أزمة البنزين في سوريا أضحت خلال الأشهر الماضية ككرة “جيلاتينية” تطل برأسها بشكل متقطع في أماكن متفرّقة من البلاد، الأمر الذي يعقد من إمكانية التعرف على أسبابها المباشرة والتعامل معها بشكل قطعي ونهائي، لكن ما تم كشفه أن الحكومة ذاتها كانت إحدى أدوات هذه الأزمة، فكيف حدث ذلك؟.

سيارات غير اقتصادية

مدير النقل البري بوزارة النقل، كشف أن عدد العربات السياحية المملوكة للحكومة والتي تتجاوز سعتها 1600 سي سي، يبلغ عددها 14225 سيارة، مقابل 160987 سيارة مملوكة للقطاع الخاص.

ولمعرفة كمية البنزين الذي تستخدمه هذه السيارات شهريا، قال أحد أصحاب مكاتب السيارات لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الاثنين، إن سيارة حجم محركها 1600 سي سي، تقطع 160 كيلومترا بالتنكة، أي إنها في حال كانت تسير يوميا 30 كيلو مترا فإنها تحتاج شهريا إلى 9 (تنكات)، لافتا إلى أن أغلب السيارات الموجودة في سورية قديمة وغير اقتصادية.

من جهته، أشار الدكتور حسن حزوري، الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة حلب، إلى أن سوريا تملك أكبر أسطول من الآليات الحكومية مقارنة بباقي الدول المحيطة بها أو حتى الدول ذات الدخل المرتفع، لكن ما يميزها هو أنها قديمة ومتهالكة وتحتاج باستمرار إلى صيانة وإصلاح.

وبحسب حزوري، فإن نسبة كبيرة من هذه السيارات غير مجدية اقتصاديا، لأن نسبة كبيرة منها تستخدم لأغراض أخرى غير الأغراض التي خصصت لها، كالخدمات المنزلية والأسرية والشخصية، وليس لصالح المؤسسة المرتبطة بها، بمعنى أنها لا تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر، بالإنتاج الخدمي وفي ذات الوقت هي شريكة في أزمة البنزين.

ما الحل؟

بحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة النقل، قال حزوري: “إذا كان عدد السيارات الحكومية التي تزيد طاقتها عن 1600 سي سي 14225 سيارة من مختلف الفئات، مقارنة بعدد السيارات الخاصة البالغ 160987 سيارة، نجد أن نسبة السيارات الحكومية تبلغ نحو 9 بالمئة، وهذا يشكل نسبة كبيرة من الإنفاق الحكومي الحالي”.

ووفقا لحسابات الخبير الاقتصادي، فإن مجموع السيارات الحكومية تقطع يوميا 427,650 كيلو مترا وتحتاج إلى كمية 4,267 تنكة بنزين أي 85340 لتر بنزين يوميا، مضيفا “وإذا افترضنا أن أيام العمل الشهري هي 26 يوما فقط، فيكون استهلاك السيارات من البنزين شهريا 2,2 مليون لتر شهريا على الأقل، وتصل قيمتها بسعر التكلفة الحالي إلى ما يزيد عن 8 مليارات ليرة شهريا”.

وبناء على ما تقدم، يعتقد حزوري أنه يجب استبدال المركبات الحالية تدريجيا بأخرى جديدة، وفقا لخطة مبرمجة، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تخفيض مئات الملايين من تكاليف الصيانة والإصلاح، فضلا عن الحاجة إلى الاستعاضة عن المركبات باستهلاك أقل أو بقدرة أقل من المحركات الحالية.

وبما أن غالبية الدول الصناعية وضعت إستراتيجية للتوقف تدريجيا عن تصنيع السيارات التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري الموجود ابتداء من سنة 2025، فيرى الخبير الاقتصادي، أنه من المستحسن استبدالها بمركبات تعتمد على الطاقة المتجددة أو السيارات الكهربائية.

سوريا.. البنزين مفقود

أزمة المحروقات عادت في الشهرين الأخيرين إلى المدن الرئيسية في سوريا، حيث شهدت بعض المحطات في دمشق، أزمة كبيرة في تأمين مادتي المازوت والبنزين، ما خلق أزمة نقل خانقة، وسط انتظار السائقين لعشر ساعات ليحصلوا على البنزين بالسعر الحر.

ونتيجة إغلاق هذه المحطات وتحويل مخصصاتها لمحطات أخرى ازداد الضغط على المحطات البديلة وبالتالي تأخرت مدة وصول الرسالة لتصل حتى 16 يوما في بعض الأحيان، بالإضافة للازدحام على محطات وقود محددة، وسط استياء من المواطنين الذي بدأوا بالتساؤل عن مكان تواجد البنزين، وطالبوا بالاكتفاء بتغريم المحطات دون إغلاقها.

بالتزامن مع النقص الكبير في البنزين والمحروقات بشكل عام، رفعت الحكومة أسعار الوقود خلال الشهر الماضي، حيث زادت أسعار البنزين والمازوت غير المدعومين بحجة ارتفاع الأسعار عالميا.

وبلغ سعر مادة البنزين (أوكتان 90) الجديد هو 3500 ليرة سورية للتر الواحد، بعد أن كان بـ2500، في حين ارتفع سعر البنزين (أوكتان 95) من 3500 إلى 4000 ليرة، أما سعر مادة المازوت فارتفع بحسب بيان الوزارة، من 1700 إلى 2500 ليرة للتر الواحد، بحسب متابعة “الحل نت”.

وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن أزمة المحروقات في سوريا مؤخرا مرتبطة، بتراجع الإمداد الروسي لسوريا بالنفط، بعد غزو أوكرانيا، فيما أثر ارتفاع أسعار الوقود على مختلف الأسعار التي شهدت ارتفاعا غير مسبوق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.