أصدرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في عام 2010 تقريرا جاء فيه أن منطقة شرق البحر المتوسط الواقعة على سواحل تركيا، وسوريا، وقبرص ومصر، ولبنان، وفلسطين واليونان، تطفو على كميات هائلة من الغاز والبترول، وبحسب الهيئة فإن احتياطيات موارد النفط تقدر بحوالي 1.7 مليار برميل، واحتياطيا الغاز تقدر بـ 122 تريليون قدم مكعب.

وتعتبر الاكتشافات قبالة السواحل المصرية لاسيما حقل “ظهر” من أبرز الاكتشافات، كما ظهرت بعض الاكتشافات قبالة جزيرة قبرص. وتسعى الدول المطلة على شرق البحر المتوسط إلى ترسيم حدودها المائية مع الدول المجاورة بما يسمح لها بتنفيذ مشاريع بحث واستكشاف وتنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة.

لابد من شرح بسيط للمنطقة الاقتصادية الخالصة لتسهيل عملية فهم التقسيم المائي للدول، المنطقة الاقتصادية الخالصة هي أحد القواعد المتفق ضمن قانون البحار والذي تم التوقيع عليه في 10 كانون الأول/ديسمبر 1982، ويعرف قانون البحار بأنه نظام قانوني ينظم ويضع القواعد التي تحكم استغلال المحيطات والبحار ومواردها، وهو النظام المعترف به عالميا لجميع الدول الموقعة عليه بما يخص النزاعات والقضايا المتعلقة بالبحار. ويحدد قانون البحار المنطقة الاقتصادية للدول بأنه تتمتع الدول الساحلية بحقوق سيادية في منطقة اقتصادية خالصة تبلغ مساحتها 200 ميل بحري تبدأ من اليابسة المأهولة بالسكان، وتملك الدولة كل الحقوق فيما يتعلق بالموارد الطبيعية والأنشطة الاقتصادية، وتمارس السيادة القضائية على أبحاث وعلوم البحار وحماية البيئة في المنطقة المحددة.

تسعى الدول في شرق البحر المتوسط لترسيم المياه الاقتصادية الخالصة مع بعضها البعض لتنظيم عمليات البحث عن موارد الطاقة واستغلالها في الاستهلاك الوطني والتصدير. ويمكن تلخيص الاتفاقيات بين دول شرق المتوسط كالتالي، تركيا: وقعت اتفاقية ترسيم الحدود المائية فقط مع الجانب الليبي عام 2019. مصر: وقعت مع قبرص واليونان. إسرائيل: وقعت مع قبرص، ولبنان كذلك الحال وقعت مع قبرص.

من الملاحظ أن غالبية الدول وقعت مع قبرص، وذلك لتوسط موقعها في شرق البحر المتوسط. ولابد من التوضيح هنا أن توقيع هذه الاتفاقيات بين الدول لا يعني بالضرورة موافقة الدول المجاورة الأخرى على الترسيم المائي، وليصبح الترسيم قانوني يجب ألا تعترض إحدى الدول المعنية على الترسيم خلال فترة زمنية محددة من بعد تسليم الاتفاقية إلى الأمم المتحدة.

نوضح بالمثال التالي، وقعت تركيا مع ليبيا اتفاقية حددت كل من البلدين المياه الاقتصادية الخالصة التابعة لها، لكن رفضت اليونان الترسيم بين تركيا وليبيا وسلمت اعتراضا للأمم المتحدة، وصرحت أن ذلك الترسيم يعتبر تعديا على حدودها المائية.

سوريا: في البداية لابد أن نذكر أن السواحل السورية لا يمكن تقسيمها على مبدأ مساحة 200 ميل بحري مع الدول بسبب ضيق المساحة المائية مع الدول المجاورة، لذلك لابد من المفاوضات والاتفاقيات مع الدول المجاورة لرسم الحدود المائية.

تعتبر سوريا الدولة الوحيدة في شرق البحر المتوسط التي لم توقع أي اتفاقية ترسيم حدود مائية (منطقة اقتصادية خالصة) مع أي دولة من الدول الواقعة في محاذاتها مثل تركيا شمالا، قبرص غربا، ولبنان جنوبا، ولم تظهر سوريا أي معارضة في مسألة ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة التي حددتها تركيا، وذلك بعد عرض أنقرة لحدودها المائية مع دول الجوار ومنها سوريا. والجدير بالذكر هنا لم تعترض كل من تركيا وقبرص على حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة التي حددتها سوريا.

فيما تحفظت سوريا حول قضية ترسيم الحدود المائية مع لبنان عام 2011، عندما أصدرت الحكومة اللبنانية مرسوما برقم 6433، والذي رسّم من جانب واحد حدود لبنان البحرية الشمالية والجنوبية والغربية، وبعدها أودعته في الأمم المتحدة لحفظ حقوق بلادها، ومع فتح لبنان باب التراخيص للتنقيب عن النفط والغاز عام 2013، في البلوك رقم 1، قدّمت سوريا اعتراضا على الترسيم لدى الأمم المتحدة عام 2014. وقال بشار الجعفري المندوب السوري السابق لدى الأمم المتحدة في اعتراضه على ترسيم الحدود اللبنانية إن “ترسيم حدود لبنان جاء بمرسوم و تشريع داخلي صادر بموجب القوانين الوطنية اللبنانية، وليس له صفة إلزامية”.

وقد وقعت حكومة دمشق مع شركة “SoyuzNefteGaz” الروسية اتفاقية في كانون الأول/ديسمبر 2013، للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، بعقد يستمر 25 عاما، وقدرت تكلفة الحفر والاستكشاف بـ 100 مليون دولار. كما وقعت دمشق عام 2020 اتفاقية مدتها 4 سنوات مع شركات روسية تمنح الحكومة السورية بموجبها الشركتين الروسيتين (كابيتال ليميتد، إيست ميد) حقا حصريا في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي قبالة السواحل السورية في البحر المتوسط، وكشف العقد أن الحدود البحرية التي حددتها سوريا في البلوك البحري رقم (1) مُتداخلة مع البلوك البحري (1) و(2) من الجهة اللبنانيّة بما يقارب 750 كلم مربع داخل الحدود وذلك بحسب ترسيم الحدود المائية للحكومة اللبنانية، وبعد ذلك اعترضت لبنان على لسان وزير خارجيتها السابق “شربل وهبة” بتاريخ 7 نيسان/أبريل 2021 على الاتفاق الموقع بين سوريا والشركات الروسية بعد تسريب للعقود، وتبين أن أجزاء من المنطقة التي ستعمل فيها الشركات الروسية هي جزء من المياه الإقليمية اللبنانية.

في حين يذكر أن مجلس الشعب في سوريا قد وافق على العقد مع الشركات الروسية وبات نافذا قانونيا، وجاء في إحدى فقرات العقد شرط “التزام الشركات بكافة المعاهدات والاتفاقات المستقبلية بين الحكومتين السورية واللبنانية بخصوص إحداثيات حدود البلوك 1 و 2 الجنوبية”. هذا الشرط الوارد في الاتفاقية يعني أن سوريا لم تُغلق الباب أمام التفاوض مع لبنان ويمكن ترسيم الحدود في المستقبل.

وعلى الرغم من عقد حكومة دمشق اتفاقية الاستكشاف والحفر والتنقيب مع الجانب الروسي، إلا أنه لم يثبت بعد وجود أي احتياطيات للنفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لسوريا، وكل ما يرد من تصريحات على الإعلام بأن سوريا تمتلك كميات ضخمة من الغاز والنفط قرب سواحلها لا أساس له من الصحة. وقد أدخلت حكومة دمشق روسيا من خلال العقود التي ابرمتها معها في دائرة النزاع الحاصل بين دول شرق البحر المتوسط، وكان الجانب الروسي وعلى لسان مبعوث فلاديمير بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، أثناء زيارة له إلى لبنان في حزيران/يونيو عام 2019 قد عرض خدمات موسكو للتوسط في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا.

في النتيجة إلى تاريخ نشر هذه المادة لم يتم الكشف عن أي احتياطيات من النفط والغاز في المياه الاقتصادية الخالصة لسوريا، ولم تدخل حكومة دمشق في نزاع حول ترسيم الحدود المائية مع تركيا وقبرص الرومية، باستثناء نزاعه على البلوك 1 و2 مع لبنان، ولم يتم حل الخلاف، كما لم يصدر من تركيا وقبرص أي اعتراضات على ترسيم سوريا لحدودها المائية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.