زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الأردن يوم الثلاثاء الفائت، ولقائه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تُعتبر خطوة غير مسبوقة وهي الأولى منذ عام 2018؛ على الرغم من أن نتنياهو أعلن في وقت سابق أن أبوظبي ستكون أول زيارة له خارجيا بعد توليه منصبه.

من الواضح أن نتنياهو يسعى إلى التهدئة والمراوغة في نفس الوقت مع الجانب الأردني بعد توتر جاء على إثر منع السفير الأردني لدى تل أبيب، غسان المجالي، من دخول المسجد الأقصى واقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير للأقصى خلال كانون الثاني/يناير الحالي، والذي قوبل بتحرّك أردني وتنديد عربي ودولي.

الملك عبد الله الثاني أكد خلال لقائه نتنياهو على ضرورة احترام الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى وعدم المساس به، مشددا على ضرورة الالتزام بالتهدئة ووقف أعمال العنف لفتح المجال أمام أفق سياسي لعملية السلام، وفق بيان “الديوان الملكي”.

ضغوط أميركية وعربية

على ما يبدو أن الولايات المتحدة دفعت بنتنياهو إلى الأردن قبيل زيارة رسمية محتملة في شباط/فبراير المقبل إلى “البيت الأبيض”، حيث سيلتقي بالرئيس جو بايدن، للعمل على التهدئة مع عمَّان، خاصة فيما يتعلق بالحرم القدسي.

زيارة نتنياهو للأردن تمت بضغوطات عالية جدا من مجلس الأمن القومي الأميركي والاستخبارات الأميركية والإمارات ومصر، لتخفيف التوتر وتقديم الضمانات السابقة للملك فيما يتعلق بالوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وفق حديث خاص للصحفي الفلسطيني، داود كُتّاب، لـ “الحل نت”.

قد يهمك: المتغيرات والاستمرارية في العلاقات الإسرائيلية الأردنية.. من الهدوء إلى التصعيد؟

الأردن استقبل نتنياهو بعد اقتناع الحكومة والقصر الملكي بأن الوساطة الأميركية جادة هذه المرة بضغطها على نتنياهو والذي جاء مُجبرا إلى عمان، حسب كُتَّاب.

أما الكاتب والمحلل السياسي بسام بدارين يرى أن “نتنياهو لدية أزمة داخلية وحالة من العزلة الدولية، وأن الأردن كان طرفا فاعلا وأساسيا طوال الشهرَين الماضيين في فرض عزلة على حكومة نتنياهو، وبالتالي جاء لحل المشكلة مع الطرف الفاعل في سياق الحراك الدولي لتخفيف الموقف الأردني أولا، ولتصدير أزمته الداخلية إلى الأردن ثانيا”.

بدارين يضيف، بأن “نتنياهو جاء بهدف أن يضع الأردن سُلَّما له لكي ينزل عن الشجرة، لكن الشجرة نفسها غير موجودة الآن، وبالتالي الأردن إذا استرسل في مسار التكيف السياسي والدبلوماسي سيجد نفسه يضع السلالم في الهواء”، على حدّ وصفه.

نتنياهو يعلم أن الملك سيذهب قريبا إلى واشنطن، وفق بدارين، وسيُلقي خطابا ويلتقي الفعاليات الأساسية في “الكونغرس” بشكل محدد، والملك له مصداقية في الخطاب عند الأميركيين والمجتمع الدولي، وما قصده نتنياهو من زيارته التي ألحّ عليها بصفته الشخصية إلى عمان، هو أن يأمن شر الأردن ومداخلاته وتسلّلاته واختراقاته في عمق معادلة “الكونغرس” المعادية عمليا لنتنياهو بشكل أو بآخر، أو التي لا تعتبر معادلاتها في “الكونغرس” مريحة لا لنتنياهو ولا لحكومته.

صراع إسرائيلي داخلي

على الرغم من تعهّد نتنياهو للملك بأن الوضع الراهن في الحرم القدسي سيتم الحفاظ عليه؛ إلا أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، قال بعد يوم من الزيارة إنه “سيواصل اقتحام المسجد الأقصى”.

داود كُتَّاب اعتبر أن هذا إثبات على وجود تغيير بعد الزيارة التي أخذت طابعا أمنيا وسياسيا وأن بن غفير يدافع عن نفسه أمام مؤيديه وهذا يخلق صراعا سياسيا داخليا.

الاجتماع حضره من الجانب الإسرائيلي كل من؛ وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي ورئيس الأركان في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي تساحي برافرمان ورئيس الشاباك الإسرائيلي رونان بار والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي اللواء آفي جيل.

بن غفير قال في تصريحات إذاعية الأربعاء الماضي، نقلتها وكالة “صفا” الفلسطينية، إنه “مع كل الاحترام للأردن، إسرائيل دولة مستقلة، أنا اقتحمت الحرم القدسي وسأواصل اقتحامه، وأن إسرائيل دولة مستقلة وليس عليها وصاية من أي دولة أخرى”، وهو تحدّ واضح لتعهدات نتنياهو.

“تصريحات بن غفير تعني أن أي التزام قدمه نتنياهو في عمان لن نلتزم به، وبالتالي هذه واحدة من مشكلات الأزمة الداخلية الإسرائيلية التي يعانيها نتنياهو، بمعنى أن نتنياهو والأطقم التي تشاركه في الحكومة، لديها مذكرات تفاهم موقّعة مع الائتلافات الثلاثة المتطرفة وهو ليس في موقع إظهار القدرة على الالتزام كرئيس وزراء بما يقوله للأردن أو لغير الأردن”، يقول بدارين.

بن غفير سبق أن اقتحم المسجد الأقصى في الثالث من كانون الثاني/يناير الجاري، وهو ما أدى إلى إدانات فلسطينية وعربية وإسلامية وانتقادات دولية واسعة.

في كثير من الأحيان عندما يزور نتنياهو أي دولة، بعد ذلك يقوم باستفزازات وانتهاكات بما وعد به، ولديه تاريخ طويل في هذه السياسة، وفق رئيس “الجمعية الأردنية للعلوم السياسية”، الدكتور خالد شنيكات.

الوضع القائم هو السائد منذ ما قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وبموجبه فإن دائرة “الأوقاف الإسلامية” التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية هي المسؤولة عن إدارة شؤون المسجد الأقصى، من دون أي صلاحية للحكومة الإسرائيلية بالتدخل فيه.

الملك خلال اللقاء، أكد على ضرورة الالتزام بالتهدئة، ووقف أعمال العنف؛ لفتح المجال أمام أفق سياسي لعملية السلام، مشددا على ضرورة وقف أي إجراءات من شأنها تقويض فرص السلام.

الملك أعاد التأكيد على موقف الأردن الثابت الداعي إلى الالتزام بحل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران/يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.

اللقاء من الطرف الأردني، حضره نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، ومدير مكتب الملك، الدكتور جعفر حسان، ومدير المخابرات العامة اللواء أحمد حسني، والوفد الإسرائيلي المرافق.

اقرأ أيضا: بين الاقتصاد والسياسة.. مستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى أين؟

الحكومة الأردنية نفت أمس الخميس، ما نشرته بعض مواقع التواصل الاجتماعي حول وجود اتفاق بين الأردن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتشكيل لجنة أردنية، إسرائيلية فلسطينية لإدارة المسجد الأقصى.

وزير الاتصال الحكومي، الناطق باسم الحكومة الأردنية فيصل الشبول ،  يقول إن “موقفنا واضح، الحرم القدسي ومساحته 144 دونمًا هو وقف خالص للمسلمين لا يقبل القسمة زمانيا أو مكانيا وإدارته هي مسؤولية وزارة الأوقاف التي توظف قرابة ألف شخص لإدارته وحراسته والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس معترف بها عربيًا وإسلاميا ودوليًا”.

لقاءات أخرى

الأردن وضع الكرة في ملعب نتنياهو ليتبيّن فيما بعد إن كان ستعقد اجتماعات أخرى لاحقا، إذ أن هذا يرتبط بمدى الالتزام بما تم الاتفاق عليه في المستقبل القريب.

المحلل السياسي الدكتور خالد شنيكات، خلال حديثه  لـ”الحل نت”، يقول إنه “يمكن أن تتم لقاءات أخرى في ظل الحديث عن مشاريع إقليمية في المنطقة وهذه المشاريع تتعلق بالمياه والطاقة، وربما أيضا ضمن الانخراط بمنتدى النقب الذي لم يلتحق الأردن به بعد”.

هذا المنتدى قد يكون الهدف منه مشاريع عابرة للإقليم، بحسب شنيكات، إذ تراهن إسرائيل على أن تقوم هذه المشاريع بحكم إمكانياتها التكنولوجية وحتى المالية، وبالتالي قد يكون هناك لقاءات أخرى ولكن تحت مظلة منتدى النقب، والذي يأخذ أيضا المخاطر الأمنية سواء من إيران أو غيرها.

حزب “جبهة العمل الإسلامي” الأردني، استنكر في بيان نشره أمس، زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عمان، معتبرا أن الزيارة تشكل إضعافا للموقف الرسمي في مواجهة الاعتداءات.

“العدو لا يفهم سوى لغة الإجراءات العملية على أرض الواقع لوقف ممارساته العدوانية، مع ضرورة دعم صمود المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى والذين يشكلون سدّاً منيعاً في وجه مشاريع التهويد والتقسيم للمسجد الأقصى”، وفق ما جاء في البيان.

نجاح هذا اللقاء وتكراره يعتمد على مدى جدّية نتنياهو في تغيير سياساته والتأثير على حكومته السادسة، التي تُعتبر الأكثر تشددا وتطرفا، ومواجهة أزماته الداخلية وحلّها لتحقيق الاستقرار وعدم المجازفة بتجاوز ما أطلقه من تعهدات.

نتنياهو يريد أن يرسل رسائل إيجابية، داخليا وخارجيا، أنه قادر على تحقيق التوازن وفتح قنوات اتصال مع الأردن ويمكن التعامل مع حكومته التي تتسم بالمتشددة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.