يبدو أن موسم التسريبات يأبي أن ينتهي في العراق، فرياحه يد وصلت إلى عقر “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، لتخرج لنا تسريبات الحنّانة، فما تأثيرها ومن خلفها وكيف سيتعامل الصدر معها؟

في تسريب صوتي تداولته مواقع “التواصل الاجتماعي” العراقية بشكل جيد أمس وأول أمس، ظهر الانقسام والخلاف الصدري حول زعامة مقتدى الصدر وقراراته التي تخص “الكتلة الصدرية” بين قيادات “التيار”.

تسريبان من تسريبات الحنانة يتم تداولها حتى الآن، الأول شخصي لعلاقات حميمية لنواب صدريين، لن نتناوله في هذه المادة، والثاني سياسي يخص “التيار الصدري” سنركز عليه هنا.

التسريب السياسي من تسريبات الحنّانة، هو مكالمة صوتية بين القيادي في “التيار الصدري”، رجل الدين مصطفى اليعقوبي والأمين العام لمجلس الوزراء والمنتمي لـ “التيار” حميد الغزي.

يظهر في التسريب الصوتي، امتعاض اليعقوبي من مقتدى الصدر وطريقة إدارته لـ “التيار الصدري” وعدم تصرفه بشكل سليم، بحسبه، ويطرح ذلك على الغزي، الذي بدا متفاجئا من الحديث ويبحث عن حل مع اليعقوبي.

من وراء تسريبات الحنّانة؟

اليعقوبي يقول في التسجيل، إن الصدر غير مستقر حاليا، وحينما لا يكون مستقرا يتخذ قرارات غير مدروسة، منها ترشيحه ابن عمه جعفر الصدر، نجل المرجع للديني محمد باقر الصدر لرئاسة الحكومة، عندما كان يطمح لتشكيل حكومة أغلبية.

يرى اليعقوبي أن ترشيح جعفر الصدر غير مدروس؛ لأنه إن فشل في قيادته للحكومة سينعكس سلبا على سمعة عائلة الصدر الدينية لدى الجمهور والناس، وبالتالي ليس من الصحيح ترشيح أي شخصية من عائلة آل الصدر لرئاسة الحكومة.

في التسجيل المسرب، يطلب اليعقوبي من حميد الغزي الاتصال بجعفر الصدر -سفير العراق لدى بريطانيا- ليخبره بالمجيء إلى النجف؛ كي يجلس مع الصدر ويخبره بخطورة قراره على عائلة آل الصدر، وعدم اتخاذ قرارات مستعجلة.

مقتدى الصدر وجعفر الصدر

يقول المحلل السياسي علي البيدر، إن تسريبات الحنانة تأتي ضمن موسم التسريبات التي لم تستثنِ أي أحد من شمال العراق لجنوبه، وهي تسريبات سياسية بامتياز، ولا دخل لجهات مخابراتية وغيرها بذلك.

البيدر يعتقد في حديث مع “الحل نت”، أن “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران هو من يقف وراء تسريبات الحنانة، ويستدل على ذلك بظهورها أولا في المنصات التابعة لـ “الإطار”، إضافة إلى محدودية تداولها من قبل الإعلام اامحلي باستثناء الإعلام “الإطاري”.

كيف سيتعامل الصدر؟

المحلل السياسي العراقي يردف، أن الهدف من تلك التسريبات هو محاولة النيل من مقتدى الصدر وتحجيم قوته وجماهيريته، وإظهار صورة للرأي العام بأن قياداته لا تتفق بشأن قراراته وتختلف على أهليته لقيادة “التيار الصدري”.

البيدر يؤكد، أن الصدر سيتعامل مع تسريبات الحنّانة بحزم وجدية، عبر غربلة “التيار الصدري” من الشخصيات الخلافية والتي تتسبب بأي انقسام داخل “التيار”، ووضع شخصيات مطيعة له ولا تتصرف من تلقاء نفسها، بحسب تعبيره.

ويلفت البيدر، إلى أن الصدر سينجح في غربلته قريبا، وتلك الغربلة ضرورية لإعادة إنتاج “التيار الصدري” بصورة أقوى تمكنه من مواجهة خصومه في العملية السياسية بنفس طويل، لتحقيق مسعاه بإبعاد أحزاب طهران عن الحكومات العراقية المقبلة.

سبق تسريبات الحنانة، تسريبات أخرى أبرزها تسريبات المالكي الصوتية، التي ظهر بها وهو يهاجم الصدر بكلمات مخلة، واصفا إياه بـ “الجاهل والجبان”، ومتوعدا إياه بحرب طاحنة في النجف عبر ميليشيات مسلحة ينوي تأسيسها لإنهاء زعيم “التيار الصدري”.

وتأتي هذه التسريبات ضمن دائرة الأزمة السياسية والانسداد العقيم الذي يشهده العراق منذ الانتخابات المبكرة الأخيرة، بعد إخفاق مقتدى الصدر بتشكيل حكومة يقصي منها “الإطار”، وعدم قدرة الأخير على تشكيل حكومة بسبب معارضة الصدر لها.

صراع مسلّح

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، على إثر دعوة مقتدى الصدر بمؤتمر صحفي، جمهوره بالانسحاب وإنهاء الاعتصام في 30 آب/ أغسطس الفائت.

ما يجدر ذكره،، أن ما حدث هو نتيجة الأزمة السياسية العراقية التي اشتدّت في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

وتأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

الصدر والمالكي وقيادات الإطار

اتسداد مستمر

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.