لا يبدو أن القمة الثلاثية التي جمعت الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، بنظيرهم الإيراني إبراهيم رئيسي، بأنها كانت العامل الحاسم في تخفيف وطأة التوتر بين الدول الثلاثة الضامنة لمسار أستانا داخل الملف السوري. فالرئيس الروسي كان واضحا في تصريحه يوم الثلاثاء خلال انعقاد القمة، حينما اعترف بوجود اختلافات مع الإيرانيين والأتراك في الملف السوري، مبينا أن التوافق بينهم محصور حول اللجنة الدستورية ومكافحة الإرهاب.

بالتحديد وفيما يتعلق بالاختلافات الروسية التركية في سوريا، فإنها على ما يبدو أكبر من أن يحتويها اجتماع ثلاثي، أو صفقة معتادة غير معلنة بين الطرفين كما اعتاد السوريون خلال السنوات القليلة الماضية، لا سيما وأن الغضب الروسي من تركيا كان حاصلا بعد دعم أنقرة لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”، وهو أمر لم تعلق عليه موسكو لصعوبة الوضع الذي تسببت به أنقرة للروس، هذا عدا عن العوائق الخلافية التي لم تحل منذ عام 2020 بين الروس والأتراك، ابتداءا بوصول نفوذ موسكو إلى الطريق الدولي “إم 4” وصولا لوضع سيطرة القوى الإرهابية في مناطق من إدلب، التي لم تحرك لها تركيا ساكن خلال الفترة الماضية ولم تستجب للمطالب الخاصة بالروس.

الخلافات بين روسيا وتركيا

لم تكن الخلافات الروسية التركية خافية في تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في قمة طهران، يوم الثلاثاء الماضي، فهذه الخلافات بين روسيا وتركيا من الممكن أن تتفاقم خلال الفترة القادمة، بحسب متابعين للملف السوري، حيث شهد شمال سوريا تحركات عسكرية روسية تركية مستمرة كان الهدف فيها إعادة تموضع القوات المنتشرة هناك، وتوسيع نفوذ كل طرف على حساب الآخر.

في الـ23 من شهر أيار/مايو الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان، عن عزمه شن عملية عسكرية جديدة في أي وقت على مدينتي منبج وتل رفعت الاستراتيجيتين، لكن روسيا اعترضت على تلك العملية نظرا لوجود قوات من الشرطة الروسية في منبج. ومنذ أعلنت أنقرة عن تهديداتها تلك عززت موسكو وجودها في المنطقة بأربع منظومات للدفاع الجوي من طراز “بانتسير”، ومنظومتي إطلاق صواريخ من طراز “إسكندر” بحسب متابعة “الحل نت”.

الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن العلاقات بين الدولتين هي من العلاقات المتداخلة والمعقدة، ففي الملف السوري تقف تركيا إلى جانب المعارضة السياسية والعسكرية الممثلة بـ”الجيش الوطني” المدعوم من قبلها، فيما تقف روسيا إلى جانب حكومة دمشق سياسيا وعسكريا.

وأضاف الحاج علي، أنه من حيث الواقع لا يوجد توافق روسي تركي، إلا بحدود ما فرضته التكتيكات والوقائع الميدانية، والمتمثلة باجتماعات مسار “أستانا” واتفاقات سوتشي، “حتى الآن هناك صعوبة في التوصل لحل سياسي من قبل أطراف أستانا دون دعم من المجتمع الدولي، ولذلك يبرز تمسك الأطراف الثلاثة في أستانا بملف اللجنة الدستورية كواجهة سياسية، وعلى أنها نتاج اتفاقات سوتشي”.

لم تنفذ تركيا حتى الآن تعهداتها فيما يتعلق بالتفاهم المشترك مع روسيا حيال التخلص من تواجد القوى الإرهابية، والتي يأتي في مقدمتها تنظيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) التي تنسق معها أنقرة في ملفات محلية عدة وفق اتهامات تطولها دائما من قبل مراقبين لتحركات القوى الإرهابية في سوريا.

إقرأ:ثأر روسي من تركيا في سوريا.. التصادم قريب؟

هل يمكن حدوث صدام ميداني؟

بعد تلويح أنقرة بتنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا، بدأت روسيا بدعم تحركات للجيش السوري نحو المناطق التي أعلنت تركيا أنها تنوي تنفيذ عمليتها العسكرية فيها (أي منبج وتل رفعت)، وهذا بالتالي بحسب مختصين سيؤدي إلى صدام بين دمشق وأنقرة، وهو ما يعني حدوث صدام بين أنقرة وموسكو على اعتبارها الحليف الرئيسي لدمشق.

من جهته، يعتقد الحاج علي، أن الأمور لن تصل إلى حد الصدام المباشر بين أنقرة وموسكو في سوريا، مع تصاعد احتمالات تنفيذ أنقرة لعمليتها العسكرية، إلا أنه من المرجح أن تقوم روسيا بدعم غير مباشر للجيش السوري لمواجهة أنقرة في منبج وتل رفعت، لأن موسكو لا ترغب بمواجهات كبرى في الوقت الحالي في ظل استمرار غزوها لأوكرانيا.

هذا ولا يبدو أن العلاقات الروسية التركية في الملف السوري ستبقى على ما هي عليه الآن، فتركيا تعتبر أن العملية العسكرية بالنسبة لها على غاية من الأهمية، وإن كانت حاليا على جدول أعمالها، ومن جهة ثانية، فإن احتمال حدوث صدام غير مباشر باتت واردة، لكن في المقابل فإن كلا الطرفين يتعاملان مع علاقاتهما من منظور براغماتي، بالإضافة لاستخدام الطرفين الملفات المتداخلة في سوريا في المساومات بينهما وكسب مصالح خاصة بهما على حساب آمال الحل في سوريا.

قد يهمك:القمة الثلاثية في طهران.. إلغاء العملية التركية في سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة