مع تنامي شبكات صناعة المخدرات المرتبطة بشخصيات من القيادة السورية في دمشق، وتحول الإتجار بها إلى مكسب تجاري كبير، تتجه واشنطن لتفعيل مواجهة هذه الظاهرة في سوريا، فما هي إمكانيات نجاح ذلك، لا سيما وأن العديد من شبكات المخدرات أصبحت مرتبطة بالميليشيات الإيرانية المنتشرة على الأراضي السورية.

مجلس النواب الأميركي، أقر مشروع قرار يضع استراتيجية أميركية لوقف إنتاج المخدرات والاتجار فيها وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سوريا.

ويقول المشروع، الذي قدمه ديمقراطيون وجمهوريون، ونقلته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية الخميس، إن: “الاتجار في الكبتاجون المرتبط بالنظام السوري يشكل تهديدا عابرا للحدود“، ويدعو الإدارة الأميركية إلى تطوير وتطبيق استراتيجية “لتفكيك شبكات الاتجار بالمخدرات التابعة للنظام السوري“.

المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بسام الأحمد، يرى دمشق تمكنت من تحويل سوريا إلى بلد مخدرات، مع الأخذ بالعلم وجود جهات أخرى تصنع هذه المواد في سوريا، مشيرا إلى أن واشنطن تسعى للضغط سياسيا على دمشق من خلال ملف المخدرات.

ويقول الأحمد في حديث خاص لـ”الحل نت”: “أنا أعتقد أن هذا الدفع له مفاعيل سياسية، كما أن بعض الدول المتضررة مثل الأردن تدفع باتجاه الضغط على دمشق من أجل وضع حد لملف المخدرات”.

ويعتقد الأحمد أن سبل مواجهة دمشق في ملف المخدرات، قد تكون سياسية أثر من كونها اقتصادية، ويدعم اعتقاده بالقول: “هي رسالة سياسية أكثر للنظام نفسه ولجميع الدول الذي تحاول إعادة العلاقات معه، سواء تركيا أو بعض الدول العربية”.

وحول ذلك يضيف: “لمواجهة هذا الملف يجب أيضا التركيز على العديد من الجهات الأخرى المتورطة في صناعة المخدرات، هناك مثلا في شمال غرب معامل لصناعة المخدرات، بالتأكيد النظام هو المسؤول الأكبر

كبتاغون سوري إلى أميركا؟

النائب الجمهوري فرنش هيل، اعتبر في خطاب لمجلس النواب، أن حكومة دمشق، حوّلت سوريا إلى “دولة مخدرات“، مشيرا إلى أن: “مركز الاتجار في المخدرات حاليا هو في منطقة تسيطر عليها القوات السورية“، محذرا من أن الكبتاجون وصل إلى أوروبا، ووصوله إلى الولايات المتحدة مسألة وقت، على حد تعبيره.

وأضاف النائب الجمهوري: “إن لم نعمل مع شركائنا للحد من الاتجار في المخدرات واستبدال نظام مؤسسات يخدم الشعب السوري به، حينها سيضيف الأسد لقب ملك المخدرات إلى لقبه المعترف به دوليا بصفته قاتلا جماعيا“.

ويطالب المشروع، الذي أقره مجلس النواب بعد ظهر الثلاثاء، البيت الأبيض بتقديم الاستراتيجية المطلوبة أمام الكونغرس للاطلاع عليها في فترة لا تتخطى 180 يوما من إقراره، على أن تتضمن تقديم الدعم للحلفاء من دول المنطقة الذين تدخل إليهم كميات كبيرة من الكبتاجون، خلال عمليات تهريبها.

وتشمل الاستراتيجية حملة علنية لتسليط الضوء على علاقة نظام دمشق بالاتجار غير المشروع في المخدرات، ولائحة بالدول التي تتلقى شحنات كبيرة من الكبتاجون، إضافة إلى تقييم قدرات هذه الدول على وقف عمليات التهريب. ويدعو نص المشروع الولايات المتحدة إلى توفير المساعدة وبرامج تدريبية لهذه الدول لتعزيز قدراتها على التصدي لعمليات التهريب.

ضغوط سابقة

الكونغرس طالب مرارا خلال الفترة الماضية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، للتصدي لقضية الكبتاجون، فدعا كبيرا الجمهوريين في لجنتي العلاقات الخارجية في الكونغرس، البيت الأبيض إلى تقديم تقرير مفصل للكونغرس، يعرض دور الرئيس السوري بشار الأسد في الاتجار بالكبتاجون، مشيرين إلى تداعيات الملف على الاستقرار في المنطقة.

وقال السيناتور جيم ريش والنائب مايك مكول، في رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن في وقت سابق: “الأردن المهدد بشكل متزايد من خلال تدفق الكبتاجون عبر حدوده، يعاني من مواجهات خطرة مع مهربي المخدرات على حدوده مع سوريا. والسعودية كذلك تتعرض لتدفق الكبتاجون السوري، وعمدت إلى زيادة الموارد الأمنية لتعزيز جهود التصدي له“.

قد يهمك: القوة الناعمة للملكية البريطانية.. هل تستمر؟

كما طالبت مجموعة من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين الإدارةَ الأميركية بإدراج سوريا على لائحة البلدان المنتجة للمخدرات أو “المسهلة لتمريرها“. وحثّ المشرعون، في رسالة كتبوها إلى بلينكن، الوزارة على إجراء تقييم للأنشطة التي تقوم بها دمشق في مجال تصنيع المخدرات والاتجار فيها، وبناء على هذا التقييم يتم تحديد ما إذا كانت سوريا تقع ضمن خانة البلدان المنتجة للمخدرات.

تقول الرسالة، التي وقع عليها السيناتور الجمهوري روجر مارشال والنائب الجمهوري فرنش هيل وزميله الديمقراطي برندان بويل: “إضافة إلى الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب بحق شعبه، أصبح النظام في سوريا دولة مخدرات“.

وتابعت الرسالة أن إنتاج الكبتاجون والاتجار فيه “يوفّران طوق نجاة ضروريا للأسد، ويشلان المجتمعات المحلية، ويهددان العائلات، ويمولان المجموعات المدعومة من إيران في المنطقة“.

بدوره رأى محلل سياسي سوري مقيم في تركيا، أن المبادرات الجديدة المتعلق بالملف، تعني الطلب مباشرة من الأجهزة الأمريكية المختصة استخدام مصادرها وقوتها لتعقب هذه التجارة.

وبحسب المحلل السياسي الذي تحدث إلى “الحل نت” فإن المشروع الجديد: “يعني تتبع هذه التجارة بشكل مكثف، عبر كل الأدوات المتاحة بما فيها الأقمار الصناعية، لتتبع الطرق التي يتم من خلالها تأمين المواد الأولية لعملية الإنتاج، وغالبا ما تُنتج في الصين والهند، وبالتالي فستخضع الشركات التي تُصنع المواد الأولية للعقوبات، فضلا عن البنوك، وصولا إلى مراقبة أماكن التصنيع في سوريا ولبنان، وكشف طرق تهريب المخدرات“.

وتُتهم دمشق وشخصيات في القيادة السورية، وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الأسد، بالتورط في تصنيع وتهريب المخدرات، وذلك بهدف تمويل اقتصاده الذي يعاني من تبعات الحرب، حيث أكدت عدة تحقيقات صحفية خلال الأشهر الماضية، تورط الأسد في تجارة المخدرات الصناعية لتمويل حكمه.

وبحسب العديد من الدراسات والتقارير التي اطلع عليها “الحل نت”، فإن أهم مصدر للمخدرات وأكبرها في مناطق جنوبي سوريا وغربيها، وهي في معظمها تحت سيطرة القوات الإيرانية وقوات حزب الله التي جاءت لدعم حكومة دمشق.

ووفق مختصين، فإن الأردن والخليج، إن لم يكونوا قادرين اليوم على القيام بعمليات في جنوب سوريا لاستهداف مصادر هذه المخدرات، فعلى الأقل يجب رفع مستوى العمل الاستخباراتي وبالتالي الإحباط المستمر لهذه المحاولات ورفع كلفة التفكير في نقل المخدرات إلى هذه الدول.

وبحسب حديث سابق للخبير في الشؤون الإيرانية، نبيل العتوم، مع ”الحل نت” فإن إيران فتحت جبهة كبيرة على الأردن ودول المنطقة ليس فقط من خلال تهريب المخدرات، بل أيضا بتهريب نحو 3 آلاف نوع من الذخيرة واستخدام تقنيات حديثة للتهريب من خلال الطائرات المسيرة وحفر الأنفاق، لذلك لا بد من إنشاء هذا التحالف والتعاون مع قوى محلية سورية، فالمواجهة باتت أمرا لا بد منه.

خطر المخدرات يتصاعد في سوريا

بحسب تقرير سابق لـ“الحل نت“، قال مسؤولون أمنيون عرب إن “الكبتاجون” يأتي بشكل أساسي من مناطق تسيطر عليها القوات النظامية السورية، والميليشيات الموالية لإيران. وهم يعزون زيادة التهريب على مدى العامين الماضيين إلى انخفاض تكاليف الإنتاج. ونضوب الموارد غير المشروعة الأخرى في الاقتصاد السوري المتضرر من الحرب.

كما قال المحلل العسكري، عبد الله حلاوة، لـ“الحل نت” في وقت سابق، إنه تحت قيادة الرئيس السوري، بشار الأسد، أصبحت البلاد النقطة المحورية لتصنيع المخدرات وتصديرها في المنطقة كإمبراطورية للمخدرات في سوريا. إذ إن صلات الأسد بتجارة المخدرات باتت موثقة جيدا وبالكاد يتم إخفاؤها. وهو ما يفسر عدم وجود جهود من قبل دمشق لقمع تجارة المخدرات المزدهرة. بالإضافة إلى أن جني المكاسب المالية من تجارة المخدرات، يستخدمه الأسد كورقة إستراتيجية ضاغطة ضد خصومه الإقليميين.

وأشار حلاوة، إلى أنه منذ عام 2011، انخرطت الجماعات المسلحة في سوريا في صناعة المخدرات. ومع ذلك، فإن هذه الأعمال غير المشروعة لم تزدهر إلا بعد تمدد القوات الحكومية واستعادتها لبعض المناطق. والذي بلغ ذروته في صيف 2018.

وأضاف، “لا يمكن أن يحدث الازدهار في صناعة الكبتاغون إلا بحماية الدولة. وهو ما يتضح من خلال مشاركة شخصيات وشبكات رئيسية في النظام. وعلى رأسها الفرقة الرابعة المدرعة في الجيش السوري، وهي وحدة النخبة بقيادة ماهر الأسد، الأخ الأصغر للرئيس وأحد أقوى الرجال في سوريا“.

وفي مطلع العام الحالي حاول مكتب اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، نفي تأكيدات التقارير الإخبارية والدراسات على أن “سوريا تطورت إلى دولة مخدرات“، بأنها تنقل “معلومات كاذبة ومضللة“. متجاهلا في الوقت ذاته تصريحات “الشرطة الدولية“، التي أكدت اعتراض ما لا يقل عن 15 شحنة أخرى من المخدرات في الشرق الأوسط وأوروبا في العامين الماضيين، جميعها قادمة من سوريا.

قد يهمك: تطورات جديدة أردنية لبنانية تجاه سوريا.. ما قصتها؟

وسبق أن أكد مصدر خاص لـ“الحل نت“، أن مصانع المخدرات تمتد من الحدود اللبنانية – السورية وحتى جنوب سوريا مرورا بالقنيطرة. مشيرا إلى أن هذه المصانع لا تستطيع السلطات السورية الدخول إليها بسبب تبعيتها للحزب. في حين أن التجارة الداخلية للمخدرات أصبح منتشرة في البقاليات والأكشاك.

وأشار المصدر إلى أن تجارة المخدرات في سوريا تعتمد على عقارين رئيسيين؛ الأول “الحشيش“، والثاني هو حبوب المنبهات من نوع “الكبتاجون“. ولكن في الفترة الأخيرة باتت سوريا هي المركز العالمي لإنتاج الكبتاجون. والتي أصبحت الآن أكثر تصنيعا وتكيفا وتطورا من أي وقت مضى.

تقارير دولية تؤكد تورط دمشق

في شباط/فبراير الماضي، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز“عن دور الفرقة الرابعة في تجارة المخدرات. إذ تسيطر على القسم المسؤول عن الحدود مع لبنان والأردن. وهما نقاط التصدير الأساسية لحبوب الكبتاجون” المصنعة في سوريا“.

حيث تحتفظ الفرقة الرابعة بشبكة من نقاط التفتيش عبر مناطق سيطرة الجيش السوري. والتي تمكنها من توفير حماية حيوية لمصانع “الكبتاجون” وتسهيل حركة المخدرات في جميع أنحاء البلاد. كذلك فإن العديد من أقارب الرئيس السوري متورطون بشكل كبير في هذه الأعمال غير المشروعة. بما في ذلك سامر الأسد، رغم أنه ابن عم بعيد لبشار، لكن التحقيق كشف أنه يشرف على غالبية إنتاج “الكبتاجون” حول اللاذقية. ويمارس بشكل كبير في التهريب بجميع أنحاء المنطقة الساحلية السورية. حيث أصبح مصنع “الكبتاجون” الذي يملكه في قرية بستان الباشا جنوب اللاذقية معروفا. بعد أن كان يخفيه في صورة شركة مصنعة لمواد التغليف، بحسب الصحيفة.

وفي نيسان/أبريل الفائت، كشف تقرير صدرعن معهد “نيو لاينز” الأميريكي، أن قيمة تجارة حبوب الكبتاجون في الشرق الأوسط، تجاوزت 5 مليارات دولار خلال العام 2021 ، مشيرا إلى تورط أفراد من عائلة الرئيس السوري بشار الأسد، وكبار أركان نظامه وحزب الله اللبناني في تصنيع الكبتاجون وتهريبه.

وأشار التقرير إلى أن هذه التجارة باتت تشكل اقتصادا غير مشروع ومتسارع النمو في الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط، مضيفا أنه فقد تم احتساب القيمة المذكورة من خلال كميات حبوب تم ضبطها، حيث تقدر القيمة المحتملة لتجارة التجزئة بأكثر من 5,7 مليار دولار، بينما كان الرقم في العام 2020 نحو 3,5 مليار دولار، وهي حبوب تمت مصادرتها تقدر خلال العام 2021 بنحو 420 مليون حبة كبتاجون.

وأكد التقرير أن سوريا تعد المنتج الرئيسي لحبوب الكبتاجون، بينما تعد السعودية المستهلك الرئيسي لها، ولكن الكمية الفعلية التي تم ضبطها هي أعلى بكثير، وهي جزء مما يتم إنتاجه.

من الجدير بالذكر أن دمشق والميليشيات الإيرانية لا يمكنها التخلي عن صناعة وتهريب المخدرات، حيث أصبحت أحد أركان الاقتصاد بالنسبة لها في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.