تميل الدول إلى رفع معدلات أسعار الفائدة بهدف تقليص الإقراض وخفض مستويات التضخم، وبذلك ستؤدي الفائدة المرتفعة إلى إحجام الحكومات والشركات عن القروض الجديدة لصالح تخصيص أموال لسداد ديونهم، وبالتالي ستكون النتيجة انخفاض في الاستثمار، وارتفاع مؤشرات البطالة، وتباطؤ في معدلات النمو الناتجة عن انخفاض الاستهلاك، وقد تدخل اقتصادات الدول في حالة انكماش، وأي اقتصاد ينكمش فصلين متتالين أو أكثر، فإنه يدخل في مرحلة ركود. بينما يتم تخفيض معدلات الفائدة لتحفيز الإقراض، ولرفع معدلات الاستثمارات والإنتاج بهدف تحقيق النمو الاقتصادي، وقد يؤدي انخفاض معدلات الفائدة إلى ارتفاع مستويات التضخم.

ظلت أسعار الفائدة مستقرة عند مستويات منخفضة تاريخيا في الولايات المتحدة الأميركية منذ الأزمة المالية العالمية 2007-2008، حتى عام 2022 حيث رفع الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة ليلامس مستوى 2.5 بالمئة بهدف خفض مؤشر التضخم الذي وصل إلى 8.6 بالمئة بعد ارتفاع أسعار موارد الطاقة والعديد من السلع الغذائية التي سببتها الحرب الروسية على أوكرانيا. ويتوقع المستثمرون أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع الحد الأقصى لنطاقه المستهدف إلى 3.75 بالمئة على الأقل بحلول نهاية العام. وعلى الرغم من أن الفيدرالي مؤسسة أميركية، إلا أن قراراته لها تأثير عالمي، لاسيما بعد عولمة الاقتصاد العالمي. ونظرا لأن أميركا لديها أكبر اقتصاد في العالم، فإن كل حركة اقتصادية تقوم بها الولايات المتحدة لها تأثيرات فورية على الأسواق العالمية، بحكم استخدام الدولار الأميركي في الكثير من دول العالم كمعيار للنمو الاقتصادي، ويستخدم الدولار الأميركي أيضا في 60 بالمئة من المعاملات التجارية العالمية. هذا وتُسلط السطور التالية الضوء على أبرز انعكاسات رفع سعر الفائدة على الاقتصاد العالمي، مع التأكيد على نقطة هامة ستبنى عليها وهي “ترتفع قيمة الدولار مقابل العملات العالمية عند رفع معدلات الفائدة”.

في حين يبلغ الدين المقوم بالدولار خارج الولايات المتحدة حاليا 9 تريليونات دولار أميركي، وغالبية دول العالم مثل تركيا والبرازيل وجنوب إفريقيا تقترض بالدولار، وهذه الدول تعاني من عجز تجاري دائم، وعجز حسابها الجاري ناتج عن تراكم ديون مقومة بالدولار. حيث تنخفض قيمة عملات الدول النامية والناشئة في حالة ارتفاع معدلات الفائدة الأميركية، مما يؤدي إلى صعوبة في دفع الاستحقاقات الدولية، التي تؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع مؤشرات التخلف عن سداد الديون للدولة، وهو ماينعكس على تصنيفها كدولة جاذبة للاستثمارات.

انعكاسات على التجارة الدولية وعمليات التبادل التجاري

تسعر العديد من السلع الأساسية حول العالم مثل موارد الطاقة، والسلع الغذائية، والمعادن بالدولار الأميركي، كما يتم تنفيذ أكثر من 60 بالمئة من المبادلات التجارية حول العالم بالدولار، وارتفاع قيمة الدولار سيكون لها نتائج سلبية وإيجابية على دول العالم، وسوف يستفيد منه في الدرجة الأولى المصدرين غير الأميركيين لأن سلعهم ستصبح أرخص نسبيا في السوق الدولية، بمعنى يقوم المصدرين غير الأميركيين بإنتاج سلعهم مسعرة بالعملة المحلية، وانخفاض قيمة عملاتهم مقابل الدولار سيخفض من قيمة أسعار السلع في السوق الدولية، مما سينعكس على ازدياد الطلب، لكن بالمقابل الدول التي تستورد المواد الأولية التي غالبا ما تسعر بالدولار ستتضرر من ارتفاع قيمة الاستيراد. وبالنسبة للمصدرين الأمريكيين سلعهم أصبحت أكثر تكلفة نسبيا، بارتفاع الدولار، بالمقابل ستصبح السلع المستوردة أقل تكلفة.

هذا وترتبط قيمة سندات الخزانة الأميركية ارتباطا مباشرا بالتغيرات في معدلات الفائدة، فعندما ترتفع معدلات الفائدة يرتفع الطلب على سندات الخزانة في الولايات المتحدة، مما يتسبب في قيام المستثمرين العالميين بسحب أموالهم من الأسواق الدولية وشراء سندات من الخزانة أمريكية، وغالبية مشتري السندات هم من الدول الناشئة، وبالتالي سينعكس ذلك على اقتصادات الدول النامية و الناشئة بشكل سلبي.

سوق الائتمان

تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى انخفاض المعروض النقدي وارتفاع قيمة الدولار وإلى ارتفاع تكلفة الائتمان من القروض المصرفية، وبالتالي يمكن أن تؤدي زيادة تكلفة رأس المال إلى إعاقة الاستهلاك والتصنيع والإنتاج، بسبب عدم قدرة الدول أو الشركات من تمويل مشاريعهم. وعالميا ارتفاع معدلات الاقتراض يؤثر بشكل سلبي على الدول النامية والناشئة التي تقترض من البنوك والأسواق الدولية، وتكون القروض مقومة بالدولار، وارتفاع معدلات الفائدة يمكن أن يعيق اقتراض العديد من حكومات الأسواق الناشئة التي تواجه بالفعل زيادات حادة في تكاليف واردات الطاقة والغذاء التي كان أحد أسبابها مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) والغزو الروسي لأوكرانيا.

برفع الولايات المتحدة الأمريكية اسعار الفائدة، ارتفعت قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسية العالمية وفي مقدمتهم اليورو، فقد أصبحت قيمة الدولار أكبر من قيمة اليورو، كما انخفضت قيمة كل عملات العالم مقابل الدولار.

وتماشيا مع رفع الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة فقد رفعت غالبية البنوك المركزية لدول العالم أسعار الفائدة، لاسيما في دول الخليج العربي، ودول الاتحاد الأوروبي، كإجراءات احترازية للسيطرة على التضخم، وتفاديا لهروب الأموال إلى البنوك الأميركية.

في النتيجة رفعت الولايات المتحدة الأميركية معدلات الفائدة كإحدى الحلول لمواجهة التضخم في أسعار المواد الأساسية لاسيما الطاقة والغذاء، وقد يؤدي رفع الفائدة إلى انخفاض أسعار النفط، والعديد من السلع الأساسية في السوق الأميركية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.