أثارت جولة لافروف في إفريقيا كثيرا من التساؤلات. فعقب القمة الثلاثية، التي جمعت إيران وروسيا وتركيا في طهران، انطلق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ابتداء من يوم الأحد، الحادي والثلاثين من شهر تموز/يوليو الماضي، في جولة إلى عدة دول إفريقية، بدأها في مصر، ومن ثم أوغندا والكونغو وأثيوبيا، التي تحتضن مقر الاتحاد الأفريقي.

أزمة الغذاء كانت الموضوع الرئيسي لجولة لافروف في إفريقيا، إذ أراد رئيس الدبلوماسية الروسية أن يوصل للعالم أن بلاده لم تتسبب بأزمة الغذاء أو الطاقة، خاصة أن الدول الإفريقية هي من أكثر البلدان تضررا من الأزمة، بعد نقص الإمدادات وارتفاع أسعار الحبوب.

بعد محادثات القاهرة قدّم لافروف التطمينات بشأن الحبوب الروسية، وأكد أن المصدّرين الروس سوف يوفون بالتزاماتهم، وفي الوقت نفسه تم الاتفاق على زيادة التبادل التجاري الروسي-المصري بنسبة خمسة بالمئة. كما التقى لافروف بأحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وألقى خطابا أمام مجلس الجامعة. وتوجه بعد ذلك إلى العواصم الافريقية الأخرى، حيث كشف، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأثيوبي، عن “زيادة جهود التعاون في عدة مجالات، منها الزراعة والطاقة والنقل والأمن والتعاون العسكري”. ووعد بـ”دعم روسي لتطوير القدرات الدفاعية الأثيوبية، والتعليم والرعاية الصحية”. مشددا على “رغبة روسيا بالتعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية”. دون أن ينسي الإشارة إلى القمة الروسية-الإفريقية الثانية، المزمع عقدها في العام المقبل.  

فهل تسعى روسيا إلى كسب الدول الإفريقية، في مواجهتها المفتوحة مع الغرب؟ وما الوعود السياسية والاقتصادية والأمنية التي حملتها جولة لافروف في إفريقيا؟

روسيا في إفريقيا بين نمطين من الاستعمار

تطرح روسيا سياساتها الخارجية، بوصفها بديلا أكثر عدالة للسياسات الغربية، المتدخّلة في شؤون الدول، وذات التاريخ الاستعماري الحافل بالجرائم. وهي نغمة ربما تكون قد حضرت بقوة في جولة لافروف في إفريقيا، وربما تلقى آذانا صاغية، نظرا لتاريخ القارة وحساسياتها.

ولكن بحسب مقال للكاتب نوبرت هان، في صحيفة “تاغس شاو” الألمانية، فإنه “بالرغم من تذكير روسيا للأفارقة بالدعم الذي قدمته لهم في نضالهم ضد الاستعمار، إلا أن روسيا فلاديمير بوتين تحاول السير على خطى الغرب والصين، أي الحصول على نفوذ سياسي مقابل ما تقدمه من مساعدات”.

ويضيف هان: “وعلى اعتبار أن روسيا ليست منتجا كبيرا في مجال السلع الاستهلاكية ومشاريع البنى التحتية الدولية ، فغالبا ما تكون عروضها تتعلق بالأسلحة و الأمن”.

“معهد أبحاث السلام السويدي” أكد، في تقرير نُشر مؤخرا، أن “التحالفات الروسية- الأفريقية ليست جديدة، فتسعة وأربعين في المئة من إجمالي واردات إفريقيا من الأسلحة تأتي الآن من روسيا. وخلفها فرنسا والولايات المتحدة والصين”.

وذكر المعهد أنه “على مدى السنوات العشر الماضية، أبرمت موسكو اتفاقيات مساعدات عسكرية مع أكثر من عشرين دولة في القارة”. 

وبالعودة لنوبرت هان، فقد ذكر الصحفي الألماني أن “إفريقيا  تشكل سوقا بمليارات الدولارات للأسلحة والمرتزقة، الذين  تنكر روسيا ارتباطهم بها”. إلا أنه يركز أيضا في مقاله على “الاستراتيجية الجديدة الروسية في كسب القلوب، فموسكو تهتم أكثر من ذي قبل بالثقافة وتعليم اللغة الروسية في المدارس، إلى جانب المهرجانات الرياضية والبرامج الإذاعية، كما هو الحال في جمهورية إفريقيا الوسطى، بينما لا تندرج الديمقراطية وحقوق الإنسان على جدول أعمالها”.

ماذا تريد روسيا من إفريقيا؟

الكاتب الصحفي التونسي عائد عميرة يقول لـ”لحل نت”: “روسيا تريد الكثير من أفريقيا. وتوجهها نحو هذه القارة ليس جديدا، لكنه في الفترة الاخيرة ازداد وضوحا، فموسكو تريد اعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي من خلال البوابة الافريقية، وتريد تنمية علاقاتها مع الأفارقة لأسباب عديدة، منها تقوية مكانتها العالمية؛ وأيضا محاصرة الغرب ومنافسته في مناطق نفوذه التقليدية، مستغلة تراجعه الدولي، وتنامي الغضب الشعبي الإفريقي ضده”.

متابعا: “روسيا ترى في إفريقيا قوة دبلوماسية، يمكن أن تدعم موسكو في المحافل الدولية، في ظل التكتلات التي بدأت تظهر في الساحة الدولية في السنوات الأخيرة. لروسيا أيضا أهداف اقتصادية، فهي ترى في إفريقيا سوقا كبيرة، يمكن أن تستقبل الحبوب والمنتوجات، والأهم السلاح الروسي. ويظهر ذلك في تنامي صفقات الأسلحة الروسية مع الدول الإفريقية”. 

من جهته يرى محفوظ ولد السالك، الصحفي والباحث في الشؤون الافريقية، أن “سياق التحالف الإفريقي الروسي الآن هو سياق شديد الخصوصية، يجب أن يتم تمييزه عن السياق التاريخي العام للعلاقات الروسية الإفريقية”.

مضيفا، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “روسيا وجّهت، منذ سنوات، بوصلة اهتمامها نحو القارة الإفريقية، بعد فترة طويلة من إدارة الظهر لها. وقد أبرمت مع عديد من دول القارة اتفاقيات شراكة وتعاون في مجالات مختلفة، وحاولت دعم ذلك بعقد قمة روسية إفريقية في سوتشي عام 2019. وأعلنت، خلال جولة لافروف في إفريقيا، أنها ستعقد قمة أخرى في عام 2023”.

 مستدركا بالقول: “مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا شهره السادس، توجّه اهتمام الغرب بشكل كبير نحو القارة الإفريقية، سعيا إلى كسبها إلى موقفه المناهض لروسيا، كما أن بعض الدول الأوروبية تريد الاعتماد على إفريقيا لإيجاد بديل عن الغاز الروسي، خصوصا وأن أمد الحرب يتجه لأن يطول. وفي خضم هذا التوجه الغربي المتزايد، أرادت روسيا أن لا تكون معزولة، وبالتالي جاءت جولة لافروف في إفريقيا، لتؤكد أولا على أن مسار اهتمام موسكو بالقارة السمراء مستمر؛ ولتوجه أيضا رسائل معادية للغرب، محذرة إفريقيا منه؛ ولتحاول كذلك كسب حلفاء جدد في القارة، بشأن الحرب على أوكرانيا”.

جولة لافروف في إفريقيا والضمانات عبر المرتزقة والانقلابيين

يبدو أن روسيا لا تقدّم فقط وعودا اقتصادية وعسكرية، وأحاديث عن تجاوز آثار الاستعمار، بل أيضا ضمانات من نوع خاص، قد تلقى هوى لدى بعض القيادات الإفريقية، وهو ما بدا واضحا في جولة لافروف في إفريقيا.

عائد عميرة يوضح هذه الضمانات الخاصة بالقول: “روسيا ما فتئت تبحث عن تحالفات جديدة، مستغلة حاجة القادة الأفارقة إلى حليف قوي، لا يثير معهم مسألة حقوق الإنسان، كما يفعل الغرب. فالروس يقدمون الدعم الدبلوماسي والعسكري للقادة، مهما كان ملفهم في مجال حقوق الإنسان، الذي يعتبر آخر هم الروس”.

متابعا: “نتيجة ذلك تمكّن الروس من أخذ مكان الفرنسيين في مالي وإفريقيا الوسطى والتشاد، كما زعزعوا مكانة الغرب في السودان وليبيا، وحتي في النيجر. نفهم من هذا أن روسيا تجاوزت مرحلة البحث عن تحالفات، إلى إقامتها بالفعل، فهي الشريك العسكري الأول للجزائر، وهي أيضا الممول الأول للنظام في مالي وإفريقيا الوسطى، كما أنها تتحكّم في مجريات الامور في ليبيا”.

ويبيّن عميرة أن “الفضل في هذه التحالفات يعود لمرتزقة شركة فاغنر الروسية الشهيرة، المنتشرين في عدد من الدول الإفريقية، بعد أن تمكنوا من فرض وجودهم، في ظل حاجة القادة الأفارقة لقوة عسكرية تدعمهم، خاصة وأن الانقلابات العسكرية تتهددهم. وقد رأينا العدد الكبير من الانقلاب في مالي خلال السنة المنقضية”. 

محفوظ ولد السالك يؤكد بدوره أن “روسيا تريد منافسة الغرب على الصعيد الدولي، ولذلك فإنها تركز على الدول الإفريقية التي يمتلك الغرب حضورا بها، وخصوصا الحضور الفرنسي والأميركي. وما حصل في دولة مالي، الواقعة غربي إفريقيا، والتي تعاني من هجمات الجماعات المسلحة منذ أكثر من عشر سنوات، أبرز دليل على ذلك، فقد تحالفت روسيا مع المجلس العسكري الحاكم في البلاد، بعد تنفيذه انقلابين عسكريين، وعملت على تأليب الانقلابيين على فرنسا، الشريك التقليدي لمالي، إلى أن قررت باريس الانسحاب. وقد بيّنت جولة لافروف في إفريقيا أن موسكو سائرة على ذات النهج، فجاءت زيارته للكونغو برازافيل، المحسوبة تقليديا على فرنسا، لتأكد نية روسيا بمنافسة فرنسا في قلب مناطق نفوذها. كما وجهت زيارة رئيس الدبلوماسية الروسية لأوغندا رسالة للولايات المتحدة، مفادها أن سعيها للاستفراد بالشرق الإفريقي، وخاصة منطقة القرن الإفريقي، غير مقبول بالنسبة لروسيا، التي توظّف، من أجل تعزيز حضورها هناك، الأبعاد الاقتصادية والتجارية والعسكرية، من خلال إبرام الشراكات والاتفاقيات”.

التنصّل من مسؤولية الحرب الأوكرانية

ولكن ماذا عن الملفات الاقتصادية المرتبطة بشكل مباشر بالغزو الروسي لأوكرانيا، والتي تشكل ضغطا كبيرا على الدول الإفريقية؟ هل استطاعت جولة لافروف في إفريقيا تهدئة المخاوف في القارة السمراء، المهددة بالمجاعة؟

من وجهة نظر الكاتب عائد عميرة فقد “فرض الغزو الروسي لأوكرانيا عددا من التحولات على الاقتصاد العالمي، خاصة وأن هذه الحرب مسّت ملف الطاقة، وهددت الأمن الغذائي العالمي. وخلال الحرب عملت الدول الغربية على إقناع الأفارقة بأن سبب نقص الغذاء وارتفاع أسعار النفط هو سياسات موسكو، التي أصرت على شن حربها ضد أوكرانيا، فباتت عدوة المجتمع الدولي. وهو ما تفطّنت له روسيا مبكرا، وعملت على دحضه بجهودها الدبلوماسية. وبالتالي فإن جولة لافروف في إفريقيا أتت في هذا السياق. فبعد الزيارة التي قام بها الرئيس السنغالي ماكي سال إلى موسكو، وهو يشغل حاليا منصب رئاسة الإتحاد الإفريقي، تسعى روسيا الآن للذهاب مباشرة إلى الأفارقة، وإقناعهم بعدالة حربها في أوكرانيا”.

متابعا بالقول: “أحد أهم أهداف جولة لافروف في إفريقيا السعي لإقناع الأفارقة بأن أوكرانيا والغرب هما سبب أزمة الغذاء العالمية، وتنامي المجاعات في إفريقيا. كما يريد لافروف أن يبيّن أن نتائج العقوبات الغربية لا تقتصر على روسيا، بل تمسّ الدول النامية، وتزيد من تعقيد المشاكل الإفريقية”.

ويختتم حديثه بالقول: “هناك قلق غربي كبير، وقد رأينا ملامحه في حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الكاميرون عن روسيا، واتهامها بالتواطؤ مع السلطات السياسية الضعيفة، أو المجالس العسكرية غير الشرعية. ولهذا تزامنت جولة الرئيس الفرنسي ماكرون الإفريقية الأخيرة، والتي شملت ثلاث دول، مع جولة لافروف في إفريقيا. وبالتالي فإن القارة السمراء قد باتت الآن إحدى أهم ميادين الصراع الروسي-الغربي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.