استهداف البنية التحتية ومراكز الخدمات، هي السياسة العسكرية التي لجأت إليها روسيا مؤخرا، للتغطية على خسارة مجموعات جيشها في العديد من المناطق والقطاعات الأوكرانية، لا سيما في المناطق الأربعة التي أعلنت ضمّها قبل أسابيع.

الجيش الروسي في مأزق

الجيش الروسي بدا فعلا بحسب المعلومات الواردة من المناطق التي تشهد تصاعدا في حدة المواجهات العسكرية، في مأزق حقيقي قد يحول مسار المعركة بأكملها، خصوصا وأن مراقبين للوضع العسكرية أكدوا أن مسألة خسارة الجيش الروسي لمنطقة خيرسون (واحدة من المناطق الأربعة التي ضمتها روسيا) هي مسألة وقت.

القيادة الأوكرانية اتهمت روسيا، بزرع ألغام في سد لتوليد الطاقة الكهرومائية، قرب منطقة خيرسون جنوبي البلاد، مشيرة إلى أن روسيا تسعى للتسبب بـ“كارثة” في هذه المنطقة، تزامنا مع بدء القوات الروسية إخلائها في مواجهة هجوم عنيف من كييف.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قال أمام مجلس الاتحاد الأوروبي الخميس إن، “روسيا تمهّد عمدا الأرضية لكارثة واسعة في جنوب أوكرانيا“.

كذلك أضاف في تصريحات نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية، أن القوات الروسية “قامت بتلغيم السد ووحدات محطة كاخوفكا لتوليد الطاقة الكهرومائية“، التي تُعدّ من أكبر المنشآت من هذا النوع في أوكرانيا، موضحاً أنه إذا انفجر فستصبح “أكثر من ثمانين بلدة، بما فيها خيرسون، في منطقة فيضانات سريعة“.

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، يرى أن الجيش الروسي، دخل في مأزق حقيقي خلال الفترة الماضية، وذلك بالنظر لهشاشة الدفاعات التي أنشأها في المناطق التي سيطر عليها، مشيرا إلى أن هناك مؤشرات عديدة ظهرت على ضعف الدفاعات الروسية، خاصة مع استعادة أوكرانيا لزمام المبادرة وبدء الهجمات.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

معراوي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “بعد خطوة الجيش الروسي في أيلول/سبتمبر الفائت، بإعلان حالة التعبئة الجزئية بسبب الهزائم التي مُني بها في قطاع خاركيف، ومن بعدها منطقة ليمان، بات واضحا هشاشة الخطوط الدفاعية التي بناها الجيش الروسي وعدم تمكنه من الحفاظ على ما احتله من الأراضي الأوكرانية“.

معراوي يعتقد أن القرار الأوكراني الآن، هو استعادة أقصى ما يمكن من المناطق التي أعلنت روسيا ضمها، وذلك لأن تثبيت سيطرة القوات الروسية على هذه المناطق، سيزيد من احتمالية استعمال روسيا للسلاح النووي، لأن العقيدة النووية الروسية تبيح استعمال السلاح النووي، في حال الهجوم على أرض روسية.

بعد تقدم القوات الأوكرانية خلال الأيام الماضية، لاستعادة خيرسون، أعلنت السلطات الروسية الأحكام العرفية في المنطقة، وهي أشد من حال الطوارئ، ما جعل القوات الروسية في حالة تخبط، وبدأت باستهداف البنى التحتية ومحطات توليد الكهرباء للضغط على كييف.

تغطية على فشل عسكري

حول ذلك أضاف معراوي، “ردا على تفجير جسر كيرتش في جزيرة القرم، لجأت القوات الروسية إلى سلاح الردع عن بعد، خوفا من تكرار الأوكران لمثل تلك الاعمال، وقاموا بقصف منشآت للبنية التحتية المدنية حصرا، بهدف تشكيل لوبي ضاغط على القيادة الأوكرانية، وتم إخراج ثلث محطات الكهرباء في البلاد عن الخدمة“.

استمرار هزائم الجيش الروسي، تحت ضغط ضربات القوات الأوكرانية المدعوم من الغرب، سيزيد من احتمالية قصف الجيش الروسي لمحطات توليد أخرى ومؤسسات البنى التحتية، وفق رأي معراوي، لكن محطة خيرسون التي اتهمت أوكرانيا الجيش الروسي بتفخيخها، من المستبعد أن تلجأ روسيا لاستهدافها، وذلك لأنها المحطة الوحيدة التي تزود سكان القرم، بالمياه الصالحة للشرب، وقد كانت من أوائل أهداف الحملة الروسية، ويُعتبر تعطيلها ضربة ثالثة لجهود بوتين باستمرار الاحتفاظ بالقرم.

وبالنظر إلى كثافة الهجمات الأوكرانية مؤخرا لاستعادة المناطق التي تقدمت إليها روسيا، يبدو أن القرار الرسمي والشعبي الأوكراني، هو إخراج القوات الروسية من بعض المناطق، مهما كان الثمن.

ضمن هذا المحور أوضح معراوي، “مهاجمة روسيا للأهداف الأوكرانية وبعض الصواريخ التي أُطلقت على كييف وغيرها، مصدرها من قواعد روسية ببحر قزوين، وهذا يدل على ضعف هائل روسي في تحقيق أي تقدم على الأرض بل حتى الدفاع عن ما تم احتلاله رغم تغيير قائد العملية عدة مرات ورفد الجبهات بقوى بشرية من الاحتياط”

معراوي ختم حديثه بالقول، “القرار الغربي هو التصعيد والمواجهة، والدعم بتقنيات تتطلبها المعركة العسكرية، فالفرنسيون أرسلوا أو سيرسلون قريبا درة انتاجهم العسكري، مدافع عملاقة مداها 43 كم وتغطي مساحة 600 كم مربع وذاتية الحركة وتتمتع بدقة إصابة عالية، أميركا كذلك لا توفّر أي جهود بإرسال ما يناسب من معدات ودعم لوجستي ومالي، وقريبا وعدت بإرسال منظومات دفاع جوي، ولن يقبل الغرب بخسارة عسكرية مبكرة للجيش الروسي في أوكرانيا قبل تحويله لمستنقع استنزاف اقتصادي وبشري وأخلاقي واجتماعي، على أمل صعود غورباتشوف روسي بدلا عن بوتين، يعيد تصحيح الأحوال في روسيا، ويحاول وصل ما انقطع مع الغرب“.

منذ صباح الجمعة تصاعدت وتيرة المواجهات العسكرية والقصف على خيرسون، حيث أكد نائب الحاكم الإقليمي الذي عيّنته موسكو كيريل ستريموسوف، اليوم الجمعة، أن أربعة أشخاص قتلوا عندما سقطت قذيفة صاروخية على معبر للعبارات في مدينة خيرسون الأوكرانية الخاضعة لسيطرة روسيا، في ساعة متأخرة من مساء الخميس.

وذكرت السلطات في المنطقة التي أعلنت روسيا ضمها الشهر الماضي، هذا الأسبوع أنها تخطط لإجلاء ما بين 50 و60 ألف شخص خلال الأيام الستة المقبلة، وسط تصاعد الضغوط من هجوم مضاد أوكراني.

الدعم الغربي نقطة تحول

مع احتدام المعارك في أوكرانيا بين القوات الروسية والجيش الأوكراني، كان للدعم الغربي دورا واضحا، في تفوق أوكرانيا برّيا ما ساهم في تراجع القوات الروسية في العديد من المناطق، إلا أن الهجمات الصاروخية الروسية الاخيرة، أظهرت ربما ضعف في منظومة الدفاع الجوية لأوكرانيا، فكيف ساهم الدعم الغربي في قلب موازين القوى على أرض المعركة.

يمكن القول إن الهجمات الصاروخية الانتقامية التي نفذتها روسيا مؤخرا على العديد من المناطق الأوكرانية بينها العاصمة كييف، رسمت معالم مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية في أوكرانيا، إذ ربما تشكل هذه الهجمات ضغطا إضافيا على حلفاء أوكرانيا لتقديم الدعم العسكري اللازم لمواجهة هجمات مماثلة في المستقبل.

منذ بدء الدعم الغربي بكثافة للجيش الأوكراني، كان واضحا التفوق العسكري للقوات الأوكرانية في بعض المناطق، فكان للدعم الاستخباراتي دورا مهما في استهداف النقاط العسكرية الروسية، ما شلّ حركة الجنود الروس ومنع عنهم الإمدادات، ذلك ما اعترفت به القيادة الروسية نفسها.

كما ساهم هذا الدعم باستعادة أوكرانيا للعديد من المناطق التي استولت عليها روسيا، وتحول الجيش الأوكراني من حالة الدفاع إلى الهجوم، ووفقا لتقرير “معهد دراسة الحرب” ومقره واشنطن، فإن الجيش الأوكراني، استعاد منذ بدء الهجوم المضاد شرقي البلاد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، مناطق واسعة وهي أكثر مما استولى عليه الروس في جميع عملياتهم منذ نيسان/أبريل الماضي.

لكن نقطة الضعف في المواجهة العسكري حاليا، هي منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية، إذ تستخدم الآن كييف، مزيج من أنظمة الدفاع الجوي المتوافرة لديها، ضد سلاح الجو الروسي، وهي خليط من أنظمة قديمة طويلة المدى سوفييتية الأصل مثل نظام إس 300، الذي ورثته كييف عن الاتحاد السوفييتي، أو تلك التي قدمها أعضاء بـ “الناتو” كانوا جزءا من الكتلة الشرقية.

قد يهمك: ما هي حدود مساهمة الجزائر في مواجهة أزمة الطاقة في أوروبا؟

ضابط الاتصال السابق في حلف “الناتو” الدكتور أيمن سلامة، يرى أن الصراع المسلح الذي يجري في أوكرانيا، يمثل نقطة تحول تاريخية للأمن الأوروبي، بالتالي فإن أوروبا مهتمة بدعم أوكرانيا على كافة الأصعدة في هذه المرحلة، مشيرا إلى أن روسيا فشلت في إملاء شروطها على أوكرانيا والغرب، نتيجة الفشل بإحداث نصر عسكري سريع كما كان يخطط له بوتين.

سلامة قال في حديث سابق مع “الحل نت“، “هذا الصراع المسلح الآن يمثل نقطة تحول تاريخية للأمن الأوروبي، وتحديدا للدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو المتاخمة للحدود الروسية ومنها مثلا بولندا“.

إخفاق روسي

روسيا أخفقت منذ بدء غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، عن طريق استخدام القبضة العسكرية الخشنة والمكثفة، في إملاء شروطها، فلم تنجح حسابات المعركة التي حسبها بوتين، على ما حصل في الميدان، لا سيما بعد أن باغت الأوكرانيون الجيش الروسي، وشنوا هجمات معاكسة خلال الأسابيع الماضية، ما عقد من حسابات القيادة الروسية.

تسعى روسيا من خلال غزو أوكرانيا وفق سلامة، إلى إعادة الهندسة الأمنية في أوروبا، حيث تريد روسيا تطويع وإعادة هيكلة هندسة الأمن الأوروبي، بما يحقق مصالحها التي تتبنى نظرية المجال الحيوي، وهي النظرية التي أسدلت عليها ستائر النسيان في القانون الدولي.

فيما يخص أهمية استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا، لتحقيق التوازن العسكري في أرض المعركة، يعتقد سلامة، أن الضربات الصاروخية الأخيرة من قِبل موسكو، ستزيد الضغط بالتأكيد على حلفاء أوكرانيا الغربيين، لا سيما بعد أن شملت الضربات المرافق الحيوية ومواقع في كييف وغيرها من المدن.

حول ذلك أضاف “الهجمات الروسية الأخيرة، أظهرت وكشفت، هشاشة في النظام الدفاعي الجوي الأوكراني، الغرب سيتجه بالتأكيد لحل هذه الثغرة، لكنهم ربما يواجهون مشكلة، في مدى قدرة الضباط الأوكران على التأقلم مع الأنظمة الغربية، المسألة تحتاج بعض الوقت، لا يزال القادة والضباط بأوكرانيا في معظم الأحوال يتبنون عقيدة القتال السوفييتية الشرقية كما الحال في بعض الدول العربية، لذلك مسألة تطويع هذه القيادات وخبراء الدفاع الجوي الأوكراني على هذه الوسائل الغربية، مسألة تأخذ وقت، رغم استقدام دول أوروبية في حلف الناتو، ضباط أوكران لتدريبهم على أنواع الأسلحة المختلفة وأنظمة الدفاع الجوي الغربية“.

يبدو أن الأسابيع القليلة القادمة، ستشهد تحولات في مسار المواجهات العسكرية، تزامنا مع ترقب الجميع حول ردود فعل القيادة الروسية، بعد خسارتها الرهان على تحقيق نصر سريع في أوكرانيا، بالتوازي مع مخاوف لجوء بوتين، للتهديد مجددا بالخيار النووي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة