بعد الاستفتاءات التي نفذتها روسيا في مناطق أوكرانية بهدف ضمها، سيكون تصرف موسكو بمثابة عصا جديدة في عجلة المفاوضات بين موسكو وكييف، فما هي مصير المفاوضات مع التراجع المستمر للجيش الروسي أمام الضربات الأوكرانية، وتهديدات روسيا باستخدام السلاح النووي؟.

التفاوض غير ممكن

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قال الأربعاء إن: “بلاده لا يمكن أن تتفاوض مع روسيا بعد الاستفتاءات التي نُظّمت في 4 مناطق أوكرانية، التفاوض غير ممكن بعد اعتراف روسيا بنتيجة الاستفتاءات الزائفة على أنها طبيعية وتطبيق سيناريو شبه جزيرة القرم، في هذه المناطق“.

خلال مراحل التفاوض بين الجانبين، كانت موسكو تعتبر الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك شرقي أوكرانيا واحدا من أهم شروط موسكو في المباحثات، ما جعلها واحدة من أبرز نقاط الخلاف.

ما يسهم كذلك في تغيير مسار المفاوضات، هو تغير اتجاه الوضع العسكري في الميدان الأوكراني، لا سيما بعد أن شهدت الأسابيع القليلة الماضية تراجع القوات الروسية، بفعل الضربات الأوكرانية، التي جاءت بدعم عسكري واستخباراتي من قِبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، ما يعني مزيد من استنزاف روسيا على الصعيدين العسكري والاقتصادي.

الباحث في العلاقات الدولية حسن النيفين يرى أن الاستفتاء الذي أجرته روسيا في المناطق التي سيطرت عليها في أوكرانيا، سيكون سببا لتعقيد ملف المفاوضات بين الجانبين، لكنه يستبعد أن تنفّذ روسيا تهديداتها المتعلقة بالسلاح النووي، وذلك بسبب تبعاته غير المحسوبة.

قد يهمك: أوكرانيا من الدفاع إلى الهجوم.. معركة فاصلة في الشتاء؟

ويقول النيفي، في حديث خاص مع “الحل نت“: “لا شك أن الاستفتاء الذي أجرته روسيا في المناطق الأوكرانية التي سيطرت عليها سيكون مصدر تعقيد آخر في أي عملية تفاوضية، لأن أي إقرار أو اعتراف من جانب أوكرانيا بشرعية تلك الانتخابات، إنما يعني إقرارا بمشروعية الغزو الروسي، فضلا عن أن إقرارا كهذا سيكون موضع رفض كبير من واشنطن والغرب عموما، باعتبار الغرب ينظر إلى أي تمدد روسي في أوكرانيا على أنه اختراق للاستراتيجية الغربية التي تهدف إلى إحكام حصار الناتو على روسيا جغرافيا وسياسيا. أضف إلى ذلك أن أي موافقة على هكذا استفتاء، إنما تعد رضوخا لمنطق البلطجة الروسية وفقا للتفكير الغربي“.

استبعاد الخيار النووي

ووفق رؤية النيفي، فإن التهديدات النووية التي أطلقتها روسيا، بعيدة التنفيذ لأسباب عديدة، أبرزها أن العالم لن يقف مكتوف الأيدي وبالتالي من المؤكد أنه سيكون هنالك رد أميركي، ما يجعل خيار السلاح النووي خيارا انتحاريا.

وحول ذلك يضيف: “على الرغم من التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي، إلّا أن ذلك مستبعد، لسببين، يتمثل الأول في إدراك بوتين جيدا، أن سلاح الردع النووي الأميركي ربما يكون أسبق من صواريخ بوتين النووية الهجومية، ولا أعتقد أن الروس سوف يقدمون على ذلك إلّا إذا أرادوا الانتحار فعلا“.

ومما سيمنع بوتين، من اللجوء إلى الخيار النووي، الاستراتيجية التي يتبعها الغرب في مواجهة روسيا، حيث تعتمد تلك الاستراتيجية على استنزاف تدريجي لروسيا وليس الإجهاز عليها، ويزيد النيفي بالقول: “ما يهدف إليه الأميركان ومن خلفهم أوروبا، هو إبقاء بوتين في المستنقع الأوكراني، ومن ثم جعله ينزف عسكريا واقتصاديا إلى أن يصل إلى مرحلة الإغماء، وربما راهنت واشنطن أيضا على أن وصول بوتين، إلى مرحلة الترهل بعد استنزاف طويل سيخلق عوامل سقوطه من داخل روسيا قبل خارجها، وربما اعتقدَ الغرب أن هذه الطريقة من المواجهة ربما لا تعطي بوتين الفرصة للمبادرة باستخدام السلاح النووي، لعدم وجود خطر داهم أو مباغت عليه“.

وبشأن تراجع الجيش الروسي أمام الضربات الأوكرانية مؤخرا، يعتقد النيفي، أنه جاء بالدرجة الأولى، بسبب السلاح النوعي الذي تلقاه الأوكرانيين مؤخرا، وذلك ضمن استراتيجية الغرب التي تهدف إلى الحفاظ على التوازن العسكري بين الطرفين، “فواشنطن تهدف إلى عدم تمكين الروس عسكريا في المعركة، كما تهدف في الوقت ذاته إلى عدم حصول هزيمة روسية مباغتة وماحقة لموسكو، وذلك حفاظا على خطة الاستنزاف التي تتبعها“.

ولا يبدو أن نتائج إيجابية يمكن تحقيقها من المفاوضات بين الجانبين، في المدى المنظور، لا سيما بعد أن أجرت موسكو استفتاءات في دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا، شرقي أوكرانيا، للتصويت للانضمام إلى موسكو.

في 27 أيلول/سبتمبر، أعلنت السلطات الموالية لموسكو في خيرسون تأييد 87.05 في المئة، من الناخبين للانضمام لروسيا، وصوّت في زابوريجيا 93.11 في المئة، من الناخبين لصالح الانضمام لروسيا، وأيد الناخبون في لوغانسك بنسبة 98.42 في المئة، فكرة الارتباط بموسكو، وهي نتائج لا تعترف بها أوكرانيا والغرب، بوصفها استفتاءات زائفة وغير قانونية.

في 23 سبتمبر، أشارت الخارجية الروسية إلى أن الولايات المتحدة غير قادرة على التفاوض، وتدفع كييف بالتعاون مع لندن لنقل العمليات العسكرية للأراضي الروسية.

جرت الاستفتاءات بإشراف السلطات التي عينتها موسكو، بعد سيطرتها على تلك المناطق، حيث أعلنت هذه السلطات، عن تنظيم هذه الاستفتاءات بشأن الانضمام إلى روسيا.

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور أيمن سلامة، أكد أن روسيا ضربت بعرض الحائط جميع مبادئ القانون الدولي، ومواثيق الأمم المتحدة، لا سيما باستخدام القوة المسلحة للاستيلاء على أراضي الغير.

وقال سلامة، في حديث سابق مع “الحل نت“: “من أهم مبادئ القانون الدولي، عدم جواز التهديد أو التلويح بالقوة المسلحة لتسوية النزاعات، عدم جواز استيلاء على أراضي الغير بالقوة المسلحة، لكن جريمة روسيا الأفظع هي العدوان“.

وتعليقا على الاستفتاءات الجارية في بعض المناطق بأوكرانيا أضاف سلامة: “الاستفتاءات لا تُجرى أثناء النزاعات المسلحة إطلاقا. طبعا إذا كان هناك تواجد عسكري روسي في هذه المناطق وهو تواجد مسلح، فهذا لا يستقيم مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية، بمطالبة روسيا بوقف الحرب وانسحاب كافة القوات، أيضا في البند الثالث لقرار محكمة العدل الدولية، هناك أمر لروسيا بعدم تقديم أي دعم للميليشيات المسلحة في الجمهوريتين الانفصاليتين في أوكرانيا“.

أشار سلامة، إلى أن الاستفتاء لن يعني لمعظم دول العالم شيء، لاسيما وأن معظم الدول أدانت العدوان الروسي على أوكرانيا، وبالتالي عمليات الانفصال لن تلقى أي اعتراف دولي.

تطورات عسكرية

وعلى مدار الأسابيع الماضية، شهدت خطوط التماس بين القوات الروسية والجيش الأوكراني، تطورات ملفتة، تمثلت باستعادة أوكرانيا لمبادرات الهجوم باتجاه المناطق التي سيطرت عليها روسيا، في إطار غزوها للأراضي الأوكرانية، ما يثير التساؤل حول نجاح أوكرانيا في تحقيق مزيد من خطوات استعادتها للمناطق التي غزتها روسيا منذ شباط/فبراير الماضي.

ويرى محللون، أن هذه الخطوة ستساهم في مضي أوروبا في دعم القوات الأوكرانية، في محاولة لاستنزاف روسيا على الصعيدين الاقتصادي والعسكري

مسؤولون أميركيون، أعلنوا عن حزمة أسلحة جديدة بقيمة 1,1 مليار دولار، ستعلن عنها واشنطن لأوكرانيا، في إطار برنامج “مبادرة المساعدة الأمنية لأوكرانيا“، الذي صادق عليه الكونغرس، ليتيح للإدارة الأميركية تزويد كييف بالأسلحة من الصّناع، وليس من الترسانات الأميركية.

وذكرت مصادر أميركية بحسب ما نقل موقع “سكاي نيوز عربية” الأربعاء، أن المساعدات ستشمل راجمات “هيمارس” وصواريخ لها، ومختلف الأنظمة المضادة للطائرات المسيرة والرادارات، وقطع غيار، وأجهزة دعم تقني وغير ذلك، تلبية لنداءات الرئيس الأوكراني المستمرة بتزويده بالأسلحة، لا سيما صواريخ هاربون المضادة للسفن، وأنظمة الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات “ناساماس“.

والمنظومة المذكورة، هي منظومة دفاع جوي الأكثر تطورا من بين جميع المنظومات التي يمكن أن تتسلمها أوكرانيا، وتأثيرها متوسط يصل إلى نحو 40-50 كيلومترا مع ارتفاع 15 كيلومترا.

تتميز هذه المنظومة بأن الرادار المرتبط بها منفصل عن منصة الإطلاق، لذلك عند كشفها سيتمكن العدو من تدمير منصة الإطلاق فقط.

لكن في المقابل يتخوف مراقبون لمراحل الغزو الروسي لأوكرانيا، من إقدام بوتين على التوجه للخيارات النووية، لاسيما مع تدهور الجيش الروسي، حيث أن التعبئة الجزئية الحالية للقوات المسلحة هي الخطوة الأولى في المرحلة الجديدة من الحرب الروسية في أوكرانيا. وقد تصل تدابير بوتين لكسب الحرب بأي ثمن، بحسب محللين غربيين، إلى استخدام أسلحة نووية، وقد تصل تهديداته إلى ما وراء أوكرانيا.

يقول لاشا تشانتوريدزي، مدير برامج الدراسات العليا في الدبلوماسية والعلاقات الدولية في جامعة نورويتش العسكرية الأميركية، إن لدى روسيا ثلاث خيارات لتنفيذ هجمات نووية، الأول، هو الهجوم الكهرومغناطيسي، وإذا لجأ الروس إلى هذا الخيار، سيفجرون رأسا نوويا عاليا فوق أوروبا أو أوكرانيا لتوليد نبضات كهرومغناطيسية، يمكن أن تقضي على معظم البنية التحتية الاقتصادية في أوروبا.

والثاني، هو الهجوم النووي التكتيكي، وإذا قررت روسيا إطلاق طلقات نووية تحذيرية تجاه أوروبا بهذه الصواريخ، فقد تطلق رأسا أو رأسين حربيين مستهدفين غابة أو منطقة ريفية. ردا على ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تنتقم، بشرط أن يكون لديها القدرة على الانتقام المتماثل في مكان ما في أوروبا.

أما الخيار الثالث، فهو الهجوم النووي السري، لم يتم تصنيف الطريقة الثالثة والأكثر خطورة لإيصال الرؤوس الحربية النووية التي يمتلكها الروس رسميا، ولكنها تمثل بشكل أساسي ضربة سرية. بادئ ذي بدء، فإن جميع أنظمة الصواريخ التي يزيد مداها عن 50 كيلومترا المصنعة في أواخر الحقبة السوفيتية وروسيا المعاصرة، قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، ويمكن للمدفعية بعيدة المدى إطلاق قذائف برؤوس نووية أيضا.

لكن بحسب تقرير تشانتوريدزي، فإن إقدام روسيا على واحد من هذه الخطوات سيجعل الرد قاسيا من قِبل “الناتو”، لا سيما وأن حلف شمال الأطلسي سيفقد كل مصداقيته إذا لم تدافع الولايات المتحدة عن أحد حلفائها في “الناتو” من مثل هذا الهجوم المدمر“.

اقرأ أيضا: هزائم بوتين تحيي شبح الضربة النووية في أوكرانيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة