“حتى البالَة تضرب بالعالي”. هذه الجملة تتردد كثيرا منذ منتصف الشهر الجاري في العراق من قِبل أولياء طلبة المدارس، بسبب الغلاء الكبير لأسعار الملابس المدرسية.

“عندي 4 وليدات وبنيّات بالمدرسة هاي السنة، ولحد هسه ما مشتريلهم هدوم يلبسوها بالمدرسة”، هكذا يقول عباس مطر، مواطن من العاصمة العراقية بغداد لـ “الحل نت”.

في 15 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، انطلق العام الدراسي الجديد للمدارس في العراق، وهو أول عام تكون فيه الدراسة بشكل كامل وعلى امتداد كل أيام الأسبوع، منذ “انتفاضة تشرين” في 2019، ثم جائحة “كورونا” في 2020.

12 مليون طالب

“لحد هسه ولدي وبناتي يرحون للمدرسة بملابس العام. وحدة من بنيّاتي تبچي لأن صديقاتها يلبسن أكشَخ الملابس وهي ما عدها مثلهن. ليلية ألوم بروحي بس شسوي”، يقول مطر.

مطر رجل متقاعد، ويعمل في إحدى مقاهي بغداد الشعبية بأجر يومي زهيد، وراتبه التقاعدي بائس نوعا ما، ويستلمه كل شهرين. كل ذلك يثقل من كاهله في توفير الملابس المدرسية الجيدة لأولاده وبناته.

عدد الطلبة الكلي الملتحقين بالصفوف الدراسية، بلغ أكثر من 12 مليون طالب لهذا العام، في حين بلغ عدد طلبة الصف الأول الابتدائي أكثر من مليون و200 ألف تلميذ، حسب وزارة التربية العراقية.

يقابل عدد الطلبة الملتحقين بالمدارس، رقم ليس بالقليل ممن انقطعوا عن الدراسة في العراق، فبحسب أحدث تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، صدر نهاية العام الماضي، يوجد 3.2 ملايين طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس.

أسعار الملابس المدرسية ارتفعت منذ منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، إذ بلغ سعر القميص الواحد 25 ألف دينار عراقي، أي 20 دولارا، فيما يبلغ سعر البنطلون الواحد 35 ألف دينار، ما يقارب 28 دولارا.

تبرير التجّار

بالنسبة إلى مطر، يحتاج كل طفل من أولاده وبناته الأربعة إلى لبستين على الأقل، وهذا يعني توفير مبلغ قدره نصف مليون دينار عراقي، وهو مبلغ يعادل راتبه التقاعدي الذي يستلمه كل شهرين.

أصحاب المحلات التجارية في شارع الرشيد و”سوق الشورجة” ببغداد، يبررون ارتفاع أسعار الملابس المدرسية، بأن سعر الجملة للملابس التي يستوردونها من الخارج مرتفع من الأساس.

“القميص الواحد نستورده بـ 18 دولار. والبنطلون نجيبه بـ 26 دولار. يعني ما نربح على كل قطعة نبيعها غير بس دولارين. صح الوضع المعيشي تعبان عند الناس، بس إحنا هم على باب الله”، يقول ليث جعفر، صاحب محل تجاري خاص بالملابس في بغداد.

الظروف الاقتصادية الصعبة التي تطرق لها جعفر، تتضح أكثر من خلال نسبة مَن هم تحت خط الفقر، فبحسب آخر إحصائية أوردتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في شهر آب/أغسطس الماضي، هناك 9 ملايين مواطن أي نحو ربع عدد سكان العراق البالغ عددهم 41 مليونا، تحت مستوى خط الفقر.

“حتى البالَة تضرب بالعالي. ماكو أي فرق بينها وبين المحلات. شي بسيط كلش وما إله قيمة”، يقول مطر، ويردف أن سعر القميص الواحد في سوق البالة يبلغ 23 ألف دينار عراقي، أي أقل بألفي دينار فقط عن سعر القميص الجديد في المحلات التجارية.

بطالة وأوضاع معيشية صعبة

سوق البالة تنتشر بشكل كبير في العراق. تتوفر في سوق البالة كل أنواع الملابس المستخدمة (الملبوسَة) بسعر أقل من الملابس الجديدة التي تُباع في المحلات التجارية، لكنها في آخر عام باتت لا تقل أسعارها شأنا عن أسعار أصحاب المحلات التجارية.

مطر يشكو من عدم مراعاة أصحاب المحلات الخاصة بالملابس المدرسية إضافة إلى أصحاب سوق البالَة، الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي بالنسبة له وللكثير من العراقيين ممن هم ينفس حالته المادية، لا سيما وأن الكثير منهم يعانون من البطالة ومن دون عمل.

نسبة البطالة في العراق، تبلغ 16.5بالمئة، وفق آخر إحصائية نشرتها وزارة التخطيط العراقية في شهر تموز/يوليو الماضي، وهي نسبة كبيرة بالنسبة لدولة مثل العراق، هي الثانية من حيث الإنتاج النفطي في منظمة “أوبك”، والرابعة في الاحتياطي النفطي العالمي.

“جاي أفكر أدخل بسلفة أم النص مليون حتى أگدر أشتري ملابس المدرسة لولدي وبناتي. صح تسديد السلفة ياخذ وقت وتدفع لمدة سنة كل راس شهر، بس ماكو غير هذا الحل بيدي”، يقول مطر.

في النهاية، يسفر ارتفاع أسعار الملابس المدرسية عن مشاكل جمّة للعوائل ذات الدخل المحدود، حتى أن بعضها تضطر إلى عدم إرسال أطفالها إلى المدارس، الأمر الذي يتسبب بكارثة مستقبلية، تتمثل بارتفاع الأميّة في العراق. يحدث هذا والحكومة لا تأبه لكل ما يجري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.