يعتبر ملف العمالة السورية في الأردن أحد أهم القضايا الاجتماعية، وحتى السياسية، في الجار الجنوبي لسوريا. فمنذ بدء دخول السوريين إلى الأردن بوصفهم لاجئين في العام 2012، بدأوا بالانخراط في سوق العمل الأردنية، التي لم تكن غريبة على البعض منهم، إذ أن هناك عددا من السوريين كانوا يقصدون الأردن للعمل قبل العام 2011، ولكن مع ازدياد موجات اللجوء، شكّل السوريون ضغطا في سوق العمالة الأردني، على الرغم من عملية “غض البصر”، التي مارستها السلطات الأردنية عن عمل السوريين دون تراخيص عمل.

ولكن مع استمرار الأزمة السورية كان لا بد للأردن من إدارة ملف العمالة السورية بشكل قانوني، وذلك بالتزامن مع خطة الاستجابة للأزمة السورية، التي أقرتها الحكومة الأردنية منذ العام 2017، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، والساعية إلى تلبية احتياجات اللاجئين السوريين، والشعب الأردني، والمجتمعات والمؤسسات الأردنية المتضررة من الأزمة، والتصدي لقابلية تعرّضهم للمخاطر. وقبل تطبيق هذه الخطة بعام واحد برزت فكرة قوننة العمالة السورية في الأردن، من خلال إصدار تصاريح العمل، التي كان لها أثر إيجابي على حياة السوريين ومعيشتهم، رغم ما تعانيه من مشاكل ومعوقات.

مؤتمر لندن وبدء منح تصاريح العمل

في شباط/فبراير 2016، عُقد مؤتمر لندن للمانحين الخاص بالأزمة السورية، واعتبر انعطافة مهمة في قوننة أوضاع العمالة السورية في الأردن، إذ قدّم ما عُرف آنذاك بـ”ورقة الأردن”، التي تضمّنت مقترحا بمنح تصاريح عمل لنحو 200 ألف عامل من اللاجئين السوريين، وتبعها توقيع اتفاقية “تبسيط قواعد المنشأ” بين الأردن والاتحاد الأوروبي، في تموز/يوليو من العام نفسه، والتي نصّت على “تطبيق قواعد منشأ بسيطة، أمام المنتجات الأردنية المصدّرة لدول الإتحاد الأوروبي، والمصنّعة في عدد من المدن والمناطق الصناعية، والمناطق التنموية في الأردن”.

ومن أجل الاستفادة من هذه الاتفاقية، كان لا بد أن تقوم الشركات الصناعية والتنموية الأردنية، الداخلة ضمن الاتفاقية، بتوظيف نسبة معينة من العمال السوريين اللاجئين، وتبلغ هذه النسبة خمسة عشر بالمئة من إجمالي عدد العمال في كل منشأة، خلال السنتين الأولى والثانية من تاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، لتصل إلى نسبة لا تقل عن خمسة وعشرين بالمئة في السنة الثالثة. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ منذ توقيعها بتاريخ التاسع عشر تموز/يوليو 2016.

وتطبيقا للاتفاقية، بدأت وزارة العمل الأردنية، في آذار/مارس 2016، بمنح تصاريح عمل للاجئين السوريين، في المهن غير المغلقة أمام العمالة الوافدة، وبتكلفة تبلغ عشرة دنانير، في حين تبلغ رسوم إصدار تصريح العمل للعامل الوافد 400 دينار أردني، أي نحو 600 دولار.

وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، بلغ عدد تصاريح العمل الممنوحة للعمالة السورية في الأردن نحو ثلاثة وثلاثين ألف تصريح، معظمها في القطاع الزراعي، والأخرى أعطيت لعمال في مصانع تعود ملكيتها لمستثمرين سوريين. وبدأت الحكومة الأردنية في هذا الوقت بالعمل مع مختلف الفعاليات الصناعية لزيادة حجم العمالة السورية في القطاع الصناعي، لتتمكن الصناعات الوطنية الأردنية من دخول الأسواق الأوروبية.

تطور منح تصاريح العمل

على الرغم من بدء منح تصاريح عمل للاجئين السوريين، إلا أن ازدياد نشاط العمالة السورية في الأردن تسبب بزيادة العمالة غير المنظمة، ما أدى لخفض الأجور، التي أثرت على كل من اللاجىء السوري الحامل لتصريح العمل، والمواطن الأردني على حد سواء، وتفضيل أرباب العمل توظيف الذين لا يحملون تصاريح، لإعطائهم أجورا تقل عن الحد الأدنى للأجور.

وفي العام 2016، كان الحد الأدنى للأجور بالنسبة للعمال الوافدين، بمن فيهم اللاجئون السوريون، مئة وتسعين دينارا أردنيا، ولكن الحكومة الأردنية رفعت الحد الأدنى للأجور للوافدين إلى 230 دينار أردني، منذ مطلع العام 2021.

ومن أجل تعزيز انخراط اللاجئين السوريين في سوق العمل الأردنية، بدأت الحكومة الأردنية، بالتعاون مع مكتب “منظمة العمل الدولية” في عمان، السعي لتوحيد الجهود لتطوير آليات منح تصاريح العمل للسوريين، ووضعها ضمن أطر قانونية قابلة للتطور حسب الحاجة.

وبدأت “منظمة العمل الدولية”، بتاريخ التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017، مشروعا جديدا في الأردن، يهدف إلى مساعدة عمال البناء السوريين في الحصول على تصاريح عمل، وهو ما لم يكن معمولا به سابقا. وتم العمل في المشروع من خلال شراكة بين المنظمة، و”الشركة الوطنية الأردنية للتشغيل والتدريب”، لإقامة دورات قصيرة للسوريين والأردنيين الذين يعملون في قطاع البناء، بهدف إعدادهم لاختبار المهارات، الذي يجريه “مركز الاعتماد وضمان الجودة” في الأردن.

وتضمن برنامج التدريب شقين، نظري وعملي، ويشمل بعض المهن المتعلقة بالإنشاءات (التبليط، الدهان، السباكة، الديكور، وغيرها)، وتستمر الدورة لمدة شهر، لتغطية النقص الذي يعاني منه العمال، خاصة ما يتعلق بالصحة والسلامة المهنية، إضافة إلى الثغرات في العمل من الناحية العملية.

ومن النواحي الإيجابية لهذا البرنامج، أن الشهادات التي يحصل عليها العمال السوريون ستمكنهم من التسجيل في برنامج الضمان الاجتماعي الخاص بالعاملين لحسابهم الخاص، حتى دون الحصول على تصريح للعمل، ما يعزز قابلية توظيفهم، ويساعدهم في إقناع الجهات الرسمية بتسهيل عملية تقدمهم بطلب للحصول على تصاريح العمل، وتسوية أوضاعهم الوظيفية.

وزارة العمل الأردنية من جهتها، استبقت التعاون بين “منظمة العمل الدولية” و”الشركة الوطنية الأردنية للتشغيل والتدريب”، بتوقيع مذكرة تفاهم مع الإتحاد العام لنقابات العمال الأردنيين، في حزيران/ يونيو 2017، تبسّط إجراءات إصدار تصاريح عمل للاجئين السوريين في قطاع الإنشاءات، وتتيح هذه المذكرة إصدار تصاريح عمل من خلال الإتحاد العام لنقابات العمال، دون كفيل، وتشترط تسجيل العامل في مؤسسة الضمان الاجتماعي، على أن يتم دفع اشتراكات بشكل دوري.

لذلك كان لا بد لطالبي تصاريح العمل الإنشائية الحصول على شهادة “الاعتراف بالتعليم المسبق” من “مركز الاعتماد وضمان الجودة” الأردني، على أن تكون هذه التصاريح قابلة للتجديد كل عام.

وفي الخامس من آب/أغسطس 2017، مُنح أول تصريح عمل إنشائي دون كفيل، تحت مظلة الإتحاد العام لنقابات العمال الأردنية. وما يميز حامل هذا التصريح، أنه يستطيع العمل والتنقل من مكان لآخر، دون الإلتزام بصاحب عمل محدد، وذلك يحول دون استغلال العمال.

وفي الشهر نفسه، صدرت قائمة تغطية مالية عن الإتحاد العام لنقابات العمال، تقدّم بوليصة تأمين للعمال السوريين في قطاع الإنشاءات، مقابل اشتراك سنوي قيمته 50 دينارا أردنيا، يدفع لشركة تأمين خاصة بعد التعديلات الجديدة، ويخصص لتغطية حوادث العمل. ويبدأ مبلغ التغطية من 2500 دينار في حالة إصابة العمل، ليصل إلى 15 ألف دينار في حالتي العجز الكلي والوفاة.

وحُددت وثائق معينة، يقدمها العامل السوري للحصول على تصريح العمل الإنشائي الحر، وهي صورة عن بطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية، وصورة عن إجازة مزاولة المهنة، وصورة شخصية، وبوليصة تأمين بقيمة خمسين دينارا، يتم دفعها لمندوب شركة التأمين في مكاتب الاتحاد العام لنقابات العمال، ومبلغ عشرة دنانير، رسوم تدقيق لتصريح العمل. ويتم الحصول على التصريح في مدة لا تتجاوز الأسبوع حدا أقصى.

وتختلف الأوراق والرسوم بحسب نوع تصاريح العمل، ففي الحالة التي يكون فيها العامل يعمل بشكل فعلي لدى صاحب عمل، يحتاج لتقديم صورة عن بطاقة خدمة الجالية السورية “الهوية الأمنية”، وصورة عن بطاقة مفوضية شؤون اللاجئين، وصورتين شخصيتين، ومبلغ لا يتجاوز اثني عشر دينارا، رسوم تدقيق للمعاملة مع طوابع. ولا بد من حضور صاحب العمل، أو من ينوب عنه قانونا بتفويض رسمي، وبحوزته رخصة المهنة التي يزاولها، والسجل التجاري لمنشأته، ولابد من وجود عقد عمل بين العامل وصاحب العمل، وأن تكون المهنة مفتوحة أمام العمالة السورية.

أما في حالة التقدم للحصول على تصاريح العمل “الحرة”، يجب أن يقدم العامل صورة عن الهوية الأمنية، وصورة عن بطاقة مفوضية شؤون اللاجئين، وصورة شخصية، وبوليصة تأمين قيمتها خمسين دينارا، تدفع لدى شركة التأمين في مكتب الإتحاد العام لنقابات العمال. وبالنسبة لتصريح العمل “الزراعي”، ينطبق عليه ما هو مطلوب للحصول على التصريح الحر، عدا بوليصة التأمين.

وفي حالة تجديد التصريح، يحتاج العامل لنفس الأوراق المطلوبة للحصول على التصريح أول مرة، مع مراعاة أن يدفع العامل مبلغ عشرة دنانير عن كل سنة انقضت دون تجديد التصريح، إضافة لتكلفة السنة الجديدة، وهي اثني عشر دينارا.

أما في حالة انتقال العمل بين صاحب عمل وآخر، أو من مهنة لأخرى، يحتاج العامل السوري إلى نفس الأوراق المقدمة سابقا، مع مراعاة ما إذا كان التصريح منتهي الصلاحية، فلا يلزم إحضار براءة ذمة من صاحب العمل السابق، وإذا كان التصريح ساري المفعول فلا بد من إحضار براءة ذمة من الجهة التي أصدرت التصريح حسب نوعه، وتقدم براءة الذمة بشكل مجاني.

منح تصاريح عمل للاجئين في المخيمات

في مطلع شباط/فبراير 2017، أصدرت وزارة العمل الأردنية قرارا يتم بموجبه منح تصاريح عمل للاجئين السوريين في مخيمات اللجوء، تمكنهم من العمل خارج المخيمات في مختلف المدن الأردنية، والعودة خلال مدة أقصاها شهر، ومن ثم الخروج مرة أخرى. وبحسب هذا القرار يستطيع العامل السوري، الذي يعيش في المخيمات، الخروج دون الحاجة لطلب إجازة من إدارة المخيم، إذ تم اعتبار تصريح العمل بمثابة إجازة.

ولا تختلف الأوراق المطلوبة للحصول على تصاريح العمل في المخيمات، عما هو خارجها، عدا بطاقة الخدمة “الهوية الأمنية”، التي تعتبر خاصة بالسوريين المقيمين خارج المخيمات.

تصريح العمل لا يوقف المساعدات

تصاريح عمل للاجئين في الأردن أثارت مخاوف بين السوريين من قطع المساعدات الأممية، المقدمة عن طريق مفوضية شؤون اللاجئين. ولكن الحكومة الأردنية، وفي مناسبات عديدة، أكدت أن حصول اللاجئ السوري على تصريح عمل لا يحرمه من المساعدات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي، أو مفوضية شؤون اللاجئين، أو أي مساعدات أخرى.

وبحسب متابعة “الحل نت”، بلغت أعداد التصاريح الممنوحة للاجئين السوريين 283 ألف تصريح عمل، منذ عام 2016 وحتى نهاية العام الماضي 2021، منها 62 ألف تصريح عمل في العام 2021 فقط. ومن بين العدد الكلي للتصاريح تم منح 31 ألف تصريح مرن “حر”، تسمح للعامل بالتنقل بين الوظائف المماثلة في القطاع نفسه، وبين أرباب العمل، وعبر محافظات المملكة، وهي ميزة إضافية غير مسموح بها للعمالة الوافدة من الجنسيات الأخرى.

يذكر أنه يقيم في الأردن نحو 1,3 سوري، من بينهم نحو 670 ألف سوري مسجلين لاجئين لدى مفوضية شؤون اللاجئين، بحسب أرقام الحكومة الأردنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.