الدول الخليجية حاولت منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، أن تلعب على المناورات الدبلوماسية، فقررت عدم اتخاذ موقف صريح من عمليات الغزو الروسي، لعدم قطع العلاقات مع موسكو، لكنها لم تغب عن المشهد السياسي المتعلق بالحرب الدائرة في أوكرانيا
هناك العديد من المحفّزات للدول الخليجية، يجعلها لا تأخذ موقفا صريحا من الصراعات الدولية في بعض الأحيان، لتتجه لأن تلعب دور الوسيط بطريقة المناورات الدبلوماسية، أبرزها ربما ملف الطاقة الذي كان لدول الخليج دورا كبيرا فيه، خاصة مع اندلاع حرب الطاقة مؤخرا.
كذلك فإن الملف الإيراني جعل ربما الدول الخليجية لا تأخذ موقفا صريحا من روسيا، وهي التي أصبح لديها علاقات قوية مع إيران منذ بدء عمليات الغزو الروسي، خاصة على المستوى العسكري، لكن كيف غيّرت رغم ذلك الدول الخليجية وجه الحرب في أوكرانيا.
وساطة خليجية
تقرير لصحيفة “ديلي صباح” التركية، أشار إلى أن صفقة إطلاق سراح نجمة كرة السلة الأميركية بريتني جرينير من مستعمرة عقابية في روسيا مقابل تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت مؤخرا، كان للإمارات العربية المتحدة والسعودية دورا بارزا فيها.
ذلك ما قد يعكس دورا جديدا تريد الدول الخليجية أن تلعبه بدون الإعلان الصريح عن موقفها، ومعاداة حلف عالمي مقابل آخر، مع وضع نفسها كوسيط محتمل في أي صراع دولي يجري حول العالم.
أزمة الطاقة كذلك سمحت للدول الخليجية أن تأخذ دورا مهما في الصراعات الدولية، سواء عبر إعادة ترتيب إنتاج النفط حول العالم أو تسعيره، كذلك استخدام الشركات ذات الحضور الكبير في الشرق الأوسط لإعادة تركيز السياسات الخارجية وتحقيق المصالح القومية.
الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، رأى أن دور الدول الخليجية في الصراعات الدولية تصاعد مؤخرا، خاصة مع زيادة حدة الصراع على الطاقة ووقع الأزمة في أوروبا، مشيرا إلى أن عدم قطع العلاقات مع روسيا كان له أسباب عديدة، أبرزها التنويع في مصادر التسليح والمنظومة الأمنية.
قد يهمك: أزمة اقتصادية سياسية متفاقمة في ليبيا.. ما تأثيرها على معدلات الهجرة؟
مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الدول الخليجية تلعب دورا هاما في العلاقات والصراعات الدولية، لأنها جزء من تلك الصراعات. فالصراعات الآنية هي صراعات على الطاقة، حيث تعمل الدول الخليجية على خلق نوع من السياسات المتوازنة، وأخذ هذا الملف في فكرة المناورات السياسية. الدول الخليجية استغلت هذا الصراع بصفة أنه صراع طاقة وخصوصا في أوروبا”.
تأثير الخليج على المستوى العالمي
مستقبل تأثير الدول الخليجية يواجه العديد من التحديات، خاصة فيما يتعلق بالملف الإيراني و”الحوثيين”، فبرأي مشرف فإن زيادة التوترات في المنطقة من خلال استمرار المشاريع الإيرانية، قد يكون معطّلا للجهود الخليجية في التأثير الدولي، خاصة وأنها ستكون منشغلة في مواجهة المخاطر القادمة من طهران ومن ملف “الحوثيين”.
دول الخليج العربي، راجعت مؤخرا طريقة تعاطيها مع الجانب الأميركي، كذلك الأخير انسحب بشكل جزئي من تطوير علاقاته مع السعودية، خاصة بعد أن عملت الأخيرة على التنسيق مع الجانب الروسي بشأن طريقة وكم إنتاج النفط العالمي، ذلك ما أثار حفيظة واشنطن التي تُراجع هي الأخرى علاقاتها مع الرياض.
عدم قطع الرياض علاقاتها مع موسكو له العديد من الأوجه والأسباب، أهمها ربما الحلف الإيراني الروسي الذي تشكل خلال العام الفائت، بعد التعاون العسكري المتصاعد بين الجانبين.
ربما تسعى الرياض إلى الحفاظ على خط مفتوح مع روسيا، من أجل الملف الإيراني، خاصة مع تراجع احتمالية إحياء الاتفاق النووي، وسير المشاريع الإيرانية، إذ ربما يكون هناك اتفاق مستقبلي أحد بنوده ضغط روسيا على إيران من أجل وقف أو الحد من مشاريعها في الشرق الأوسط بما يخدم مصالح الخليج.
حول عدم قطع العلاقات بين الرياض وموسكو أضاف مشرف، “عمدت دول الخليج، إلى عدم قطع العلاقات مع روسيا من أجل تنوع مصادر السلاح بالنسبة إلى الدول الخليجية التي كانت تعتمد على الولايات المتحدة الأميركية فقط حتى في التسليح والمنظومة الأمنية، الآن تعمل على عدم الاعتماد على مصدر واحد، واستغلت الحرب الأوكرانية في ذلك”.
تأثير الشركات
عن تأثير الشركات ذات الوزن الثقيل في الشرق الأوسط على الصراعات الرئيسية، خاصة فيما يتعلق بالحرب الدائرة في أوكرانيا، مشرف أشار إلى أن “هناك شركات متعدد الجنسيات تتبع الحكومات وكيانات دولية، استفادت في ملف مصادر الطاقة، لكن هناك شركات أيضا استفادت من بترول إيران وروسيا في السوق السوداء. بعد فرض العقوبات على روسيا وإيران عمدت بعض الشركات إلى بيع نفط روسيا وإيران في السوق السوداء مع الأسف”.
من بين أحد أبرز الملفات التي تؤرق الدول الخليجية في دورها في المنطقة والعالم، ملف التحركات التركية الخارجية، وهنا أوضح مشرف، أن مبدأ الثقة قد يكون غائبا بين الخليج وتركيا خاصة مع وجود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
أبرز الهواجس التي يخشاها الخليج هي “فكرة الأناضولية”، إذ ترى بعض دول الخليج أن أردوغان ما تزال لديه هذه الفكرة، للتمدد نحو الدول العربية ومصر وشمال إفريقيا، وذلك رغم التغير الظاهري للسياسة التركية مؤخرا.
حول ذلك أضاف مشرف، “الخليج يرى أن هناك فكرة في أنقرة ما تزال موجودة، كما عملت الدولة العثمانية سابقا، عبر السيطرة على الجزيرة العربية وبلاد الشام وشمال إفريقيا، لديهم فكرة أن أردوغان لن يتخلى عن هذه الفكرة، رغم أن أردوغان بدأ بالعمل بمبدأ النظرية السياسية الواقعية، وهي صفر مشاكل في الداخل والاستفادة من كافة الملفات للسياسة الخارجية التركية والأمن القومي”.
من بين العوامل التي ساعدت الدول الخليجية لتنامي دورها في الصراعات الدولية، ما تتمتع به من ثقل اقتصادي ومالي وما يتوفر لديها من موارد نفطية ضخمة. فوفقا لبيانات “صندوق النقد الدولي”، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بالأسعار الجارية بنسبة 18.3 بالمئة خلال عام 2021، ليبلغ نحو 1.68 تريليون دولار، مقابل 1.42 تريليون دولار في عام 2020، لترتفع نسبته في الاقتصاد العالمي إلى 1.75 بالمئة في العام الماضي، محتلا المرتبة الـ 12 عالميا، مقارنة بالمرتبة الـ 13 في 2020.
عززت هذه القدرات الاقتصادية من نشاط ودور دول الخليج العربية ضمن التكتلات الدولية المهمة، حيث انضمت السعودية إلى “مجموعة العشرين”، التي تضم أكبر الاقتصادات العالمية، فيما أصبحت دولة الإمارات مراقبا في هذه المجموعة وشاركت في اجتماعاتها الأخيرة بفاعلية.
لكن عدم اتخاذ دول “مجلس التعاون الخليجي” موقفا صريحا من الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، قد يمثل تحديا واضحا بالنسبة لهذه الدول وعلاقتها مع الغرب والولايات المتحدة، على الرغم من أنها تدافع عن اتخاذها هذا الموقف الحيادي، وما يحقق لها من مصالح هامة، فضلا عن أن المحللين في الخليج يرون أن موقف دولهم هذا قد يساعد في لحظة ما على التوسط لإنهاء الحرب.
ربما سيكون خلال الأشهر القادمة، دورا فاعلا لدول الخليج في الصراعات الدولية، خاصة مع التعقيدات المتداخلة في المواجهات الدائرة في أوكرانيا، فدخول الخليج في وساطات محتملة قادمة، قد يساعد الخليج على تعزيز دوره الدولي، لكن هذا بالتأكيد مرتبط بنجاحه في الحفاظ على أمن المنطقة ومنع إيران من تنفيذ مشاريعها العدائية التي تؤثر بالدرجة الأولى على مصالح وأمن الخليج العربي.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.