في منتصف عام 2021 الماضي، أعلنت دولة الإمارات العربية المتّحدة عن فتح باب التأشيرات للمواطنين السوريين، ثم بعد ذلك بأيام أعلنت عن تخفيض رسوم هذه التأشيرة في إطار استقطاب الخبرات والمواهب السورية، وهي سياسة تنتهجها حكومة دبي مع عدد واسع من الجنسيات حول العالم، حيث تفتح أبوابها أمام دخولهم الإمارات والبحث عن العمل والانخراط في السوق هناك، أو تأسيس شركات ناشئة لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والصغيرة.

بلغت تكلفة التأشيرة بعد تخفيضها 550 درهم للشهر الواحد و1100 درهم إماراتي عن كل ثلاثة أشهر، مع رسوم أخرى لتجديدها أو غرامات لمن يخالفون هذه المدّة.

جاء هذا الإجراء بالتزامن مع اشتداد مصاعب الحياة في سوريا، ورغبة شريحة واسعة من الفئة الشابة السورية في الخروج بحثا عن مستقبل أفضل مع انعدام فرص التطور في سوريا، والخوف من اقتراب الخدمة العسكرية الإلزامية.
هذا الواقع، دفع الكثير من الشباب إلى التفريط بـ “تحويشة العمر” من أجل تأمين تكاليف رحلة غير مخططا لها جيدا، إذ أن سهولة الدخول إلى دبي، لا يعني سهولة البقاء فيها والعثور على فرص العمل داخلها.

بيع “تحويشة العمر”

وجد معتصم أشرف، المنحدر من حي الميدان الدمشقي في فتح التأشيرة الإماراتية أمام السوريين “فرصة العمر” للنجاة من واقعه البائس في سوريا، فهو يعمل براتب لا يتجاوز 120 دولار لا يكفيه لقوت عائلته.

يقول معتصم لـ”الحل نت”: “كل ما كنت أسمعه عن الإمارات أن البلد هناك أرض الفرص والنجاحات والوظائف الفاخرة والمشاريع الرائدة عالميا، لذلك لم أتردّد بخوض تجربتي في التوجّه للبحث عن فرصة العمل”.

باع معتصم مصاغ زوجته الذهبي، لتأمين تكاليف التأشيرة، وأجور النقل جوا بالطيران، فضلا عن مبلغ يكفيه للفترة الأولى في دبي ريثما يحصل على فرصة العمل بسبب غلاء المعيشة هناك.

يشرح ما حدث معه: “الوضع كان صادما، فالبلاد كانت جميلة ولكن بعد أيام من وصولي اكتشفت أنني لا أملك أدنى المقومات للعمل هناك، فلا أملك اللغة الانكليزية وليس لدي علاقات مسبقة، كما أن مهنتي يعمل فيها أشخاص من إيران برواتب منخفضة جدا ما يخلق تنافسية كبيرة في سوق العمل”.

حاول معتصم تغيير الخطة عبر البحث عن أي فرصة عمل تتوفر له، بما في ذلك الحراسة (سيكيوريتي) وشركات تنظيف المنازل والمكاتب، الروضات التعليمية ولكن خطته فشلت لم يجد أي فرصة.
بعد نحو أربعة أشهر، قال معتصم إنه لم يتبق لديه سوى أجر الطائرة للعودة إلى سوريا، فلم يجد عملا ولم يعد قادرا على دفع إيجار الغرفة التي كان يعيش فيها، فأنقذ نفسه وعاد أدراجه إلى العاصمة دمشق.

ذات الأمر حدث مع الشابة آية الراشد، التي تعمل في مجال التصميم الهندسي، ولكنها فشلت في الحصول على فرصة عمل بعد أن باعت سيارة والدها في سوريا. تقول لـ”الحل نت”: “العمل هناك يحتاج إلى شخص اجتماعي لديه علاقات واسعة في السوق وليست الخبرة كافية دوما”، موضحة أنها كادت أن تُرمى في الشارع بسبب نفاد أموالها بعدما باتت غير قادرة على تأمين بطاقة طيران للعودة إلى محافظة اللاذقية حيث تعيش أسرتها.

وقالت: “أنصح كل من يفكر بالسفر إلى الإمارات للعمل بأن يدرس هذه الخطوة جيدا من الناحية المادية والمهنية، ومن الأفضل أن يحصل على فرصة العمل وهو في سوريا ثم يسافر على أساسها”.

تنافس شرس

التقى “الحل نت” بمستثمر سوري يعيش في الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2009، وشرح بدوره أبرز النقاط التي تجعل رحلة دبي غير ناجحة في تحقيق أهدافها بالنسبة للكثير من السوريين.

وقال المستثمر الذي لم فضّل عدم ذكر اسمه: “الخليج بشكل عام اليوم يختلف عن الخليج في تسعينات القرن الماضي، ففي تلك الفترة كانت الدول الخليجية بما في ذلك الإمارات في مرحلة البناء، لذلك فهي تسعى لاستقطاب أي عمالة وافدة من أجل القدوم والعمل لتسريع وتيرة البناء والنهضة الحضارية التي كانت تعمل عليها هذه الدولة”.

وأضاف: “اليوم الوضع تغيّر كثيرا، غالبية الدول انتهت من مرحلة البناء، وباتت الآن أكثر انتقائية فيما يخص العمالة الوافدة، لذلك باتت تبحث عن مهارات مميزة مثل الاختصاصات الدراسية النادرة، وأصحاب اللغات المتعددة، فرغم أن اللغة الانكليزية وحدها لم تعد ميزة، إلا أن الكثير من السوريين الذين يأتون إلى الإمارات لا يتقنونها بشكل صحيح وهذه مشكلة صعبة الحل”.

من بين العواقب التي شرحها المستثمر ذاته، بأن التأشيرة إلى الإمارات ليست متاحة أمام السوريين وحدهم، بل أمام غالبية الجنسيات العربية والشرق آسيوية، فالعمال والموظفين من الهند يتقنون اللغة الانكليزية بطلاقة، ويملكون مهارات مختلفة لاقتناص الفرص، فضلا عن أنهم يمكن أن يعملوا بأجور مخفضة عن تلك التي يطلبها السوريون، وهو ما جعل الفرص أمام السوريين أكثر محدودية.

جائحة “كورونا” كان لها تأثيرا إضافيا بحسب ذات المصدر، فالكثير من الشركات التي تعتمد على الأعمال المكتبية باتت تتعامل مع الموظفين عن بعد من أماكن إقامتهم في سوريا ومصر ولبنان، بسبب هبوط قيمة عملات هذه الدول، فيمكنها الحصول على موظف بدوام كامل براتب 200 – 300 دولار أميركي في أحسن الأحوال وهذا من شأنه أن يقلل فرص العمل في الإمارات.

استغلال وابتزاز

على مجموعات “فيسبوك” و”لينكد إن” الخاصة بالسوريين في الإمارات، ينتشر وسطيا 20 منشورا بشكل يومي لسوريين علقوا في الإمارات ولم يجدوا فرص العمل ونفدت أموالهم، يضعون نسخا بدائية غير احترافية من سيرتهم الذاتية (CV) طالبين فرصة عمل “بأي مجال” و”أي أجر”.

هذا الواقع فتح الباب أمام عمليات استغلال وابتزاز واسعة، وفي هذا الصدد أوضحت الشابة أية الراشد أنه عُرض عليها فرصة عمل براتب زهيد جدا لا يكاد يكفي لدفع إيجار الغرفة المشتركة التي تعيش فيها، مقابل عمل 11 ساعة يوميا في ظروف غير آدمية، بحسب وصفها.

وقال الشاب السوري سامر عبد الله، الذي عاد إلى سوريا قبل أشهر: “عندما يعلم أصحاب المشاريع أن شخصا ما عالق وليس لديه المال ويبحث عن عمل، يقومون باستغلاله بظروف عمل تشبه العبودية”. موضحا أنه اضطر للعمل بهذا الأسلوب لشهر واحد قبل المغادرة والعودة إلى سوريا بسبب عدم احتماله لتلك الظروف القاسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.