لا يزال الموقف السعودي-الخليجي تجاه الحراك الشعبي الإيراني ملتبسا وغامضا، في ظل تصاعد حالة الاحتجاجات والمظاهرات في مختلف المناطق في إيران، حيث أنّ التردد هو سيد الموقف الأمر الذي يعطي مؤشرا على نية جدية لدى واشنطن، لدعم الانتفاضة الإيرانية في حال تصلب عودها. 

على الرغم من أنّ كلا من السعودية والإمارات والعديد من دول الخليج متضررة من توسع المشروع الإيراني في المنطقة، إلا أنّ الإشكالية تتمثل في كيفية الاصطفاف مع الثورة الحاصلة في إيران، ومساندتها إن صح تسميتها بثورة أو اعتصامات متفرقة هنا وهناك، والتي تتطلب دعما لوجستيا من حيث الغذاء والمشرب والتنظيم والاتصالات، وتوفير الإنترنت الذي من الممكن أن يكون من خلال الأقمار الصناعية من خارج إيران.

اقرأ أيضا: احتجاجات في “الأحواز” ضد السياسة المائية لطهران

كل هذه الخطوات من الممكن أن تقوم بها السعودية والإمارات بشكل استخباري وغير معلن بحسب ما يؤكدّ عليه رئيس مؤسسة “المستقبل” في واشنطن انتفاض قنبر، في حديثه لـ”الحل نت”، مشددا على أنّ كل الدول في العالم، وخاصة دول الخليج العربي والدول العربية متوجسة في الوقت الحالي من الوقوف واتخاذ مواقف متشددة ضد إيران، بسبب الموقف الأميركي الضعيف تجاه طهران، وسبب الموقف الأميركي أنّ “الحزب الديموقراطي وإدارة بايدن الحالية، جاءت عبر ترويجها المتكرر قبل وصولها للبيت الأبيض، أنّها ستصل إلى اتفاق نووي مع إيران”، وفق تعبيره.

لذلك من أجل دوافع حزبية وإيدلوجية ودوافع داخلية وانتخابية، تسعى إدارة بايدن بكل الأثمان أن تعقد اتفاق نووي مع إيران، حيث يرى قنبر، بأنّ واشنطن لا تريد أن تزعج إيران في دعمها للاحتجاجات، وهذا ما يفسر عدم وجود أي تأييد حقيقي وواسع ومعلن من الولايات المتحدة الأميركية تجاه الاعتصامات الحاصلة في إيران.

 في معرض حديثه عن الدعم الدولي والإقليمي للأحداث يقول قنبر، “للأسف لربما التوقيت ليس مناسبا الآن، لكن الشعوب لا تنتظر توقيت لتثور، ولكن سياسيا اليوم المنطقة كلها متوجسة، بسبب ضعف الموقف الأميركي، والذي يؤدي إلى ضعف الموقف العالمي والدولي وخاصة العربي والخليجي تجاه إيران وإلى نوع من الحذر، لأنّ إيران إذا قامت بأي فعل عدائي كبير اليوم ضد أي من هذه الدول، فإنّ أميركا من المحتمل أنّها لن ترد”.

الحزب الديموقراطي لن يصوت عل أي قرار في الكونغرس الأميركي، بحسب قنبر، وهو حزب الأغلبية ضد الحكومة الإيرانية، في ظل تصاعد موجة التظاهرات في البلاد، حيث أن الجمهوريين قاموا مؤخرا بطرح قرار لفرض عقوبات ضد إيران في الكونغرس، لكن لم يصادق على هذا القرار أي من الأعضاء الديموقراطيين في الكونغرس من الحزب الديموقراطي، وهذا يؤكدّ  أنّ إدارة بايدن لا تريد أي تصادم مع إيران في هذا التوقيت، وتسعى بكل السبل احتواء أي أزمة للخروج باتفاق نووي، خاصة وأنّ الديموقراطيين يعانون من تراجع كبير محتمل في هذه الانتخابات التي ستحصل بعد عدة أيام.

الإدارة الأميركية الحالية تستطيع دعم المتظاهرين الإيرانيين بخدمة الإنترنت القائمة على الأقمار الصناعية كما فعلت في أوكرانيا، التي من شأنها أن تساعد الإيرانيين على التحايل على القيود التي تفرضها السلطات على الشبكة العنكبوتية، لإخماد الاحتجاجات التي انطلقت في منتصف الشهر الماضي عقب وفاة الشابة مهسا أميني، أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق، بحسب قنبر.

البيت الأبيض كان قد أجرى مؤخرا محادثات مع الرئيس التنفيذي لشركة “سبيس إكس” الملياردير الأميركي إيلون ماسك، حول تقديم خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية من “ستارلينك” في إيران، وذلك بهدف مساعدة الإيرانيين في التغلب على القيود التي يفرضها النظام على استخدام الإنترنت ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي مع استمرار الاحتجاجات.

حيث يشدد قنبر على أنّ الإدارة الأميركية بجرة قلم تستطيع إعطاء الضوء الأخضر لأيلون ماسك، لتزويد المعتصمين والثوار في إيران بالإنترنت، إلا أنّها لا تبدي الجدية الكافية حيال مثل هذا الأمر، يقول قنبر، وهذا يختصر الموقف الأميركي وضعفه الذي يؤدي إلى ضعف الموقف السعودي والخليجي في المنطقة تجاه ما يجري في إيران.

لذلك يعتقد قنبر أنّ الثورة الشعبية الإيرانية تبقى مرهونة على عاتق الثائرين والمعتصمين، وإلى أي مدى يستطيعون الصمود، معتبرا بأنّ تلك الاعتصامات الصغيرة المتناثرة التي تحصل هو تكتيك ضروري ضد هجمة النظام الإيراني التي تستطيع قمع أي مظاهرة ضخمة، بخلاف المظاهرات والاعتصامات الصغيرة التي تجري هنا وهناك التي قد تسبب ضجة إعلامية.

بدوره يؤكدّ أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك عبد العزيز وحيد حمزة هاشم، في حديث خاص لـ”الحل نت”، أنّه لم يسمع عن أي تصريح سياسي رسمي من أي مصدر مسؤول عن دعم السعودية للاحتجاجات في إيران، لكن الدول الخليجية والكثير من الدول العربية يهمها تغيير النظام الحاكم في إيران (نظام الملالي)، لنظام سياسي مستقر يهمه استقرار المنطقة العربية ومن ثم ّالإسلامية، والكف عن التدخل في شؤون الدول العربية، خاصة في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

 إيران تعتبر العامل الرئيسي في معظم مشاكل المنطقة منذ الثورة الإيرانية عام 1979.، وفق هاشم، لذا يجب على جميع الدول العربية دعم الاحتجاجات والتمهيد لثورة شعبية مضادة لملالي إيران. لكنّ هاشم يذهب إلى رؤية مغايرة لما ذهب إليه المحلل السياسي انتفاض قنبر، حول دعم الإدارة الأميركية للاحتجاجات في إيران، حيث يقول بإن إدارة بايدن أدانت استخدام العنف ضد المتظاهرين، كما أنّ الدول الأوروبية على وشك أن تضع “الحرس الثوري” في قائمة الإرهاب.

مسألة الصراع الحالي في إيران بحسب هاشم، هي مسألة طبيعية لأنّ الثورات دائما تكون بين فريقين متضادين وهذا ما حدث في ثورة 1979، مشددا على أنّ الصراع الدائر هو بين الحرس القديم “الملالي” والجيل الشاب الذي ينشد الحرية.

صراعات داخلية

ما يجري من المظاهرات والاحتجاجات الأخيرة التي عمّت بعض المدن الإيرانية والمناطق الكردية، يراه بعض المراقبون والمحللون على أنّه مجرد صراع بين أجنحة النظام الإيراني، الذي كان أحد أسباب ودوافع بدء شرارة وحالة الغضب الشعبي في إيران.

هذه الرؤية يؤكدّ عليها رئيس اللجنة التنفيذية لإعادة شرعية دولة الأحواز الدكتور عارف الكعبي، والذي جاء في تعليقه لـ”الحل نت” حول تلك الأحداث، “نحن عبّرنا عن رأينا فيها في اليوم الأول لهذه الاحتجاجات، والتي نعتقد بأنّ الصراع بين أجنحة النظام كان أحد أسباب ودوافع بدء أو انفلات، وليس توقيت هذه الاحتجاجات” بحسب تعبيره.

جناح الملالي الأصولي المتشدد (المحافظين أو الصقور) الذي يشمل خامنئي و”الحرس الثوري” و”الباسيج” وشرطة الأخلاق، هو الذي قتل مهسا أميني، وفق الكعبي، وجناح الملالي الإصلاحي (الحمائم) هو الذي أستغل هذه الحادثة، واقتنصها وغذّاها لضرب الجناح المتشدد، حيث أن كلا الجناحين جزء لايتجزّأ من نظام ولاية الفقيه، هذا بالإضافة للجناح الثالث وهو جناح القوميين الفرس، الذي يشارك بالحكم الذي لديه بعض الاختلاف عن جناحي ولاية الفقيه، لكن على غير توقعات هذه الأجنحة تطورت وتصاعدت الاحتجاجات الشعبية وفقدت كل هذه الأجنحة السيطرة عليها.

بعدها دخلت المعارضة الإيرانية في الخارج بشقيها الملكي و”مجاهدي خلق”، لتحريك ولدعم مؤيديهما في الداخل للمشاركة بالاحتجاجات واستثمارها، وبعدما ركب زعماء المعارضة الإيرانية في الخارج موجة هذه الاحتجاجات، وبالتحديد نجل الشاه الإيراني البهلوي والسيدة مريم رجوي رئيسة منظمة “مجاهدي خلق”، حيث أعلن كل واحد منهما بعد بدء المظاهرات بأيام، عن تشكيل حكومة منفى في الخارج، وأصدروا بياناتهم الواضحة والشفافة للقاصي والداني، بأنّ نظام الحكم في إيران سيكون نظام حكم شمولي، وسيُدار من طهران وسيعوّل على “الحرس الثوري” للمحافظة على الأمن القومي الإيراني واستتباب الأمن.

المعارضة التي أطلق عليها الكعبي مسمى “الفارسية”، استطاعت إقناع بعض من أفراد الشعوب غير الفارسية الانضمام للاحتجاجات في بعض شوارع مدنهم، وأيضا كانت المعارضة “الفارسية” واضحَة، وأكّدت بأنّ جغرافية إيران لن تُمس، ورفضوا رفضا باتا أي تفاوض مع الشعوب غير الفارسية التي تكون جغرافية إيران الحالية حول حقوقهم القومية.

بالتالي فإنّ المعارضة الإيرانية “الفارسية” نفسها بحسب ما يكشف عنه الكعبي، هي مَن قطع الطريق على جميع القوميات الغير فارسية في مشاركة المنتفضين والمحتجين تجاه إسقاط نظام الحكم في طهران، وبالتالي فالشعب الأحوازي لم يشارك بهذه الاحتجاجات، لأنّه يرى بأنّ هذه الاحتجاجات لن تؤدي الى إسقاط النظام لتأتي بنظام آخر يعترف بحقوق الأحوازيين، إضافة إلى ذلك فإنّ الاحتجاجات لا تراعي الحد الأدنى لحقوق الشعب الأحوازي.

على هذا الأساس ولتفاصيل أخرى، يؤكدّ الكعبي، أنّ الأحوازيين قرروا عدم خوض الاحتجاجات أو المشاركة فيها حتى يتسنّى لهم معرفة مَن خلفها، وما هو كل المقصود منها وما هو الموقف الدولي والعربي من هذه الاحتجاجات، حتى يكون قرارهم على حد وصفه قرارا مناسبا يدخل بعده الجهات السياسية الأحوازية على خط المواجهة مع النظام الحاكم في طهران إن تغيرت الظروف وحتى لا يتكرر سيناريو ما حصل عام 1979، وكارثة ما أسماه بـ “الأربعاء الأسود” على الشعب الأحوازي. في نهاية الأمر يرى الكعبي، أنّه في حالة وصول المعارضة الإيرانية “الفارسية” الحالية إلى سدّة الحكم في طهران، فإنها “لن تكون أقل قساوة من النظام الحاكم على الشعب العربي الأحوازي” وفق تعبيره.

“موقفنا واضح وثابت منذ عقود من الزمن، ولا يهدف إلى إسقاط نظام الحكم في إيران، وأولويتنا الحصول على حقوقنا التاريخية المسلوبة منذ عام 1925، ونضالنا كان و لايزال هو ضد الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم في إيران، ومستمر لحد الآن وهو واضح وجليّ لكل مراقب عربي أو أجنبي، بأنّ نضال الشعب الأحوازي ليس من أجل إسقاط النظام، بل من أجل تحرير أرضنا من الاحتلال والعدوان الغاشم الذي قاده شاه إيران البهلوي الأول في 1925 على بلادنا” يقول الكعبي.

بات واضحاً لكل متابع بأنّ النظام الدولي ولا سيما الدول الكبرى، لا ترغب حاليا في إسقاط النظام في طهران، لأسباب ودوافع عديده تعتقدها، وبالتالي فإنّ موقف الجهات السياسية الأحوازية، ومنها اللجنة التنفيذية لإعادة شرعية دولة الأحواز، جاء رافضاً منذ الأيام الأولى للمشاركة في الاحتجاجات في إيران، والذي تصفه اللجنة على أنّه موقف سليم وفي الاتجاه الصحيح لصالح الشعب الأحوازي.

قد يهمك: لإنهاء احتجاجات الأهواز.. إيران “تُعَسكر الإنترنت” بقانون رَسمي!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.