على مدار السنوات الماضية، استضافت دولة رواندا عددا كبيرا من اللاجئين من عدة دول، مثل ليبيا والنيجر والسودان، وصارت مؤخرا محل جدل دولي، على إثر اتفاق مع كل من الدنمارك وبريطانيا بشأن استقبال المزيد من اللاجئين لديها.

إن استضافة رواندا للاجئين عبر اتفاقيات مع عددا من الدول، يثير أسئلة في اتجاهات عدة؛ الأول ما يتعلق بالسياسات البريطانية إزاء مسألة الهجرة غير الشرعية، خصوصا أن هذه المسألة كانت ضمن البرنامج السياسي الذي طرحه بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، أمام ناخبيه للفوز بثقتهم عبر حل هذه المشكلة، وهذا ما يعيد تطبيقه تماما رئيس الوزراء البريطاني الجديد، ريشي سوناك، أما الاتجاه الثاني، فيتعلق بمدى أخلاقية هذه الاتفاقيات.

الاتجاه الثالث يدور حول الأسس التي تم على أساسها اختيار رواندا كدولة مضيفة للاجئين وموقعها في وسط إفريقيا، وكيف أصبحت نموذجا لدولة آمنة في وسط قارة مليئة بالصراعات والإرهاب، وما الدروس المستفادة من هذا الأمر، وسياسات الدولة وسياقات الحوكمة التي جعلت من رواندا “سنغافورة إفريقيا”.

أهداف الدول

خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قضت المحكمة العليا في بريطانيا بأن خطة الحكومة لترحيل مهاجرين إلى رواندا قانونية. وجاء في قرار المحكمة أن الخطة لا تنتهك ميثاق الأمم المتحدة للاجئين أو قوانين حقوق الإنسان.

وزيرة الداخلية البريطانية سويلا بريفمان، قالت إنها ملتزمة بإنجاح السياسة المتعلقة بخطة رواندا. وقرار المحكمة هذا جاء بعد إعلان سوناك لخطته بشأن إعادة اللاجئين إلى رواندا أمام البرلمان، حيث قال “إذا دخلتَ المملكة المتحدة بشكل غير قانوني، فلن تتمكن من البقاء هنا.. بدلا من ذلك، ستُحتجز وتعود سريعا إما إلى بلدك الأصلي أو إلى بلد آمن حيث سيُنظر في طلب اللجوء الخاص بك”، مضيفا أنه سيتم العمل لاحقا على سنّ قوانين جديدة لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى المملكة المتحدة، وفق وسائل الإعلام.

هذا ومن المقرر أن تُعقد جلسة استماع في المحكمة في كانون الثاني/ يناير الجاري من أجل التعامل مع أي طلبات للاستئناف.

ضمن هذا السياق، ترى الباحثة ومديرة البرنامج الإفريقي في مركز “الأهرام للدراسات الاستراتيجية”، الدكتورة أماني الطويل، أن هدف الدول التي ترغب بإرسال اللاجئين إلى رواندا، وتحديدا بريطانيا واضح، وهو “تحجيم آمال المهاجرين الذين يصلون إلى المملكة المتحدة عبر القنال الإنكليزية، بحر المانش، في ضمان إقامة فيها والحصول على حق اللجوء، ما يعني ربما أن تنخفض معدلات الهجرة غير الشرعية إلى بريطانيا.

قد يهمك: الأزمة السياسية التونسية.. دفع نحو زيادة هجرة المواطنين؟

الطويل أشارت أثناء حديثها لموقع “الحل نت”، إلى أن خطاب لندن المعلن بهذا الشأن يركز على عدد من النقاط، أولها أن نظام اللجوء الحالي يكلف دافعي الضرائب البريطانيين ما يوازي مليارا ونصف المليار جنيه استرليني “1.96 مليار دولار” سنويا، وهي موازنة تتضمن أيضا برامج إعادة التوطين التي تستجلب مهاجرين من دول كمصر والمغرب وغيرها عبر مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، كما أن هذا المبلغ هو الأعلى خلال العقدين الأخيرين، مع تضخم عدد اللاجئين الذي أصبح عبئا حتى على الحكومة البريطانية.

هذا ويبدو أن الأهداف والخبايا التي تقف وراء إرسال لندن اللاجئين إلى رواندا، تكمن في “إيصال رسائل إلى مهربي البشر، وكذلك جميع طالبي اللجوء الذين يبحثون عن فرص الحياة”.

كيغالي تقدم نموذجا جيدا

رواندا استضافت عددا كبيرا جدا من اللاجئين في وقت سابق، وهذه ليست المرة الأولى التي تتقدم كيجالي فيها طلبا لدولة مثل بريطانيا لاستقبال اللاجئين، فقد تقدمت سابقا بطلب لدولة النيجر والسودان لاستقبال اللاجئين الذين وصلوا إلى أراضيهم نتيجة الأوضاع في ليبيا وغيرها.

المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وقّعت عام 2019 مذكرة تفاهم مع الاتحاد الإفريقي، تتضمّن إجلاء لاجئين وطالبي لجوء مسجلين فيها من ليبيا إلى رواندا، بحسب السكرتير الدائم في الوزارة المسؤولة عن إدارة الأزمات في رواندا، أوليفيه كايومبا.

أوروبياً، الدنمارك أول دولة سعت لترحيل اللاجئين إلى رواندا، ففي مطلع عام 2021، وقّعت اتفاقيتي تعاون بما يخص الهجرة واللجوء مع رواندا، لم تعلن تفاصيلهما، وسط تخوفات من أن تكونا في إطار تخطيط الحكومة الدنماركية لإقامة مركز استقبال لطالبي اللجوء في بلد ثالث.

وزارتا الخارجية وشؤون الهجرة والاندماج الدنماركيتان، أوضحتا في بريد إلكتروني، أن الدنمارك ورواندا وقّعتا اتفاقيتين “لتوثيق التعاون في مجال الهجرة واللجوء، وزيادة المشاورات السياسية حول التعاون الإنمائي”. ولم تنشر الوزارتان نصوص الاتفاقيتين أو أي تفاصل أخرى متعلقة بهما. غير أن الحكومة الدنماركية التزمت الصمت بشأن الزيارة.

أما بريطانيا، فإن الخطة التجريبية لها والتي تبلغ مدتها خمس سنوات، تفضي بإرسال بعض طالبي اللجوء إلى رواندا لتقديم طلباتهم هناك. وقد يُمنح هؤلاء الأشخاص إقامة دائمة كلاجئين في رواندا. وإذا لم يحصلوا على هذا النوع من الإقامة، فبإمكانهم التقدم بطلب للاستقرار هناك اعتمادا على أسباب مختلفة، أو يمكنهم السعي للجوء في “دولة ثالثة آمنة”.

تستهدف هذه السياسة في الغالب الأشخاص الشبان العزاب الذين يصلون إلى المملكة المتحدة عبر ما تصفه الحكومة بـ”طرق غير شرعية وخطرة أو غير ضرورية”، كركوب القوارب الصغيرة أو الاختباء داخل شاحنات.

القانون البريطاني الذي أُقرّ العام الماضي، والذي يقضي بترحيل طالبي اللجوء الواصلين إلى المملكة منذ مطلع العام نفسه إلى دولة رواندا الإفريقية، بموجب تطبيق قانون الهجرة البريطاني الجديد، تزامن مع إعلان رواندا حينها عن توقيعها اتفاقية بملايين الدولارات مع بريطانيا، لاستقبال طالبي اللجوء ومهاجرين إلى المملكة المتحدة على الأراضي الرواندية.

قد يهمك: لقاء “غدامس” الليبي.. نحو نهج متعدد المسارات للاستقرار والسلام؟

بالعودة إلى الباحثة أماني الطويل، فإنه من المهم ذكر أن كيغالي تقدم نموذجا جيدا فيما يتعلق بإعادة إدماج اللاجئين، إذ تستضيف رواندا أكثر من 100 ألف لاجئ حاليا. وخلال المنتدى العالمي للاجئين، الذي عُقد في 2019، قدمت الحكومة الرواندية تسعة تعهدات على المستوى الدولي تتضمن قدراتها على توفير سبل العيش والتعليم والصحة والطاقة والبيئة والحماية للاجئين. وهو أمر لقي ترحيبا من جانب الأمم المتحدة، مطلع العام الماضي.

الطويل تعتقد أنه ربما قد يكون اختيار رواندا كموطن للاجئين “تأكيدا على العلاقة العضوية الراهنة بين رواندا والسياق الأنغلوفوني”، ودعما لها على المستوى الاقتصادي، لا سيما بعد أن قطعت علاقتها بالنطاق الفرنكوفوني، كتداع رئيس لدعم فرنسا “المستعمر القديم لرواندا”، لقبائل الهوتو ضد قبائل التوتسي، التي ينتمي إليها الرئيس الحالي لرواندا، بول كاغامي، في حرب الإبادة الجماعية التي جرت بتسعينيات القرن الماضي، وراح ضحيتها حوالي مليون شخص.

في حين تقول نائب المدير التنفيذي لمركز “العراقي- الإفريقي للدراسات الاستراتيجية”، الدكتورة فريدة بنداري، أن لدى رواندا خبرة كبلد مضيف، فقد أصبح موطنا للاجئين الكونغوليين، فضلا عن عدد كبير من  سكان بوروندي، الذين تحمي حقوقهم بموجب قوانين مختلفة، بجانب أن نهج رواندا في الاتفاق تعتمد على سياسة عدم إبعاد أي شخص يلتمس اللجوء فيها، كما أنه لا توجد في رواندا سياسة احتجاز للمهاجرين أو اللاجئين، حيث يتم توطين الوافدين الجدد في المجتمع وليس في المخيمات، في إطار الأسس التي تم اختيار رواندا كبلد مضيف.

بنداري أشارت أثناء حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن اعتبار رواندا أنموذج لدولة آمنة وسط قارة مليئة بالصراعات والإرهاب، ربما يكمن السبب في شخص وسياسة الرئيس كاغامي، ويعود أيضا إلى قوة القانون الرواندي، حيث يحظر ذكر المجموعتين العرقيتين، أطراف الصراع، ولو عَرَضا، نظرا لعمق الشقاق الذي شهدته هذه الأمة في فترة حرب الإبادة العرقية التي حصلت سابقا.

أهداف رواندا

بنداري، قالت أن الدولة الإفريقية الصغيرة، وضعت نفسها كشريك إيثاري للدول الأكثر ثراءً، للسعي من الحد من الهجرة ربما، وخاصة عندما قالكاغامي، إن “حكومته مدفوعة بالإيثار والمسؤولية الأخلاقية لتوفير حل لمشكلة معقدة للغاية في جميع أنحاء العالم”، وفق حديثها لـ”الحل نت”.

على مستوى القارة، فإن لرواندا أدوارا إقليمية وقارية مهمة مؤسسة على النجاح الداخلي الذي أحرزه كاغامي في إبرام مصالحة وطنية، وتحقيق استقرار سياسي بالبلاد في أعقاب حرب دموية، خلّفت بالتأكيد جروحات كان من الصعب التئامها في ضوء ما هو معروف من انقسامات قَبلية وعرقية في رواندا، مماثلة لغالبية الدول الإفريقية، طبقا لتقديرات الطويل.

قد يهمك: غاز الرباط.. مفتاح فض التوجه المغاربي نحو روسيا والصين؟

على إثر هذه السياسات، ربما استطاع كاغامي الحصول على ثقة دولية جعلته متلقّيا لمساعدات خارجية وتمويل استثماري دولي كبير، مكّناه من تحقيق مستويات نمو مرتفعة قاربت حاجز الـ 8 بالمئة سنويا قبل جائحة “كورونا”، هذا فضلا عن الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي اللذان حققهما كاغامي، وبالتالي باتت رواندا تملك وزنا إقليميا مؤثرا في شرق إفريقيا، وفي الاتحاد الإفريقي ككل، جعلت مشروع كاغامي، لإصلاح الاتحاد محل تداول واعتبار في المؤسسة الإفريقية الأهم، وفق الطويل.

عليه، وفق التقديرات، فإن رغبة رواندا باستقبال اللاجئين نابعة من الأطر والمقاربة السياسية، حيث أنها عازمة على ترسيم وتقديم صورة جديدة لها تطغى على جميع السلبيات التي ارتبطت بتاريخها السابق، والمتمثلة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي حدثت خلال الحرب، إلى جانب ذلك، فهي راغبة للتعبير عن أنها الدولة الإفريقية القادرة على دمج هؤلاء اللاجئين واستيعابهم معا دون أي تمييز وتفرقة، وأنها استفادت من ظروف الحرب الأهلية الرواندية “1990-1993″، أي الحرب القَبلية بين التوتسي والهوتو.

يجدر الإشارة هنا، بأن رواندا انضمت إلى رابطة دول “الكمنولث” عام 2010، وكذلك جعلت اللغة الإنكليزية لغة رسمية في البلاد، بعدما تولى كاغامي السلطة عام 2000.

“دولة متقدمة وسط قارة متهالكة”؟

بالرغم من أن البلد الإفريقي اشتهر بالإبادات الجماعية والتطهير العرقي، لكنها اليوم تشهد طفرة اقتصادية وسياحية، جعلت عاصمتها كيغالي تنتزع لقب “أنظف عاصمة إفريقية” لعدة مرات بحسب موقع “بيزنس إنسايدر أفريكا“.

كما وتُعد رواندا ذات مستوى فساد منخفض مقارنة بالبلدان الإفريقية الأخرى، إذ تأتي رواندا في المرتبة الخامسة من بين 47 دولة في إفريقيا، وفي المرتبة الـ 55 من أصل 175 في العالم على سلم الفساد.

بنداري، ترى أن الحوكمة السياسية في رواندا اعتمدت على إعادة بناء النظام السياسي، و هيكلة مؤسساته في إطار الدستور، حيث بنيت إجراءات السياسة، على ثلاثة أهداف تشمل تعزيز الحكم الرشيد؛ والحد من الفقر وكذلك تعزيز تقديم خدمات تتسم بالكفاءة والفعالية والمساءلة، وتنفيذ المشاريع المحلية وكذلك مساءلة السلطات المحلية. كما ارتبطت هذه الإصلاحات أيضا بمحاولات حقيقية لمكافحة الفساد، على أساس فكرة أن الإنفاق الحكومي الفعال، لا يمكن تحقيقه دون مكافحة الفساد.

كما وضعت رواندا لنفسها هدف هو أن تكون المركز التكنولوجي لشرق إفريقيا، وحقيقة لديها نظام حكومة إلكترونية مثير للإعجاب، حيث يضمن أن تتم معظم المعاملات المالية الحكومية وغيرها من المهام إلكترونيا، ويعتبر الكثيرون رواندا أحد الأضواء الرائدة في إفريقيا في مجال اتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إذ أطلق  البنك الدولي لقب “سنغافورة إفريقيا” عليها نظرا لما حققته من تقدم تكنولوجي، وقد أدرج هذا البلد ضمن الاقتصادات العشرة الأكثر تحسنا في عام 2013، على حد تعبير بنداري.

كذلك، تعتبر شوارع وأحياء رواندا آمنة نسبيا نظرا إلى توجه حكومة البلاد إلى تنشيط قطاعها السياسي، إذ باتت تعتني بقطاعي النظافة والأمن خلال السنوات الأخيرة.

يبدو أن رواندا، تريد أن تؤسس لنفسها مكانة يحسب لها حسابات إقليمية ودولية، وذلك عَبر اتّباع عدة سياسات؛ منها استقبال اللاجئين أولا ومن ثم اكتساب العديد من المكاسب عبرهم، فمثلا هي ستستفيد على مستوى القدرات والخبرات الجديدة من خلال استضافة هؤلاء اللاجئين، على اعتبار اللاجئين لديهم عدد من الخبرات والكفاءات، خاصة وأن معظمهم من الفئة الشابة. وبالتالي، ستوظف رواندا هذه القدرات في زيادة الإنتاجية في بلدها، خاصة وأن عدد سكان رواندا محدود، فضلا عن إظهارها كدولة سلام عبر سياساتها المتّبعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.