مجددا، شعر الوجه هو مسألة أسلوب وليس أمان. يمكن أن يعبر الشارب عن أشياء كثيرة، فقد يكون مصدرا للفخر أو مصيدة للفتيات أو للإزعاج كونه شائك. ولكن في العراق، يمكن أن يكون مسألة حياة أو موت.

فخلال فترة الحكم الاستبدادي لصدام حسين، قلّد أعضاء دائرته المقربة شاربه الأسود الكثيف على نطاق واسع. وحتى اليوم، غالبا ما يفترض بأن الرجال ذوي الشوارب يعملون في الجيش أو في جهاز المخابرات. وقد حلق الكثير من العراقيين شواربهم على مضض في فترة العنف التي أعقبت الإطاحة بصدام، حيث كان إطلاق الشارب أمرا خطيرا. أما اليوم، فالعراق ينعم بالسلام نسبيا، وها هو الشارب يعود من جديد، بحسب ما أورده تقرير لمجلة “الإيكونوميست” البريطانية، وترجمه موقع “الحل نت”.

من جهة أخرى، لا تزال تشير الطريقة التي يحلق بها الرجال العراقيون شعر وجههم إلى تدينهم أو طائفتهم. فالسلفيون يطلقون اللحى الكثيفة بدون شارب، وبالعودة إلى أيام الإسلام الأولى فإنهم يقلدون بذلك النبي. في الوقت ذاته، يختار المسلمون الشيعة تحديد خط أنيق يمتد من الأذن إلى الفم، ويحلقون ما فوقه ويطلقون ما تحته بشكل شائك. أما الشارب الكثيف والمتدلي فوق الشفة فهو رمز لطوائف الكاكائية والإيزيدية، وهي طوائف تشكل أقليات تتبع للأديان التوفيقية. ومع الأسف، فإن هذه السمة التي تميز وجوههم جعلت منهم هدفا سهلا للإبادة الجماعية من قبل تنظيم “داعش” الإرهابي.

وقد أجبر الجهاديين، الرجال المسلمين على إطلاق اللحى في الفترة مابين 2014 و2017، عندما حكموا جزءا كبيرا من العراق. وتعرض البعض ممن رفض إطلاق اللحى للتعذيب والقتل. “لقد جعلنا تنظيم داعش نكره اللحى”، يقول رأفت، وهو ميكانيكي في الموصل التي كانت يوما ما قلب “الخلافة” المزعومة. وقد حلق لحيته يوم فراره من المدينة. والآن، هو يفتخر بشاربه من جديد.

ويعتبر الشارب بالنسبة للعديد من العراقيين رمزا للرجولة والسلطة. وغالبا ما يقسم الرجال بشاربهم قائلين: “عندما أحلق شاربي”، وهي عبارة تعادل قول “عندما تطير الخنازير”، وكلاهما عبارات مجازية تشير إلى الاستحالة. كما أن التهديد بحلق شارب رجل آخر إهانة وشتيمة. ولذلك نجد السجناء حليقي الشارب والذقن لإذلالهم.

ويعتقد أحد الضباط في الجيش العراقي بأن 80 بالمئة من أقرانه لديهم شوارب متشابهة. وترغب زوجته الغيورة أن يحلق شاربه، لأنه يشير إلى تقلده وظيفة كبيرة، الأمر الذي يجعله جذابا في نظر النساء الأخريات. ويضيف مازحا: “أفضل أن أُذبح على أن أحلق شاربي. الوضع الأمني مستقر الآن في العراق، ولكن إذا ما بدأت موجة استهداف الضباط، فسوف أحلقه”.

وقد تم دمج عدد من أعضاء الميليشيات الشيعية المعروفة باسم “الحشد الشعبي”، ضمن الجيش النظامي الذي لا يسمح للجنود بإطلاق اللحى، إلا أن معظمهم ما يزالون يطلقونها دليلا على الولاء الطائفي. “أعلم أنني عند نقطة تفتيش تابعة للحشد الشعبي بمجرد رؤيتي للرجال الملتحين”، يقول مواطن عراقي فضل عدم الكشف عن اسمه.

ومع ذلك، يبدو أن أعدادا متزايدة من الشباب العراقي أقل حرصا على إظهار الولاء لطائفة معينة أو محاكاة أسلوب آبائهم وأجدادهم، من خلال التعامل مع شعر الوجه. فقد أصبحت تصفيفات الشعر الغربية شائعة في البلاد. كما أن التخلي عن الشارب بات لأسباب مرتبطة بالأناقة وليس لأسباب أمنية. وهذا يشكل علامة فارقة صغيرة على أن العراق أصبح يعيش حياة أكثر طبيعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.