وسط ترقب كبير، تولى الجنرال عاصم منير قيادة الجيش الباكستاني أمس الثلاثاء، وهو المنصب العسكري الأقوى في البلاد، وذلك بعد تم تعيينه الأسبوع الماضي من قِبل رئيس الوزراء شهباز شريف، في وقت انجرف فيه الجيش إلى مواجهة سياسية بين الحكومة ورئيس الوزراء السابق عمران خان، الذي يقود احتجاجات ضد الحكومة، وفي وقت تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية.

تنصيب الجنرال منير ذو الخلفية الإسلامية في الدولة النووية الإسلامية الوحيدة، يُعتبر تغييرا رئيسيا للقيادة العسكرية في مؤسسة تلعب دورا هاما في حكم الدولة، التي تواجه احتمالية تجدد للنشاط المسلح في البلاد بعد أن أعلنت حركة “طالبان” الباكستانية أنها لن تلتزم بعد الآن بوقف إطلاق النار الذي دام شهورا مع الحكومة.

إلى ذلك، أثار تسلّم منير الذي يُلّقب بـ “الجنرال الملا” بإشارة إلى التزامه بتعاليم الإسلام وحفظه القرآن، مما يجعل عدة جهات بينها الهند التي ارتبط اسمها مع اسم القائد الجديد إبان عمله على رأس جهاز الاستخبارات بالانفجار الذي استهدف الهند وأودى بحياة 40 شخص، أن تتخوف من خلفيته الدينية، وطبيعة تسلله إلى هرم قيادة الجيش، التي تشير إلى مدى العلاقات مع دول الخليج، وإيران.

 المخاوف حول الأمن النووي

المخاوف من رئيس أركان الجيش الجديد الذي حل محل الجنرال قمر جاويد باجوا، تنطلق من اختياره من قبل رئيس الوزراء شريف من بين قائمة رفعها إليه الجيش بأسماء ستة مرشحين، لاسيما وأن الرئيس ينحدر من عائلة تمتلك علاقات متينة مع دول الخليج، فضلا عن طبيعة العلاقات الباكستانية بإيران التي تقود برنامجا نوويا، ما خلق حالة من الترقب فيما إذا كان ذلك سينعكس على مستوى الأسرار النووية.

تلك الاعتبارات تأتي من أنه سبق وتم تسريب أسرار البرنامج النووي الباكستاني إلى ليبيا وإيران بين أعوام 1989-1999، وعلى الرغم من أن تلك الحادثة لم يتم معرفة مدى ضلوع الجيش بها وقتئذ، غير أنه وبعد نشر معلومات من قبل القائد السابق للجيش الجنرال ميرزا أسلم بيك، العام الماضي، تضمنت صورة له تجمعه بقائد “فيلق القدس” الإيراني في “الحرس الثوري” قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أميركية مطلع العام 2020، في بغداد، خلال اجتماع جمعهما عام 1989، أعادت إحياء المخاوف من أن يكون لعاصم منير القائد الجديد تأثيرا في هذا الملف الحساس.

ما يعزز تلك المخاوف أيضا، أن عمر خان رئيس الوزراء السابق، ليس بالخفي أنه يضمر العداء إلى الدول الغربية كما أنه يتهم الولايات المتحدة الأميركية علانية بالتحريض على ما يسميه بـ “الانقلاب” على حكومته، وعلى الرغم من أن علاقة خان حاليا مع الجيش ربما تكون في أسوأ حالتها، لكن لا يخفى كذلك أن اتهامات كثيرة وجّهت لخان بأن وصوله إلى رئاسة الحكومة في انتخابات 2018 جاء بدعم من قِبل الجيش والاستخبارات، قبل أن تتم الإطاحة به في نيسان/أبريل من العام الحالي.

اقرأ/ي أيضا: الشراكات بين مصر واليونان تثير قلق تركيا.. لماذا؟

بالتالي، وفي ظل هذا المشهد المعقّد، أنه دون أدنى شك، إن شخصية قائد الجيش الجديد عاصم منير التي تُعد مسلكية ومهنية في الجيش الباكستاني، تعد “مسألة خلافية وستؤثر بشكل كبير على استقلالية الجيش الباكستاني، على اعتبار أن الجيش الباكستاني مؤسسة شبه مستقلة، وسيكون له تأثيرا في قضايا عدة“، كما يرى الباحث في الشأن السياسي محمد نعناع.

المحلل السياسي، وفي استعراض للمشهد الباكستاني ومآلاته المستقبلية في ظل وصول قائد الجيش الجديد، قدمه لموقع “الحل نت“، وفصّل من خلاله طبيعة التأثيرات التي يمكن أن يعكسها الجنرال منير، بما فيها ما يتعلق بخصوصية أمن المعلومات النووية من وجهة نظره، قائلا إن “الجيش الباكستاني سبق ومارس بعض الأدوار الوطنية، ما يحتّم إفراز تأثيرات مستقبلية على الوضع الباكستاني مع تسلّم منير لقيادة الجيش“.

تأثيرات قائد الجيش الباكستاني الجديد

من المتوقع أن يتسبب تعيين الجنرال منير بالتأثير على الأقل في مسألتين راهنتين. وهي؛ أن هناك خلافات كبيرة جدا بين السلطة الجديدة ومراكز قواها ومعادلة السلطة الباكستانية بالكامل، وبين رجال وشخصيات لديهم نفوذ كبير في السلطة مثل عمر خان وحزبه، ونشاطاته السياسية خلاف السلطة الحالية وقائد الجيش الحالي، ما سيفرز تأثيرات جديدة على المشهد الباكستاني الداخلي وبعض القضايا الخارجية بشكل كبير، كما يعتقد نعناع.

نعناع وفي سياق رؤيته حول إمكانية المساس بالأمن النووي للبلاد، يقول إن وجود عمر خان في المشهد وعاصم منير سيكون له تأثير كبير في طبيعة تعاطي خان وقائد الجيش الجديد مع قضية حركة “طالبان“، إذ أن الحركة تمتلك اتفاقات مع الحكم عموما ومراكز قواه في باكستان، لكن هذه الاتفاقات بالهدنة والتعاون قائمة على أساس مصالح “طالبان”، بالتالي مع وصول منير إلى أعلى منصب عسكري لباكستان وهو معني بشكل مباشر بالقضايا الأمنية، سيكون له تأثير في هذا الملف.

بناء على تلك الاحتمالات والمتغيرات، وعدم وضوح الموقف الدولي المتمثل بالدول العظمى، والإقليمي مع هذا المشهد الباكستاني الحالي، يعتقد الباحث السياسي أن “المرحلة المقبلة ستكون حرجة ما يمكن أن يشكل تهديدا لباكستان ذاتها والمنطقة برمتها“.

اقرأ/ي أيضا: احتجاجات غاضبة في الصين تدعو لتنحي النظام.. ما المآلات؟

لكن على الرغم من كل تلك التوقعات، يقول نعناع في حديثه لـ “الحل نت“، لا اعتقد أن يكون هناك استخداما أو فضحا للأسرار النووية، إلى أن تكون مشاعة إلى الأخرين، على اعتبار أن الموضوع من هذه الناحية مسيطر عليه“، وتأكيدا على ذلك، أشار إلى أنه لم نشهد من كل أطراف الصراع والنفوذ في باكستان وحتى امتداداتها الخارجية رغبة أو مؤشر على أن يكون هناك تأثيرا على مستوى الملف النووي وأسراره، لذلك الأمر سيبقى ضمن الإطار الداخلي مع تأثر قضايا خارجية قليلة.

تدرجات عاصم منير قائد الجيش الباكستاني

الجنرال منير عمل في مقر قيادة الجيش مديرا عاما للإمداد والتموين، وهو مكلف بالإشراف على الإمدادات لكل وحدات الجيش حتى تسلّمه منصب قيادة الجيش، كما سبق وتولى رئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية في 2019، لكنه أُقيل من هذا المنصب بعد 8 أشهر فقط على تسميته.

تشير وسائل إعلام إلى أنه لا يُعرف الكثير عن التوجهات السياسية لمنير، لكن محللين أبدوا تشككهم في أن يبقى الجيش بمعزل عن المشهد السياسي، لاسيما وأن الجيش يتمتع بنفوذ كبير على الحياة السياسية الباكستانية، خصوصا أنه كان في السلطة لأكثر من 37 عاما منذ استقلال باكستان في العام 1947.

إضافة إلى تلك المهام التي تقلّدها، تولى قيادة المخابرات العامة الباكستانية منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2018، حتى 16 حزيران/يونيو 2019، وهي أقصر فترة له في منصب قيادي كبير بعد تغييره بالجنرال فايز حميد.

منير تولى بعدها قيادة فيلق للجيش في مدينة جوجرانوالا في إقليم البنجاب منذ 17 حزيران 2019 إلى السادس من تشرين الأول 2021، وقبل ذلك شغل منصب قائد قوة المنطقة الشمالية في الجيش الباكستاني في الفترة ما بين تشرين الأول/أكتوبر 2014 وكانون الأول/ديسمبر 2016.

الجدير بالذكر أيضا، أن بعض وسائل الإعلام الهندية ربطت اسم منير بفترة رئاسته للمخابرات الباكستانية عام 2019 بتفجير بولواما بالهند في شباط/فبراير من العام نفسه، والذي أسفر وقتها عن مقتل 40 من أفراد الشرطة الهندية، وهي فترة تصاعدت فيها التوترات بين باكستان والهند، وكان البلدان على وشك الدخول في حرب واسعة.

شهدت باكستان البالغ عدد سكانها 220 مليون نسمة، ما لا يقل عن 3 انقلابات عسكرية ناجحة وما يوازيها تقريبًا من محاولات انقلاب فاشلة، كما تشهد في الوقت الراهن اضطرابات منذ تولى شهباز شريف السلطة في نيسان/أبريل خلفا لعمران خان الذي أطاحت به مذكرة حجب ثقة بعدما خسر دعم الجيش.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة