ما تزال قضية تهجير مسيحيي العراق تثير كثيرا من الجدل. ففي سابقة خطيرة، رفضت إدارة شؤون المسيحيين في العراق دعوة المواطنين المسيحيين المغتربين إلى العودة مجددا لوطنهم، مما يؤشر أن البلاد تمر بمنعطف غير مسبوق، مع تفاقم الأزمات بشكل ملحوظ، وسط انسداد سياسي وحكومة معلّقة.

ويرى كثير من المتابعين، أن حياة الأقليات في العراق بعد عام 2003 باتت مستحيلة، وليس من المستبعد أن تقوم الأقليات الأخرى ،بإطلاق تصريحات مماثلة لتصريح إدارة شؤون المسيحيين، وتطالب أبناءها بعدم العودة للبلاد، مما سيؤثر دوليا وداخليا على موقف العراق، ويدفعه إلى مصير مجهول.

وما تزال التهديدات، والعوامل التي أدت إلى تهجير مسيحيي العراق قائمة حتى اللحظة، إذ تستمر ميليشيات مسلحة بحكم مناطقهم، ما يعرضهم لتهديدات لا تتوقف. فضلا عن الخدمات شبه المنعدمة في مختلف محافظات البلاد.

لماذا ترفض إدارة شؤون المسيحيين عودة المغتربين؟

“لا مجال لمزيد من الوعود الزائفة”، هذا ما قاله الأب مارتن هرمز داود، مدير شؤون المسيحيين، الذي أكد لموقع “الحل نت” أن “الأمان والمستقبل لا يتوفران في العراق الآن، وهذا ما لا يمكننا أن نكذب فيه على مواطنينا”.

ويضيف داود أنه “من المستحيل أن نعد المسيحيين في الخارج بالأمان والمستقبل، وكلاهما غير موجود على أرض العراق، لذلك لا يمكن أن نطلق دعوة من فراغ، ونحن أمام انسداد سياسي، وحكومة غير مشكّلة وبرلمان معطّل، وأزمات اقتصادية وبيئية وسياسية. وهذا يُعد الشرط الاساسي لتوفير بيئة آمنة لعودة المسيحيين”.
ويُلفت إلى أن “الشعور بالانتماء والاحساس بالأمان، من الحاجات الأساسية التي افتقرها الناس في الآونة الأخيرة، وهذا ما أدى إلى تهجير مسيحيي العراق”.

ويشدد مدير شؤون المسيحيين على أن “عدم وجود دولة حقيقية، يتعامل نظامها على غرار الأنظمة المستقرة في الخارج، فيما يخص الحقوق والواجبات، هو أحد أهم مسببات الهجرة. فالأمر لا يقتصر فقط على تأمين عقارات المسيحيين، وإعادة دورهم التي تم الاستيلاء عليها، كما تحاول الحكومة العراقية الآن أن تفعل، معتبرة أن هذا كاف كي تدعو المسيحيين للعودة”.

ويشير الأب داود إلى أن “العراق يحتاج وقتا طويلا لترتيب الأوراق، لا سيما وأنه يشهد صراعات داخلية وخارجية، جميعها تدور على أرضه، وما تزال ولادة الديمقراطية في البلاد عسيرة، لأن الديمقراطية تقاس برفاهية الأقليات في البلدان، وتهجير مسيحيي العراق دليل واضح على غياب الديمقراطية”.

مؤكدا أن “المسيحيين لا يمتلكون ميليشيات ولا سلاحا ولا أحزابا، ويريدون العيش الكريم والأمان فقط. والحديث عن إفراغ العراق من المسيحيين كليا لا أعتقد بصحته، لكن حينما يجد المواطن العراقي بشكل عام حاضنة في دول الخارج سيهاجر، وذلك خشية من مرور البلاد بأزمة جديدة تهدد الأمن، وقد يكون السلاح فيها هو الحَكم”.

لا توجد إحصاءات موثوقة عن عدد المسيحيين، الذين فرّوا من العراق خلال الموجات المتتالية من إراقة الدماء، لكن وفقا للأب مارتن هرمز داود فإن “عدد المسيحيين في العراق حاليا يصل إلى نحو ثلاثمئة ألف مسيحي فقط، انخفاضا من مليون ونصف المليون في عام 2003”.

الاستيلاء على العقارات أحد أهم أسباب تهجير المسيحيين

سعد سلوم، الخبير في شؤون التنوع الديني، أوضح لموقع “الحل نت”، أنه “رغم كون موجات الهجرة من العراق مستمرة منذ عقود، لكن وتيرتها ارتفعت بشكل كبير بعد العام 2003، وذلك لأسباب سياسية وأمنية، رافقت الاجتياح الأميركي للعراق. وعلى هذا الأساس ،تم وضع ضوابط لبيع عقارات المسيحيين، للحدّ من ظاهرة الاستيلاء عليها، لأن الاستيلاء على العقارات، هو أحد أهم أسباب تهجير مسيحيي العراق”.

ويؤكد أن “التحقيقات أثبتت تورط عديد من موظفي دوائر العقار في عمليات الاستيلاء على عقارات المسيحيين. إذ إن عقارات هذا المكوّن ،غالبا ما تقع في مناطق راقية وغالية الثمن، باتت تجذب المافيات العقارية، التي حاولت استثمار تهجير مسيحيي العراق، وعدم متابعتهم لهذه العقارات، لا سيما بعد 2014. وتسببت هذه الخروقات الكبيرة برد فعل من جهات سياسية، أدت إلى استجابة حكومية، وكذلك استجابة من القضاء، فتم على إثر ذلك وضع ضوابط خاصة لبيع عقارات المسيحيين”.

الوضع الهش لمسيحيي العراق

وفي السياق نفسه، يكشف سلوم عن “تحوّل عديد من المناطق إلى مناطق صافية دينيا وعرقيا ومذهبيا، كما حصل في أحياء بغداد من توزيع طائفي، نتيجة الوضع الأمني والسياسي، فضلا عن ضعف الدولة”.

ويلفت إلى أن “المكوّن المسيحي لا يمتلك الخصائص الاجتماعية الموجودة لدى بقية المكونات، فهو يفتقر لبنية عشائرية أو فصائل مسلحة، أو حاضنة حزبية قوية، تدعم أبناءه وتحميهم، لذلك يشعرون بأن وضعهم هش، ومعرضون لتحديات اجتماعية باستمرار، وهذا من أهم العوامل المساعدة على تهجير مسيحيي العراق”.

وحول ملف تهجير مسيحيي العراق تقول إيفان يعقوب، وزيرة الهجرة والمهجّرين السابقة، وعضو مجلس النواب الحالي عن المكوّن المسيحي، إن “هنالك جهات داخلية وخارجية تحاول اجراء تغييرات ديمغرافية في العراق، إلا أن تلك المحاولات فشلت بحكمة العراق وأبنائه. وكان هنالك دور لمراجع الدين، من جميع المكونات، في درء هذه الفتنة والتفرقة”.

وتؤكد يعقوب، في حديثها لـ “الحل نت”، “أنها أثناء ما كانت تشغل منصب وزيرة الهجرة والمهجرين، استطاعت الدفاع عن مناطق الأقليات، ومن بينها مناطق المسيحيين والإيزيديين، وحتى مناطق المسلمين، إذ سعت لتقديم الإغاثة والإيواء، وتوفير الحماية القانونية لهم”، حسب تعبيرها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.