاط علام، كي لا تنفجر الألغام فيهما. ومع ذلك انفجرت الألغام في عناصرهما مرات عديدة”.

أما بالنسبة للذخائر غير المنفجرة، وهي من أهم المخلفات الحربية في درعا، فأشار الحوراني إلى أن “الأراضي والمناطق السكنية في المحافظة ما تزال مليئة بها حتى اليوم، ولكن خطرها أقل من الألغام، إذ أنها عادة ما تكون ظاهرة للعيان”.

وحول الانفجار الذي أودى بحافلة المزارعين في بلدة دير العدس، أوضح الحوراني أن “هذه البلدة مجاورة للمنطقة المعروفة باسم مثلث الموت، الخاضعة لسيطرة الميليشيات الإيرانية، وهناك زرعت مئات من الألغام والعبوات الناسفة، وهي من أكثر المناطق التي تحوي المخلفات الحربية في درعا”.

المخلفات الحربية في درعا وسيلة لابتزاز المواطنين

على الرغم من أن مسؤولية إزالة الألغام والمخلفات الحربية في درعا تقع بالكامل على عاتق القوات النظامية، المسيطرة على المحافظة، إلا أن وحدات الهندسة التابعة لها، حسب معلومات خاصة حصل عليها “الحل نت”، تتقاضى مبالغ مالية من الأهالي، مقابل تنظيف أراضيهم من الألغام.

ووفقا للمعلومات تختلف هذه المبالغ بحسب مساحة الأرض، وعدد ونوع المخلفات الموجودة فيها. فبينما كانت قيمة المبالغ المطلوبة، في عامي 2018 و2019، تتراوح ما بين ثلاثين وخمسين ألف ليرة مقابل تنظيف الدونم الواحد، يصل المبلغ الآن إلى نحو مئتي ألف ليرة للدونم.

أبو محمد، مزارع من درعا يملك أرضا مساحتها اثني عشر دونما، في محيط بلدة خربة غزالة بريف المحافظة الشرقي، قال لـ”الحل نت” إنه “دفع للقوات النظامية، في مطلع العام 2020، مقابل الكشف عن وجود ألغام في أرضه، مبلغ خمسمئة ألف ليرة”. مشيرا إلى أنه “تم اكتشاف وجود لغم واحد، من النوع المستعمل ضد الآليات”.

أما عبد الله المحمد، من مدينة الشيخ مسكين، فأكد لـ”الحل نت” أنه “دفع مبلغ مليون ومئتي ألف ليرة للقوات النظامية، للكشف عن وجود مخلفات حربية في أرض يمتلكها، بالقرب من اللواء 82 دفاع جوي”. موضحا أن “الأرض كانت تحتوي على خمسة ألغام مضادة للأفراد. وقد قامت القوات النظامية بتفجيرها لاحقا”.

وتشير الأرقام، التي حصل عليها “الحل نت”، من مكتب التوثيق في “تجمع أحرار حوران”، إلى مقتل ما لا يقل عن مئة وتسعة وثلاثين شخصا، معظمهم من المدنيين، نتيجة لانفجار المخلفات الحربية في درعا. إضافة إلى جرح العشرات، ومنهم من تعرض لإعاقة دائمة، وذلك منذ اتفاق التسوية في العام 2018 وحتى الآن.

مخاوف كبيرة، يبديها المواطنون، وخاصة المزارعون، خشية تعرضهم لانفجار أي من المخلفات الحربية في درعا، سواء كانت ألغاما أو مخلفات أخرى غير منفجرة، في الوقت الذي لا تقوم فيه حكومة دمشق بعملها، وتحمل مسؤوليتها في إزالة هذا الخطر، الذي يهدد حياة آلاف المواطنين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.