حينما تدخل مؤسستي الشهداء والتقاعد في الأنبار (غرب العراق) لا تستغرب إذا ما تعثرت بمعاملة منجزة لعنصر سابق في تنظيم “داعش” الإرهابي، يتقاضى راتبا من خزينة العراق، ولا تتعجب إذا ما رأيت طوابير طويلة لذوي قتلى وجرحى يحاولون استحصال حقوقهم ومستحقات أبنائهم الذين قتلوا في معارك التحرير السابقة ضد التنظيم الإرهابي. فهؤلاء يُقتلون يوميا بفساد وابتزاز واضحين في هاتين الدائرتين، كما يصفون حالهم.

“الحل نت” رصد شهادات خاصة من المتضررين الساعين للحصول على رواتب تقاعدية لأبنائهم الجرحى أو الذين قتلوا في المعارك مع التنظيم في وقت سابق. يقول عبدالله الجغيفى، في حديثه لـ “الحل نت” بإن موظفين مسنودين في دائرة تقاعد الأنبار، يطلبون منه نسبة تصل إلى 70 بالمئة من الراتب التقاعدي لإنجاز معاملته، حيث طلب منه أن أحد موظفي الدائرة مبلغ 35 مليون دينار عراقي من أصل 60 مليون دينار، مقابل إنجاز معاملة التعويض الخاصة به، على الرغم من معرفته بمعاناته وحاجته الماسة للمبلغ، وفق تعبيره.

اقرأ أيضا:  أغلى مناطق محافظة الأنبار تتحول إلى “إقطاعيات” لمسؤوليها

بينما يقول حسام حسن (اسم مستعار) والد أحد ضحايا التنظيم في الأنبار، خلال حديثه لـ “الحل نت”، إن قلوبنا تعتصر ألما عندما نرى أسماء عناصر سابقين في تنظيم “داعش” ساهموا في قتل أبنائنا وتدمير منازلنا، تتصدر قوائم التعويضات المالية بل ويستلم بعضهم رواتبا شهرية أيضا، في حين يتكدس ذوي من ضحى بحياته أو أصيب بعاهة مستديمة لأجل تحرير العراق من دنس التنظيم، في طوابير طويلة لاستجداء مخصصاته وحقوقه.

عائلات القتلى والجرحى تتعرض لعمليات ابتزاز بوضح النهار في دائرة تقاعد الأنبار، على يد سماسرة ومعقبين وموظفين مسنودين من مدير دائرة التقاعد، وفقا لحديث المحامي المختص في دعاوى التعويضات، ومتابعة إجراءات استحصال حقوق ذوي القتلى والجرحى في دائرتي الشهداء والتقاعد في الأنبار، أنور العاني، لـ”الحل نت”، والذي أفاد أيضا بأنه لا يتم الترويج لأي معاملة تقاعدية، من دون أن يستحصل هؤلاء المتنفذون على نسبة من الراتب التقاعدي الخاص بالقتيل أو الجريح.

“المستور” أطاح بالغنام بعد كشفه!

بتاريخ 14 من نيسان/أبريل عام 2021 كلّف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قائد عمليات الأنبار السابق الفريق الركن ناصر الغنام، برئاسة لجنة تحقيقية لتدقيق معاملات مؤسسة الشهداء ودائرة التقاعد في الأنبار، ليخرج الغنام بعدها بشهرين في مؤتمر صحفي، مؤكدا أن التحقيقات الأولية قد كشفت عن استلام 363 شخصا مطلوبا للقضاء بتهمة الإرهاب أو مقتولين رواتب تقاعدية من مؤسسة الشهداء في المحافظة بعد تدقيق نحو 5 آلاف معاملة، مؤكدا رفعه تقرير إلى مكتب رئيس الوزراء بهذا الشأن.

عدد الملفات التي تدقق فيها اللجنة يقارب 55 ألف ملف ومعاملة، بحسب الغنام، أنجز منها 4 آلاف و509 معاملة، إضافة إلى 980 معاملة أخرى وردت من وكالات أمنية أو مواطنين، كما تم العثور على 363 معاملة لإرهابيين تم منحهم حقوق تقاعدية ورواتب ومخصصات بينهم أشخاص صادرة بحقهم مذكرات قبض، وبعضهم وردت بشأنهم معلومات استخبارية تثبت تورطهم بتجاوزات في الأنبار.

معلومات وردت من الشارع الأنباري تخص أسماء مسؤولين بدرجات وظيفية عالية، سواء من عوائل القيادات الأمنية أو الموظفين الحكوميين، وفق الغنام، قد ثبت بأن لديها معاملات غير صحيحة، وبالتالي سنرفع تقريرنا إلى مكتب القائد العام للقوات المسلحة وهناك سيتم اتخاذ القرار المناسب.

 مصادر مطلعة على نتائج اللجنة التحقيقية بقيادة الفريق الركن الغنام، كشفت لـ “الحل نت”، أن اللجنة استطاعت تدقيق 14 ألف ملف تبين وجود تزوير في 50 بالمئة من المعاملات أي بنحو 7 آلاف معاملة، حيث أن التزوير شمل إصدار شهادات وفاة مزورة، والتلاعب بنسب العجز بالتواطؤ مع دائرة صحة الأنبار، فضلا عن تضمين انتحاريين وآخرين إرهابيين ومطلوبين بتهم إرهابية في قوائم المشمولين بالتعويضات.

بعد التدقيق تبين صرف مبلغ يتراوح بين 60 إلى 100 مليون دينار دفعة واحدة لكل معاملة بعد إنجازها، بناء على تحديد أسباب الشمول ونسب العجز، بحسب ذات المصادر، وأن راتبا شهريا يصرف أيضا للمشمولين يتراوح بين 800 ألف دينار إلى مليون دينار.

اللجنة سلّمت تقريرها الأولي إلى رئاسة الوزراء، ليتوقف عملها بشكل مفاجئ، فيما نُقل الغنام من منصبه قائدا لعمليات الأنبار إلى بغداد بضغوطات من مسؤول كبير في الأنبار، وفق المصادر.

هدر مالي واعتقال مسؤولين بالأنبار

هيئة النزاهة الاتحادية نفذت بدورها سلسلة من عمليات ضبط، أسفرت عن إيقاف هدر بالمال العام بلغ أكثر من 22 مليار دينار في هيئة التقاعد الوطنيـة – فرع الأنبار.

 دائرة التحقيقات في الهيئة، ذكرت في بيان لها في حزيران/يونيو 2021، أن الفريق الميداني الخاص بمتابعة الدوائر التابعة لوزارة المالية في المحافظة، قام بالانتقال إلى هيئة التقاعد الوطنية – فرع الأنبار- ملاحظية تقاعد الفلوجة، وتمكن من ضبط حالات تلاعب وتزوير في 112 معاملة تقاعديـة مزورة في الأنبار.

بعد تدقيق 145 معاملة قتيل ومصاب من حيث قرار اللجنة الفرعية، ومستمسكات المصابين وصحة صدور التقارير الطبية مع الدوائر المعنية، تم إيقاف هدر بالمال العام بمبلغ 10,200,000,000 مليارات دينار، كانت ستصرف كفروقات ورواتب للمعاملات المزوَرة.

هيئة النزاهة أعلنت في تموز/يوليو 2020 عن إحباط محاولة لتمرير معاملة صرف مبلغ تعويض وراتب تقاعدي لأحد عناصر “داعش”، وضبط الأوليات الخاصة بالمعاملة، فيما كشفت في منتصف كانون الأول/ ديسمبر من العام ذاته عن تمكّنها من إيقاف هدر 9,000,000,000 مليارات دينار من المال العام، وضبط عشرات المعاملات المزوَرة في دائرة تقاعد الأنبار، خاصة بالقتلى والمصابين، وضبطت في شباط/فبراير 32 معاملة تقاعدية مزوَرة، لتوقف هدرا بالمال العام قدره 3,270,000,000 مليارات دينار.

في تموز/يوليو 2021، كشفت هيئة النزاهة عن تنفيذ سلسلة من عمليات الضبط منعت بموجبها هدر أكثر من ملياري دينار عبر ضبط 17 معاملة بأوليات مزورة.

بناء على مذكرة ضبط قضائية، نفذت هيئة النزاهة في آب/أغسطس 2021، عملية ضبط مسؤول قسم ضحايا الإرهاب في ملاحظيَّة تقاعد الفلوجة، لترويجه معاملات خلافا للقانون، حيث قام المتهم بترويج معاملات مزوَرة وصرف رواتب تقاعدية لأصحاب تلك المعاملات، إذ تم خلال العملية ضبط الأوليات التي تؤيد قيامه بإدخال معاملات وهمية إلى الملاحظية بصورة مخالفة للضوابط المتبعة، وصرف رواتب بموجبها، بصورة مخالفة للقانون. 

في الوقت الذي تتراكم فيه ملفات الفساد مع أضابير المعاملات على رفوف دائرة تقاعد الأنبار، يرى مراقبون أنباريون أن التحرك الحكومي “خجول” ولا يرتقي إلى حجم الفساد والابتزاز المستشري في الدائرة، داعين إلى ضرورة التحرك سريعا ضد من وصفوهم بـ “ثلة فاسدة” مدعومة سياسيا، تنهب تخصيصات القتلى  والجرحى وتزاحم عائلاتهم على استحقاقاتهم المكفولة قانونا.

قد يهمك: العراق.. ملفات “فساد” تطال وزراء حاليين وآخرين في حكومة عبدالمهدي

هذا وحاول “الحل نت” الحصول على تعليق من الحكومة المحلية في الأنبار، إلا أنها أحالت الأمر إلى هيئة التقاعد الوطنية في بغداد، بصفتها المسؤولة عن تدقيق الأسماء والإيعاز بإنجاز المعاملات التقاعدية والتعويضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.