لقد انضم نحو ألف لبناني إلى صفوف التنظيمات الجهادية في سوريا. وفي حالة عدم وجود إطار قانوني لعودتهم، يمكن أن يقضوا فترات طويلة في السجن دون محاكمة، الأمر الذي قد يشجعهم على الهروب والعودة إلى لبنان، بحسب ما أشار إليه تقرير لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية وترجمه موقع “الحل نت”.

عاد أحمد (اسم مستعار) لتوه إلى لبنان بعد ثماني سنوات قضاها بين سوريا وتركيا. وبالاتفاق مع السلطات العسكرية، التي كان قد أخبرها منذ عودته إلى مسقط رأسه في طرابلس شمال لبنان، يجب أن يمثل أحمد أمام المحكمة في الأيام المقبلة. وهذا المقاتل من جماعة “جبهة النصرة” (تحرير الشام)، وهو شاب سني في الثلاثينيات من عمره، كان ملتزما بالحفاظ على “بقاء المسلمين”، الذي يعتقد أنه في خطر! “هذا ما كان يقال لنا في المسجد”، يقول أحمد.

وعلى الجبهة، مكث أحمد ثلاثة سنوات قبل أن ينشق ويهرب إلى تركيا، حيث كان يأمل هو وزوجته، التي التقى بها في سوريا، في العبور إلى أوروبا، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل.

ويوضح قائلا: “بعد ذلك، فضلنا المخاطرة بالعودة إلى لبنان”. وبمقابل 3 آلاف دولار، أخذهم مهرب عبر الحدود السورية اللبنانية المليئة بالثغرات ليوصلهم إلى لبنان. ويواجه أحمد قرابة خمسة سنوات في السجن إذا حدثت الانتهاكات المتهم بها خارج لبنان، والسجن المؤبد أو حتى الإعدام (يطبق لبنان وقف تنفيذ أحكام الإعدام) إذا حدثت هذه الانتهاكات داخل لبنان.

وكما هو حال أحمد، سيكون هناك حوالي 300 مقاتل سابق يريدون العودة إلى لبنان، حسب تقديرات السلطات اللبنانية، من بين 800 إلى 1000 مقاتل انضموا إلى التنظيمات الجهادية في سوريا. وقد مات الآخرون أو ما زالوا يقاتلون. طبعا هذا دون احتساب “60 إلى 70 لبنانيا”، بحسب مقاتل إسلامي سابق، غالبيتهم من النساء والأطفال، ما زالوا محتجزين في مخيمي الهول وروج شمال شرقي سوريا. ويقول المحامي محمد صبلوح، الذي اعتاد الدفاع عن هذا النوع من الموكلين بماضيهم القاتم: “في الأشهر الأخيرة، زادت حالات العودة”.

مصالح أخرى غير العدالة

يتردد لبنان في إعادة جهاديه وعائلاتهم المعتقلين إلى الوطن. فأربعة عشر منهم فقط، بما في ذلك زوجة وخمسة أطفال، تم إعادتهم بموجب اتفاق رسمي، وفقا لـ”المركز الدولي لدراسة التطرف”. “في الواقع، هناك المزيد منهم، لكنهم يعودون بمفردهم. فالدولة اللبنانية تتجاهلهم وتدير ملفهم على أساس كل حالة على حدة عندما يعلنون عن أنفسهم”، يلاحظ المحامي صبلوح.

وقد بدأت عدة دول تهتم بمصير هؤلاء المقاتلين الأجانب وعوائلهم، من 80 جنسية، في سوريا. وعليه، قبلت فرنسا في شهر تموز/يوليو الماضي إعادة مجموعة تضم أمهات مع أطفالهن، ومن بينهم إيميلي كونيغ، إحدى أشهر الجهاديات الفرنسيات، والتي تم حبسها احتياطيا فور وصولها.

أما السلطات اللبنانية، فما زالت تتظاهر بعدم القلق، وتتجاهل نداءات عائلات الجهاديين ومحاميهم، على الرغم من الالتزامات القانونية تجاه مواطنيها. “قرعت كل الأبواب على أمل أن يأخذ أحدهم مصير ابنتي على محمل الجد، فهي محتجزة في مخيم الهول مع بناتها الثلاث. لقد تبعت زوجها فقط إلى سوريا. وللهروب، أرادت حتى الطلاق، لكن السلطات اللبنانية أخبرتها عبر الهاتف أن عليها العودة إلى لبنان من أجل ذلك. الآن زوجها مات منذ زمن طويل. وفي مخيم الهول حاولت الفرار. وعند الحدود التركية، حيث وصلت، داست على لغم، ولم تعد تستطيع استخدام ساقيها”، يقول خالد أندرون، والد إحدى الجهاديات اللبنانيات، وهو يبكي ويشير إلى صور تظهر الآثار اللاحقة التي عانت منها ابنته وإحدى حفيداته. وقد تم إلقاء القبض على هذه الشابة مرة أخرى، ولم تعد قادرة على رعاية أسرتها. “في نظر السلطات اللبنانية، هن غير موجودات”، يضيف أندرون بسخط.

من حيث المبدأ، يتفق الجميع على محاكمة الإرهابيين. “يجب محاكمة جرائم الإرهاب. خاصة وأن عودة الجهاديين تشكل خطرا أمنيا كبيرا”، يقول قاض سابق في المحاكم العسكرية ذات الاختصاص القضائي في هذه المسألة. وهذا ينطبق سواء على المقاتلين المتمرسين أو على زوجاتهم أو حتى أولادهم. ثم تثور الأسئلة؛ أولا، في المعاملة القضائية التي يجب تطبيقها عليهم. ففي مواجهة صعوبة إثبات الحقائق عندما ترتكب الجرائم في مناطق الحرب، تجد العدالة اللبنانية نفسها معتمدة على عناصر هشة للغاية؛ الصور التي تم تحميلها على شبكات التواصل الاجتماعي، وشهادات أشخاص مجهولين، وحتى “الملاحظات البيضاء” للمخابرات العامة اللبنانية، والتي تخضع لتأثيرات متعددة في بلد مثل لبنان، وأحيانا يكون لديها مصالح أخرى غير العدالة في الاعتبار.

ومن الأدلة على ذلك، قصة سامر (اسم مستعار)، البالغ 30 سنة والممرض السابق لدى “داعش”. فقد عاد سامر في عام 2016، وقضى أربعة سنوات في الحبس الاحتياطي، قبل إطلاق سراحه على ذمة المحاكمة. “لم أقاتل قط! لقد عملت في مستشفى الرقة. وفي وقت لاحق، قمت بتأسيس مستوصفات في مناطق أخرى. وعندما عدت إلى لبنان، أظهرت المخابرات العامة صورة لي مع مسدس. هناك، كان لدينا كل شيء؛ لكن هذا لم يجعلني مقاتلا. في لبنان، أرادت مني المخابرات العامة أن أعترف. فتعرضت للضرب، وضربت عدة مرات بأنبوب، وحتى علقت من قدمي”، يقول سامر.
ولم يعترف سامر بأي شيء. ومع ذلك، حوكم غيابيا – بعد أن رفض المثول أمام المحكمة خوفا من أن يسجن مرة أخرى – وحكم عليه بالسجن المؤبد. “99 بالمئة من الملفات ليس لها أية مصداقية. فالأدلة المقدمة غير كافية أو حتى ملفقة. أنت لا تعرف أبدا ما هو الحكم الذي سيتم تطبيقه، لأن المحاكم العسكرية لا تحتاج إلى تبرير قراراتها. إنها كلعبة الروليت الروسية”، يضيف المحامي صبلوح.

وفي طرابلس، حيث يدير سمير الآن مرآبا صغيرا وهو يحلم باستئناف دراسته، يعيش الممرض السابق لدى داعش تحت رحمة أجهزة المخابرات التي يمكنها، في أي وقت، أن تقرر تطبيق العقوبة. “إنهم يعرفون بالضبط أين أعيش. منذ وقت ليس ببعيد، أرادوا مني أن أشهد ضد أحد الجيران، فاضطررت إلى الاختفاء لعدة أسابيع لتجنب ذلك”، يقول سامر.

فيما يشير القاضي العسكري السابق إلى أن رفض معالجة أكثر عمومية لملف المقاتلين اللبنانيين في سوريا هو تعبير عن مشكلة “سياسية للغاية وبالتالي مذهبية”. والسبب أن هؤلاء هم من السنة! فقد غادر لبنانيون آخرون للقتال في سوريا دونما قلق، عندما جند “حزب الله” عدة آلاف من الشيعة للقتال في سوريا إلى جانب حكومة دمشق. وفي ذروة الحرب السورية، تم نشر ما بين 7000 و8000 رجل من وحدة النخبة “الرضوان” على الأرجح. “على عكس الشباب السنة، الذين يعودون خجولين وعليهم أن يندموا وأن يمضوا عدة سنوات في السجن، يحتفل من حولهم بالمقاتلين الشيعة عندما يعودون ويبقون أحرارا”، تشير هدى الرفاعي، العاملة الاجتماعية التي تعمل في الأحياء المحرومة في طرابلس. ووفقا للرفاعي، فإن هذا الاختلاف يبقي على “استياء شديد داخل المجتمع السني اللبناني”.

برنامج مكافحة التطرف

يعود هذا التوجه إلى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، وظهور “حزب الله” منذ ذلك الحين بالتزامن مع صعود إيران في المنطقة. “تورط السنة اللبنانيين في الحرب السورية مرتبط بشكل أساسي بهذا الشعور الجماعي بأنهم ضحية. الدوافع الاقتصادية والإحباطات الاجتماعية والمعتقدات الدينية هي عوامل مهمة، لكنها غير كافية لوحدها لتفسير قرارهم بالرحيل للقتال في سوريا”، يلاحظ هشام بو ناصيف، مؤلف دراسة حول هذا الموضوع.

الخطر هو أنك إذا قمعتهم بشدة، فإن هؤلاء الشباب سيرحلون. فقبل بضعة أشهر، فضل مائة شاب من طرابلس، لم تظهر على معظمهم أي علامات للتطرف، الانضمام إلى “داعش” في العراق بدلا من إلقاء القبض عليهم. وكان زكريا، 22 عاما، واحدا منهم. إسكافي وبائع فواكه وخضروات، عاش زكريا في حي باب التبان، أحد أفقر سكان المدينة، مع زوجته وابنه الصغير. ودس عليه مخبر مجهول، واشتبه الجيش بتورطه في اغتيال أحد ضباطهم، لكن تم تبرئته بعدها. و يتذكر شقيقه نور، فيقول: “لكن زكريا كان مرعوبا من فكرة الزج به في السجن، وسوء المعاملة، والانتظار ربما خمس سنوات قبل أن يتم تبرئته وإطلاق سراحه”. وقدم هذا الشاب ذريعة رحلة إلى تركيا لإنقاذ نفسه، وعاد إلى الظهور في العراق بعد بضعة أسابيع، ليموت في القتال على الفور تقريبا. وقضية زكريا ليست معزولة، فقد قتل في وقت سابق أربعة شبان لبنانيين آخرين في صفوف الجهاديين في العراق.

ولأنها تتفهم هذا الخطر، فقد أنشأت ليا بارودي، مؤسسة “جمعية مارس”، البرنامج الوحيد في البلاد لمكافحة التطرف وإعادة الإدماج للمقاتلين السابقين. ومنذ إطلاقه في عام 2017، شارك 237 منهم فيه. وتوضح السيدة بارودي قائلة: “علينا أن نوازن بين احتياجات المجتمع، لاسيما في ما يتعلق بالأمن، وتطلعات هؤلاء الأفراد، لأنه إذا استمرت معاقبتهم في العيش في خوف، بعد قضاء عقوبتهم، دون مال أو حياة اجتماعية، فإن الخطر يكمن في أن عددا أقل من هؤلاء سيفكر في العودة… أو أن العائدون سيختارون المغادرة ثانية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.