ملف اللاجئين العراقيين في أوروبا، لا يزال يشكل نسبة كبيرة من اهتمامات الحكومات المتعاقبة في العراق بعد هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي تسبب في ازدياد أعداد المهاجرين وخاصة باتجاه ألمانيا، حيث  يُعد هذا الملف مشتركا بين العراق ودول الاتحاد الأوروبي خلال المباحثات التي يجريها الطرفان، وكان آخرها بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالعاصمة الألمانية برلين، في 13 كانون الثاني/ يناير الحالي، أوضاع المهاجرين العراقيين في ألمانيا، وتشكيل لجنة مشتركة تمهّد الطريق لعودتهم الطوعية إلى بلدهم، بحسب ما نقله موقع “إندبندنت عربية”.

الحكومة الألمانية تُسابق الزمن لأجل إقناع الكثير من اللاجئين العراقيين بالعودة إلى بلادهم، معلنة في هذا السياق عن مجموعة من التسهيلات للراغبين في العودة الطوعية. آخر التصريحات جاءت من وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي صرّح بوجود أساس أوّلي للعودة خلال زيارته الأخيرة للعراق، وهو ما يتطابق مع مناشداتٍ من الحكومة العراقية التي وصفت الوضع الأمني بـ”الممتاز”.

غير أن ماس بدوره يعترف أن “تحسّن” الوضع الأمني لا ينطبق على كلّ أجزاء العراق، كما أن مناشدات العودة تواجه تحدّيا كبيرا في إقناع لاجئين مقتنعين بتفوّق جودة الحياة في ألمانيا على نظيرتها في العراق، فضلا عن أن التسهيلات التي أعلنتها ألمانيا لإقناع اللاجئين بالعودة قد لا تظهر بالبَريق المطلوب لدفعهم نحو مثل هذا القرار، وفقا لموقع “دويتشه فيله” الألماني.

تأثير التفاهمات على العراقيين في ألمانيا

من الخطأ أن تُقدم الحكومة العراقية على ممارسة الضغوطات باتجاه إعادة المهاجرين العراقيين من أي دولة، ما يفترض أن تقوم به الحكومة، هو توفير امتيازات وإغراءات قد تجبر بعض المهاجرين على العودة الطوعية للبلاد، بحسب حديث المحلل السياسي علي البيدر، لـ”الحل نت”.

الضغط السياسي أو أيّا كان نوعه، لا يعتقد البيدر أن يكون له نتائج إيجابية على المستوى البعيد ولا حتى المتوسط أو القريب، لأن العراقيين يرفضون العودة، وقد اعتادوا وتأقلموا مع حياة جديدة عنوانها القانون، النظام، الحرية وغيرها من الأمور الأخرى التي تفتقرها العراق. بينما في حال تحسنت الظروف، فإن بعض المهاجرين سوف يلجأون للعودة طمعا بالاقتراب من بيئتهم، ومن محيطهم الاجتماعي، وفق تعبيره.

قد يهمك: العراق يجهل عدد لاجئيه في الخارج 

أرقام الحكومة الألمانية تشير إلى أن أعداد العراقيين المقيمين أو طالبي اللجوء في ألمانيا نحو ربع مليون عراقي، محتلين المركز الخامس للاجئين المقيمين في ألمانيا بعد القادمين من سوريا، وكوسوفو وألبانيا وصربيا.

مكاسب على حساب اللاجئين

الحكومة الألمانية تحاول منذ سنوات تخفيض عدد اللاجئين العراقيين بما أن نفوذ المنظمات المتطرفة تراجع كثيرا في بلادهم، ومن ذلك تقديم مساعدات مالية لأجل تأمين السكن في الأشهر الأولى لعودة اللاجئين إلى العراق، تصل إلى ثلاث آلاف يورو للعائلة الواحدة. كما سبق لوزير التنمية الألماني غيرد مولر، أن أعلن عن افتتاح مركزين في العراق لتقديم المشورة والدعم بالنسبة للعائدين، متحدثا عن تعاون الحكومتين الألمانية والعراقية لخلق فرص للتكوين والتوظيف في العراق.

لم تلجأ ألمانيا فقط إلى التحفيز المادي، بل نهجت كذلك سياسة صارمة للتشديد في استقبال المزيد من اللاجئين وفي استمرارهم بالبلد، لذلك يوجد الآلاف من العراقيين على قائمة الترحيل. وقد تسّببت هذه الصرامة في تراجع أعداد طالبي اللجوء بشكل عام في ألمانيا، بحسب موقع “دويتشه فيله” الألماني.

البيدر يرى بأن ألمانيا، من المفترض ألا تنصاع لرغبات وأوامر بعض الحكومات في الشرق الأوسط، لأنها متفهمة لجميع الحالات، وأن طرحها لهذا الموضوع في هكذا ظروف غير مناسب، لكن على ما يبدو أن الحكومة العراقية تحاول الحصول على المزيد من المكاسب في هذه المرحلة، ومنها أن يصل صدى ما تقوم به إلى مستويات متقدمة، إلا أن البيدر يرى أن “الحديث عن ذلك الأمر لا زال مبكّرا، ويجب على الحكومة العراقية أن تركز على تقديم الخدمات والمساعدات للداخل العراقي، لأن المهاجرين العراقيين في الخارج قد استقروا”، وينوه البيدر على أن “ألمانيا لن تنصاع لأي رغبات في هذا الجانب”، على حدّ قوله.

أرقام وإحصائيات

جمعية “المهاجرين العائدين من أوروبا” في إقليم كردستان، كانت قد كشفت في وقت سابق، أن “قرابة 20 ألف مواطن من الإقليم هاجروا إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال عام 2022”.

الأوضاع والاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية التي شهدها العراق خلال العقود الأخيرة، تسببت في ازدياد نسبة هجرة مواطنيه إلى الخارج، وإن 19 ألفا و200 مواطن من إقليم كردستان، هاجروا إلى أوروبا من طريق السواحل التركية والحدود البيلاروسية، بحسب تصريح صحفي لرئيس الجمعية بكر علي.

اقرأ أيضا: قضية اللاجئين العراقيين بين بيلاروسيا وليتوانيا: كيف تصرّفت الحكومة العراقية لمواجهة المأساة؟

علي يشير في تصريحه إلى تسجيل ظواهر عدّة للحصول على تأشيرة الدخول، منها بمقابل مالي، أو كما هو منتشر بشكل ملحوظ من الحصول على تأشيرة الدخول البوسنية، حيث أن المواطنين قصدوا دول الاتحاد الأوروبي عبر هذَين الطريقَين.

2300 شخص من سكان إدارة منطقة رابرين المستقلة من المواطنين المهاجرين من إقليم كردستان إلى أوروبا، حيث يصف علي المنطقة بأن “لها الحصة الأكبر في الهجرة وتكبد الخسائر البشرية بين صفوف المهاجرين”.

29 مواطنا غالبيتهم من فئة الشباب، وفق علي، لقوا حتفهم خلال محاولة الهجرة إلى أوروبا عام 2022، من بينهم سبعة أشخاص من سكان إدارة منطقة رابرين.

هل تنجح الخطط الألمانية؟

البيدر يعتقد بأن “الحكومة العراقية لن تستطيع إجبار رافضي العودة من المهاجرين العراقيين على العودة، وحتى الحكومة الألمانية لن تفرض عليهم أي شروط أو تزيد من حدة الشروط المتخذة في هذا الجانب، كونها تحتاج إلى الأيدي العاملة، وتحتاج إلى مستوى معيّن من العمر لدى السكان، وهي ما تفتقره هذه البلدان التي جلّ سكانها من كبار السن”.

ألمانيا لن تستطيع إقناع اللاجئين بالعودة، والسبب أنها تناست الفرق الهائل في جودة الحياة بين ألمانيا والعراق، وتناست كذلك أن عددا كبيرا منهم اندمجوا في ألمانيا وأضحت لهم مساراتهم الخاصة فيها. إذ أن الكثير ممّن عادوا طوعيا إلى العراق يفكّرون بالتراجع عن هذه الخطوة وبحث العودة إلى ألمانيا نتيجة الصعوبات التي وجدوها في العراق.

إذ تُعدّ ألمانيا أحد البلدان الأكثر استقطابا للمهاجرين في العالم، ليس فقط القادمين من بلدان فقيرة أو هشّة أمنيا، بل حتى منهم المنتمين إلى بلدان متقدمة نسبيا أو قطعت أشواطا على درب النمو. ويُرجع هذا الاستقطاب إلى وجود فرص للعمل والسياسات الاجتماعية التي تنهجها ألمانيا وقوة الخدمات الأساسية، فضلا عن عوامل أخرى كوجود مناخ لحرية التعبير.

التركيز على الجانب الأمني

الحكومة الألمانية تركز على تحسّن الوضع الأمني بالعراق، بما أن الخوف على الحياة يُعدّ أحد أكبر الأسباب التي يُمنح فيها حق اللجوء للراغبين في ذلك. وتفكّر ألمانيا أن المانع الأكبر من العودة إلى العراق كان انتشار الجماعات المتطرّفة، لذلك، وبعد انتصار القوات العراقية على “داعش” وخسارة هذا الأخير لجلّ مناطق نفوذه في العراق، أضحى ممكنا عودة الكثير ممّن حصلوا على حقّ اللجوء الإنساني.

غير أن الوضع في العراق لم يتحسن بالشكل الذي يتم تسويقه، فإن كانت حدّة عمليات “داعش” قد انخفضت كثيرا، إلّا أنها لا تزال مستمرة، كما أن الوضع الأمني في مناطق الإيزيديين لم يتحسن كثيرا، ودليل ذلك كثرة الاغتيالات، بحسب “دويتشه فيله”.

أخيرا، مشاكل العراق، لا يمكن حصرها بتحسن الوضع الأمني فقط، بل في استمرار التشنجات بين المكوّنات الدينية، وانتشار ثقافة التمييز وتمزق الوضع الاجتماعي، وغياب التنمية الحقيقية وتلكؤ الحكومات المتلاحقة في الحد من الفساد ومن سوء الإدارة، فبعض المكوّنات العراقية تعاني من التهميش خاصة في المشاركة السياسية، لذلك فأيّ دعوة للعودة الطوعية يجب أن ترى الوضع بشكل شمولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.