ضجة كبيرة في الشارع العراقي، لم تنته تداعياتها بعد، تتعلق بتغريم القضاء العراقي لـ “مصرف الرافدين” الحكومي بمبلغ 600 مليون دولار لصالح شركة أهلية حديثة العهد، فما القصة؟ وكيف حدث ذلك؟ ومن يعيد أموال الشعب؟

القرار القضائي، جاء من قبل “محكمة استئناف الرصافة”، يقضي بدفع “مصرف الرافدين” 600 مليون دولار لصالح شركة “بوابة عشتار” للنظم والدفع الإلكتروني، كشرط جزائي على إلغاء عقد بين المصرف والشركة.

توضيح “مصرف الرافدين”

حسب القرار الصادر من المحكمة، فإن الشرط الجزائي جاء بعد إلغاء عقد بين المصرف والشركة، يقضي ببناء صرافات آلية من قبل الشركة لصالح المصرف، فيما وقع مدير المصرف الأسبق، على شرط جزائي في حال الإخلال بالعقد، بقيمة 600 مليون دولار، وهذه الأموال ستُدفع من خزينة الدولة، لكون المصرف مصرفا حكوميا.

بيان للمصرف الحكومي العراقي، قال إن “العقد تم من قبل المدير العام الأسبق للمصرف، ودون اطلاع وزارة المالية على بنود العقد”، وكان المدير وقتئذ حسين أبو هاجر.

وقال المصرف في بيان، الاثنين، إنه “كان لديه الحاجة للتعاقد مع أكثر من شركة دفع إلكتروني آنذاك لتوسيع قاعدة التنافس على تقديم أفضل الخدمات للمواطنين وبأسعار مقبولة، حيث تم على إثر ذلك توجيه دعوات إلى شركات دفع إلكتروني مجازة من قبل البنك المركزي العراقي لتقديم عروضها”.

وأضاف أنّ “العقد الذي تم إبرامه مع شركة بوابة عشتار كان بتاريخ 4 آذار/ مارس 2021، من قبل المدير العام الأسبق للمصرف قبل استحصال موافقة الوزارة وفق الأصول على صيغة العقد، حيث خالف العقد العديد من الشروط الفنية السابقة التي كانت الوزارة قد حددتها لمقدمي العطاءات”.

وتابع: “وبعد عرض العقد على الوزارة والاطلاع على الجوانب التجارية له والتي تمنح مقدم العطاء مزايا وأرباح غير مبررة على حساب زبائن المصرف، وحين إبلاغ الوزارة بإبرام العقد، وجه الوزير بإعادة تدقيق العقد لمصلحة الوزارة بتاريخ 9 آذار/ مارس 2021 أو إلغائه إذا تطلب الأمر، حيث لا ينبغي توقيع العقد إلا بموافقة الدائرة القانونية ودائرة تكنلوجيا المعلومات في الوزارة وحسب التعليمات السابقة”.

كما أوضح بيان المصرف، أنّ “الشركة لجأت إلى القضاء لطلب فسخ العقد والتعويض بعد إجراءات الوزارة الحاسمة، وأصدرت المحكمة المختصة قرارها بفسخ العقد مع إلزام المصرف بمبلغ التعويض، حيث أن المصرف مستمر بمتابعة الإجراءات القانونية حيث تم الطعن بالقرار المجحف الصادر بحقه استئنافًا على أمل إعادة النظر بمضمونه بما يؤمن الحفاظ على المال العام”.

لكنّ “هيئة النزاهة”، أكدت في بيان أنها طلبت أخذ إفادة الممثل القانوني لـ “مصرف الرافدين” لتزويدها بالتحقيق الإداري، ولم ترد الإجابة.

وبعد تداول معلومات على أن شركة “بوابة عشتار” هي شركة “وهمية” ولم يمض سوى عام واحد على تأسيسها، ردت الشركة في بيان اتهمت من خلاله “وسائل إعلام تمارس الابتزاز روجت لهذه المعلومة”.

علاقة “التيار الصدري”؟

الشركة قامت بتوقيع عقد الدفع الإلكتروني مع “مصرف الرافدين” بتاريخ 4 آذار/ مارس 2021، وكان من ضمن العقد تزويد المصرف بـ 10 الآف صراف آلي مجاني، إضافة إلى خدمات أخرى حديثة لم يكن يمتلكها المصرف سابقا، فضلا عن تغيير البنية التحتية الخاصة بالدفع الإلكتروني لعدم وجود قاعدة بيانات صحيحة يمتلكها المصرف.

يقول مصدر خاص مطلع على حيثيات العقد بين “مصرف الرافدين” وشركة “بوابة عشتار”، إن توقيع العقد جرى في يوم عطلة، بين مدير المصرف الحكومي حينها حسين أبو هاجر ومالك الشركة الأهلية، علي غلام.

المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، يوضح لـ “الحل نت”، أن مدير المصرف لا يحق له التوقيع وإبرام العقد إلا بموافقة من وزارة المالية، وحينما علمت الوزارة، قررت إلغاء العقد، لعدم قانونيته.

ويردف المصدر، أن مدير المصرف الأسبق، لم يتم معاقبته مثلما أراد وزير المالية علي علاوي، فقد تدخل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ووجّه بسحب يده وإبعاده عن “مصرف الرافدين”، وهو اليوم مدير عام في وزارة المالية.

عن سبب عدم معاقبة حسين أبو هاجر، يبين المصدر، أن ذلك يعود إلى تدخل من قبل “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، فقد طلب “التيار” من الكاظمي عدم معاقبته؛ لأن مدير المصرف حينها، ينتمي إلى “التيار”.

ويلفت المصدر، إلى أن ما لم يتناوله الإعلام، هو أن الشرط الجزائي في العقد المبرم، يلزم “مصرف الرافدين” ليس بدفع مبلغ 600 مليون دولار لشركة “بوابة عشتار” فقط، بل ذلك المبلغ يدفع في أول 5 سنوات.

ويسترسل، أن العقد يلزم المصرف في حال الإخلال به بدفع مبلغ 500 مليون دولار في السنوات الـ 5 الثانية، و400 مليار دولار في الـ 5 سنوات الثالثة، و300 مليار دولار في الـ 5سنوات الرابعة، بالتالي فإن مجموع الشرط الجزائي سيكون مليار و800 مليون دولار على مدى 20 سنة.

المصدر يوضح، أن علي غلام هو نفسه الذي يملك مصارف “الشرق الأوسط” و”الأنصاري” و”القابض” التي سمّاها الصدر في تغريدة له، مطلع هذا العام، بأنها فاسدة وتتحكم بمزاد العملة في العراق.

من هو علي غلام؟

غلام مقرب من الفصائل والأحزاب الموالية لإيران، وكان مصرفه “الشرق الأوسط الإسلامي” قد منع من مزاد بيع العملة في العراق عام 2015، لشبهات فساد، ناهيك عن تعرض شركة “آفاق المستقبل” التي كان يتعامل معها غلام لعقوبات أميركية لتعاملها مع “الإرهاب”.

ويقول المصدر، إن سكوت الصدر عن المصارف التي سماها والتي يملكها علي غلام، وعدم تطرقه لفسادها فيما بعد؛ لأن غلام هدّد بكشف صفقته مع مدير “مصرف الرافدين” التابع لـ “التيار الصدري” حينها، ناهيك عن قيامه بدفع مبالغ طائلة شهريا لـ “الكتلة الصدرية”، مقابل صمتها عن مصارفه.

قرار القضاء العراقي بتغريم “مصرف الرافدين” الحكومي، يفتح الباب عما إن كانت العقود التي يتم توقيعها من مسؤولين لمؤسسات حكومية تابعة للدولة مع شركات أهلية، تجري بطريقة غير قانونية، بشروط جزائية كبيرة، باتفاق بين الطرفين، لتكبيد الدولة خسارة الشرط الجزائي، وتقاسم المبلغ بين مدير المؤسسة والشركة المستثمرة.

يقول القانوني رعد مجلي، إن توقيع شرط جزائي يلزم مؤسسة تابعة للحكومة بمبلغ ضخم قدره 600 مليون دولار، أمر غير موجود على الإطلاق في القانون العراقي، بل العكس، القانون يلزم المؤسسة الحكومية بأن تفرض هي الشرط الجزائي على الشركات الأهلية المحلية التي تتعاقد معها.

مجلي الذي يؤكد، أن فرض شرط جزائي على مؤسسة حكومية، لا وجود لمسوغ قانوني له بأنظمة عقود الدولة، يرجح وجود اتفاق “مبيت”، بأن يقوم “مصرف الرافدين” بالإخلال بالتزاماته ويتمّ تقاسم مبلغ الشرط الجزائي بين الطرفين، وهو فساد لا يمكن السكوت عنه، بحسبه.

ويتذيّل العراق مؤشر الفساد في غالبية الدراسات والتقارير الدولية، فقد حصل على 18 نقطة من أصل 100 في تقرير عالمي رصد 180 اقتصادا حول العالم بوقت سابق.

كما وضعَ مؤشر الفساد العالمي لعام 2019 الصادر عن “منظمة الشفافية الدولية”، العراق في ذيل التصنيف الدولي، بوصفه واحدا من أكثر الدول فسادا في العالم.

إذ حلّ وقتها العراق بالمركز 162 من مجموع 180 دولة، في وقت تعجز الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العام 2003 على إيقاف انتشار الفساد بمفاصل الدولة العراقية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.