خبر تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، احتل صدارة وسائل التواصل الاجتماعي في السودان وبعض الدول العربية، حيث أعلن السودان، في 2 من شباط/فبراير الحالي، الاتفاق مع إسرائيل “على المضي قدما في سبيل تطبيع العلاقات بين البلدين وتطويرها في مختلف المجالات.

مواصلة للاتصالات السابقة بين السودان وإسرائيل، قام وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين يرافقه وفد من وزارة الخارجية الإسرائيلية، بزيارة للسودان استمرت لبضع ساعات، التقى خلالها بوزير الخارجية علي الصادق وعددا من المسؤولين في الدولة، كما التقى في ختام الزيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، بحسب بيان صادر عن الخارجية السودانية.

المباحثات بين الجانبين، تطرقت إلى تطوير علاقات البلدين في المجالات المختلفة خاصة الزراعة والطاقة والصحة والمياه والتعليم، وجاء في البيان أيضا بأن “الجانب السوداني حث الطرف الإسرائيلي على العمل لتحقيق الاستقرار والسلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني”، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السودانية “سونا”.

كوهين لدى عودته إلى مطار “تل أبيب” تحدث لصحفيين بأنه “في إطار الزيارة التي أجراها، تم الاتفاق على توقيع معاهدة سلام بين السودان وإسرائيل، بعد أن يتمّ تشكيل حكومة مدنية في الخرطوم، وأن اتفاقية السلام ستفتح الباب أمام السودان لإقامة علاقات قوية مع الولايات المتحدة”، بحسب موقع “العربية نت”.

دوافع التطبيع

الناظر للمشهد السياسي السوداني يجد أن فيه الكثير من المتغيرات، سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ومتغيرات في المحيط المحلي وفي المحيط الإقليمي والدولي أيضا، بحسب حديث مدير مركز “العاصمة للدراسات الاستراتيجية والسياسية” الباحث حسن الشايب دنقس ، لـ”الحل نت”.

دوافع التطبيع مع إسرائيل، أتت في ظروف صعبة جدا في مرحلة تعاني فيها الخرطوم من عدم الاستقرار السياسي، لكن يعتقد دنقس، بأن المتغير المحلي وخاصة في ظل تباين رؤى القوى السياسية السودانية فيما بينها وعدم اتفاقها على رؤية وطنية جامعة، ربما جعل من المكون العسكري أن يخطو بخطوات مثل هذه، وفق تعبيره.

قد يهمك: الدستور الانتقالي.. هل ينهي الأزمة السياسية في السودان؟

في ظل فراغ دستوري كبير، يقوم المكون العسكري بقيادة السودان الآن، لكن في هذا الوضع لايعتقد دنقس، بأن هذا الاتفاق يمكن أن يلبي طموحات الشارع السوداني، باعتبار أن الموازنة السياسية تقول إنه في “حالة إبرام أي معاهدة وأنت في موطن ضعيف وفي هشاشة وتعاني من عدم الاستقرار لن تحقق المكاسب المرجوة في هذا الأمر وهذا شيء طبيعي”.

  القوة الإقليمية والدولية، من وجهة نظر دنقس، تارة تستخدم سياسات برفع العقوبات عن السودان، وتارة أخرى بالدعم الدولي للسودان، وتقديم دعم اقتصادي كبير له، هذا هو الشرك الذي يتم نصبه من قبلها لتحقيق مكاسبها، وخاصة مع الدول التي تعاني من عدم الاستقرار، إذ يتم التعامل معها تعامل خاص، بمعزل عن أي دولة أخرى، وفق تعبيره

تحول الموقف

المنطق الأساسي لتوقيع السودان اتفاق سلام مع إسرائيل، بني على فكرة تحقيق مكاسب مشتركة لم يحاول أي من الطرفين إخفاءها، بحسب موقع “اندبندنت عربية” فمن ناحية إسرائيل، يلعب التاريخ دورا أساسيا في سياستها وعلاقاتها في المنطقة العربية عموما، انطلاقا من أن رسالتها هي “رسالة تاريخية”، لذا تجد ملامحها في كل اتفاقيات السلام، وعلى ذلك يمكن تفسير التحول في الموقف السوداني بما حمله من رمزية انطلاقا من محطات تاريخية معينة.

الاتفاق ينظر إليه على أنه سيزيل حال العداء التاريخي، بسبب مشاركة السودان خلال حرب 1948 حيث انضمت ست سرايا عسكرية سودانية إلى القوات المصرية في محاربة إسرائيل. وكذلك استضافت الخرطوم في عام 1967 قمة “جامعة الدول العربية” بعد وقت قصير من انتهاء حرب “الأيام الستة”. وأعلن في القمة عما سمي “اللاءات الثلاث”، أي “لا سلام مع إسرائيل، ولا اعتراف بإسرائيل، ولا مفاوضات مع إسرائيل”.

رئيسة قسم الدراسات الإفريقية في جامعة “تل أبيب” إيريت باك، ذكرت بأن “الوضع الجيوسياسي للخرطوم قد يكون مثيرا للاهتمام للغاية بالنسبة لإسرائيل، لجهة أنها ستكون الجسر بين شمال إفريقيا، وإفريقيا جنوب الصحراء. فإن السودان أيضا، ينظر إلى علاقات إسرائيل مع إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان، وإذا كان هو الدولة الرابعة في هذه المجموعة فستمثل كتلة جيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي، يمكن أن تتداخل مصالح سياساتها الإقليمية والأمنية في منطقة البحر الأحمر، وقضية سد النهضة”، وفقا  لـ”أندبندنت عربية”.

بالنسبة لكثير من قطاعات الأعمال السودانية والإسرائيلية، فقد ركزت على أن يسهل الاتفاق عقد صفقات تجارية مربحة واستثمارا في المجال الزراعي وتصدير المنتجات الزراعية، والتعاون التقني وغيره. وأن تتحول إسرائيل من استيراد اللحوم من أميركا الجنوبية إلى السودان، كما تسعى للحصول على إذن لطائراتها للتحليق فوق السودان ما يساعد في تقليص عدد الساعات من وإلى أميركا الجنوبية.

مجلس “السيادة الانتقالي” يراهن على أن الاتفاق سيمكن السودان من تطوير علاقاته مع الولايات المتحدة ويرفع العقوبات فضلا عن المساعدات الاقتصادية والعسكرية والإعفاء من الديون.

جبهة معارضة

أحزاب سودانية، عبرت عن رفضها لاتجاه الحكومة الانتقالية في البلاد إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، جاء ذلك في بيانين أصدرهما “حزب المؤتمر الشعبي”، وتكتل “التيار الإسلامي العريض” والذي تأسس في نيسان/أبريل 2022 ويضم 10 أحزاب إسلامية، وذلك بعد إعلان وزارة الخارجية السودانية الاتفاق مع إسرائيل.

“التيار الإسلامي العريض”، وبحسب البيانات، “يستغرب من جرأة قائد الجيش الذي لا يحمل أي تفويض يخول له التصرف بهذا التحدي في قضايا مفصلية لا يحق لجهة أن تبت فيها دون تفويض شعبي وجماهيري”، بحسب موقع “الأناضول”.

اقرأ أيضا: أزمة السودان الاقتصادية تربك أسواق العقارات والسيارات.. الأسباب والعواقب؟

من جانبه، يرى “حزب المؤتمر الشعبي”، بأن “وسائل الإعلام تحدثت عن محاولات واتجاه بعض أركان الحكم الانتقالي للتطبيع باسم السودان مع إسرائيل، وأن الحكومة الانتقالية بمختلف مؤسساتها لا يحق لها اتخاذ أي موقف في القضايا الأساسية والمصيرية، في إشارة لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل”.

بيان “حزب المؤتمر الشعبي” يرى أن “الغرض من هذه المحاولة اليائسة، أن يظل السودان تحت حكم العسكر بدعم إسرائيل، وذلك ما يناقض الدعوات والترتيبات الرسمية لتحقيق التحول الديمقراطي”.

واشنطن كانت قد منحت السودان في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2020 مهلة 24 ساعة لقبول تطبيع العلاقات مع إسرائيل في مقابل الحصول على مساعدة مالية وشطب البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما أحدث انشقاقا بين المكونين العسكري الذي وافق مباشرة، والمكون المدني الذي انقسم أيضا بين معارض ومؤيد أعلن استعداده للتعايش مع التطبيع. وبعد ذلك، ألغى مجلس الوزراء قانون “المقاطعة الإسرائيلي” الذي يعود إلى أكثر من 60 عاما، كما صادرت السلطات أصول شركات مرتبطة بحركة “حماس”، بحسب “أندبندنت عربية”.

عملية التطبيع بين السودان وإسرائيل يراها مراقبون بأنها معقدة وبطيئة، وإذا تمت فستكون غير مستقرة، وستتعرض لنكسات مستمرة، لأن الأطراف السياسية لكلا الجانبين تحاول الاستفادة إلى أبعد حد منها.

في حال تم توقيع اتفاقية السلام بين تل أبيب والخرطوم، سيكون السودان سادس دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل بعد مصر 1978 والأردن 1994، والإمارات والبحرين والمغرب 2020.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.