بعد حوالي 3 أشهر على توقيع المملكة العربية السعودية 34 اتفاقية مع الصين، أحيا ارتفاع أسواق الأسهم الخليجية الأربعاء الفائت، آمال المستثمرين الخليجيين حيث أدى النمو القوي في نشاط الصناعات التحويلية الصيني إلى إلى انتعاش الآمال لدى أكبر مستورد للخام في العالم لتعويض التباطؤ العالمي ويزيد الطلب على النفط.

منطقة “مجلس التعاون الخليجي” واجهت حتى الآن تحديات عالمية، حيث تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي إلى 6.9 بالمئة في عام 2022، مدفوعًا بارتفاع أسعار النفط ومعدلات نمو أقوى في القطاعات غير النفطية. لكن الإصلاحات المهمة للابتعاد عن الاقتصاد الذي يسيطر عليه النفط ستكون أساسية لضمان الآفاق الاقتصادية للمنطقة، وهذا ما لا تخدمه الاتفاقيات التي وقعتها الرياض مع بكين.

الورقة الرابحة لواشنطن في الجغرافيا السياسية الخليجية، هي التعاون الأمني ​​المعزز للقدرات، إذ من المرجح أن يكون الاختبار الحقيقي للنهج الأميركي هو مبيعات الأسلحة الصينية للمملكة. حتى الآن، على عكس الإمارات العربية المتحدة، اقتصرت مشتريات السعودية من الصين على السلع التي رفضت الولايات المتحدة بيعها، وخاصة الطائرات بدون طيار والصواريخ، وهذا لا يمنح الخليج قدرة الاستغناء عن التعاون مع الغرب، إذ لا تشكل الاتفاقيات مع الصين أي بصيص أمل في الاعتماد الكلي عليها، خصوصا وأن سياسة الحزب “الشيوعي” الصيني في الشرق الأوسط هي التوسع وليس إنشاء تحالفات.

مخاطرة محفوفة بالفشل

كان المستثمرون الخليجيون حذرين بشكل متزايد عندما يتعلق الأمر بالتعاون مع الصين في السنوات الأخيرة. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تصور أن مثل هذا التعاون يمكن أن يؤدي إلى خسائر كبيرة، وأضرار محتملة لا يمكن إصلاحها لأعمالهم. في حين أن بعض المستثمرين الخليجيين قد يأملون في الاستفادة من المكاسب الاقتصادية المزعومة لمثل هذا التعاون، إلا إن نظرة فاحصة على المخاطر والتحديات المرتبطة به تكشف أنه قد يكون مخاطرة هائلة.

فمن ناحية، يمكن للمستثمرين الخليجيين الاستفادة من الوصول إلى السوق الصينية، وهي فرصة لم يكن من الممكن تحقيقها بخلاف ذلك بسبب الرقابة الصارمة التي تتمتع بها الدولة الصينية على الاستثمارات الأجنبية. تشتهر الشركات الصينية بتكاليفها العامة المنخفضة، مما يمنح المستثمرين الخليجيين القدرة على تحقيق المزيد من الأرباح مع مخاطر أقل. قد يكون هذا جذابًا بشكل خاص للمهتمين بالاستثمارات الدولية ذات المخاطر الأقل من الاستثمار محليًا في الخليج.

لسوء الحظ، قد تكون المخاطر المصاحبة عالية إلى حد كبير. على سبيل المثال، يعتمد الاقتصاد الصيني بشكل كبير على الدولار الأميركي، مما يعني أن أي تحولات في سعر الصرف قد تتسبب في خسائر كبيرة للمستثمرين الخليجيين. للشركات الصينية أيضًا تاريخ طويل في استغلال المستثمرين الأجانب. حتى عند إبرام اتفاق، كانت هناك حالات من انخراط الشركات الصينية في ممارسات تجارية غير أخلاقية، مثل دفع الأجور بأقل من قيمتها واستغلال الموارد. قد يتعرض المستثمرون الأجانب أيضا لخطر فقدان استثماراتهم في حالة تغير المناخ السياسي في الصين، حيث لا يتم تحصين الاستثمارات الأجنبية دائما من مثل هذه الأحداث.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلة رئيسية في هذا التعاون تتمثل في الافتقار إلى الشفافية. على الرغم من وصفها بأنها فرصة استثمارية جذابة، إلا أن المستثمرين الخليجيين في وضع غير مؤاتٍ للغاية بالمقارنة مع نظرائهم الصينيين. غالبًا ما تكون الشركات الصينية مبهمة عندما يتعلق الأمر بالكشف عن المعلومات، مما يعني أن أي معلومات يعتمد عليها المستثمر قد لا تكون دقيقة تمامًا. قد يكون من الصعب أيضًا على المستثمرين معرفة الهوية الحقيقية لنظرائهم، حيث تستخدم الشركات الصينية غالبًا شركات وهمية للتعتيم على هويتهم الحقيقية.

لذا من الواضح أنه توقيع 34 اتفاقية بقيمة عالية وفي مجالات مختلفة بين “مجلس التعاون الخليجي” وبكين يستوجب على المستثمرين الخليجيين تقييم فوائد هذا التعاون في مواجهة المخاطر والتحديات المحتملة. في حين أنه قد يكون هناك بعض الاحتمالات لتحقيق مكاسب، إلا أن المخاطر المرتبطة بها قد تؤدي إلى خسائر كبيرة للمستثمرين الذين قد لا يكونون مؤهلين للتعامل معها.

البوصلة لا تتجه شرقا

في حين أنه لا يزال من المتوقع أن تنمو دول الخليج من خلال الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.7 بالمئة في عام 2023، وهو مستوى أعلى بكثير مقارنة بالانكماش المتوقع على مستوى العالم بنسبة 2.9 بالمئة. ومن المتوقع أن تحقق دولة الإمارات العربية المتحدة أعلى معدل نمو بنسبة 4.1 بالمئة، مع ارتفاع عائدات النفط مدعومًا بالدخل من السياحة الدولية، ومناخ الأعمال المواتي واتفاقيات التجارة الحرة الثنائية الأخيرة بعيدا عن التي عقدت مع الشركاء الآسيويين. وبدورها، تستعد الكويت لتسجيل أبطأ وتيرة نمو بين أقرانها في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 2.0 بالمئة، مقارنة بـ 8.8 بالمئة العام الماضي، مما يعكس اعتمادها على إنتاج النفط والطلب في السوق.

لا تزال معدلات التضخم في دول “مجلس التعاون الخليجي” دون المستويات الإقليمية والعالمية وتتراجع بشكل أسرع، ومن المتوقع أن تبلغ في المتوسط ​​حوالي 2.7 بالمئة في عام 2023، انخفاضا من 3.2 بالمئة في عام 2022. إذ تم قمع التضخم من خلال وضع سقف للأغذية والوقود وغيرها من الإعانات التي خفضت تكلفة المعيشة للأسر.

عززت هيمنة النفط اقتصاد “دول مجلس التعاون الخليجي” في عام 2022، لكن الإصلاحات مهدت الطريق لازدهارها في المستقبل.

المصدر الرئيسي للإيرادات المالية لدول الخليج هو عائدات صادراتها من النفط. في حين أن سعر النفط قد انخفض، إلا إنه لا يزال أعلى من مستويات ما قبل الوباء وتتوقع أسواق العقود الآجلة أن تظل الأسعار مرتفعة في عام 2023، مما يدعم اقتصادات الدول الخليجية.

الخبير المالي في السوق الخليجية، رياض حجازي، أوضح لـ”الحل نت” أنه بعيدا عن السياسية ولغة الدبلوماسية، فإن استثمار الصين في الخليج كان مثار جدل في الأشهر الأخيرة داخل أروقة الاقتصاديين، مع اتهامات بتورط البلاد في جرائم مالية وممارسات تجارية غير عادلة وتدخل سياسي في شؤون المنطقة. في حين أن وجود الصين في الخليج مهم، إلا أنه يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها وجود مشبوه يعوق تطوير سوق أكثر شفافية وخالية من الفساد.

منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت الصين مستثمرا رئيسيا في منطقة الخليج. برزت الصين مؤخرا كواحدة من أكثر القوى تأثيرا في المنطقة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. في عام 2019، أفيد أن الصين استثمرت أكثر من 6 مليارات دولار في الإمارات العربية المتحدة وحدها، مما يجعلها ثاني أكبر مستثمر دولي في البلاد. علاوة على ذلك، انتشرت استثمارات الصين في جميع أنحاء المنطقة، حيث تم استثمار 46 مليار دولار في المملكة العربية السعودية و 38 مليار دولار في قطر.

على الرغم من الفوائد الاقتصادية لاستثمارات الصين، أثارت العديد من التقارير والتحقيقات مخاوف الاقتصاديين بحسب حجازي، بشأن طبيعتها المريبة. تتعلق أكثر الاتهامات التي تم الإبلاغ عنها على نطاق واسع بالاحتيال في الاستثمار واختلاس الأموال. على وجه الخصوص، تم الإبلاغ على نطاق واسع عن إساءة استخدام الأموال للعقارات الفاخرة، والتأشيرات المكتسبة عن طريق الاحتيال، وخطط القروض المبهمة. علاوة على ذلك، فإن التدخل السياسي للصين نتيجة لاستثماراتها بات متوقع، حيث تحاول بكين استخدام ثقلها الاقتصادي للسيطرة على موارد المنطقة وسلطات صنع القرار.

باختصار، يفيد حجازي أن “استثمارات الصين في الخليج دعمت النمو الاقتصادي بلا شك. ومع ذلك، فقد شاب تدخل البلاد اتهامات بالاحتيال الاقتصادي، والتحايل على اللوائح، والتدخل السياسي. وهكذا أصبح يُنظر إلى وجود الصين في المنطقة بشكل متزايد على أنه موضع شك، وبالتالي من الضروري أن تؤخذ استثماراتها على محمل الجد وأن يتم فحصها بدقة لضمان الشفافية والإنصاف. فقط من خلال ممارسة هذا الحذر يمكننا ضمان مساهمة استثمارات الصين في الخليج في تنمية المنطقة بطريقة إيجابية، وهو الذي يراهن عليه الاقتصاديون”.

التنوع يقضي على طريق التطوير

الباحث في شؤون الشرق الأوسط والمسؤول السابق في “البنتاغون”، بلال صعب، يؤكد بأن الأمن ينطوي على ما هو أكثر بكثير من مبيعات الأسلحة وتحديد معايير الضمانات الأمنية الأميركية. لذا فإن الشراكة مع الصين لم تكن سوى هروب نحو تعزيز الأمن العسكري الذي أثبت فشل بعد تنفيذ رؤى غير متكاملة.

صعب بيّن أنه بعد أربع سنوات من الإصلاحات العسكرية لا تزال تكافح الرياض من أجل توفير التوجيه الاستراتيجي والتشغيلي والتكتيكي السليم لقواتها المسلحة، ولديها “صعوبة بالانخراط في التحليل الدفاعي المنهجي والتخطيط الاستراتيجي”.

علاوة على ذلك، ووفقًا للمسؤول السابق، فإن وزارة الدفاع السعودية “لديها قدرة ضئيلة على تحديد وتدريب ونشر قوة قادرة تقنيا والاحتفاظ بها بشكل فعال. ونادرا ما يتم تطبيق سياسات ووظائف واستراتيجيات إدارة الموارد البشرية التي تسمح بتجنيد الأفراد العسكريين وتدريبهم وترقيتهم وتعيينهم وتقاعدهم، لا تقوم الأكاديميات العسكرية بتعليم أو إنتاج قادة سعوديين أكفاء”.

لذا فإن الترويج بشراكة الصين اقتصاديا بينما هي غطاء لتدعيم القدرات العسكرية، حتما برأي حجازي سيستغله الحزب “الشيوعي” الصيني في تنفيذ أجنداته، بينما لن يكون هناك أي فائدة مروجة لصناع الاستثمار في الخليج، وتنفيذ رؤية المملكة لعام 2030.

في السنوات الأخيرة، أكدت الولايات المتحدة بشكل متزايد على الصراعات الجيوسياسية والتعقيدات الأمنية المحيطة بالخليج العربي. جزء رئيسي من هذا كان دور الصين  كشريك اقتصادي ووجود عسكري متزايد. مع تصارع عدة قوى دولية مثل إيران وروسيا والصين على النفوذ في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية سواء عسكريا أو عبر شراكات اقتصادية، كان على واشنطن أن تجد طرقا جديدة لشرح هذه الأفق، والتأكيد على التزامها بالشراكة مع دول الخليج.

هذه التحديات تكمن في عدم التّوصل بعد إلى حلّ للملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في عدد من دول المنطقة، مثل اليمن وسوريا ولبنان والعراق، بجانب التنافس الصيني على المنطقة. إزاء ذلك كلّه تعززت رؤية واشنطن من خلال الاجتماع الأخير الذي حصل بين كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع عدد من المسؤولين الخليجيين في الرياض، في نهاية شباط/فبراير الفائت. 

المسؤول السابق في “البنتاغون”، بلال صعب، قال إن السعوديين لا يعطون الأولوية للمهام أو القدرات بشكل صحيح ولا يعرفون كيفية تحديد متطلباتهم العسكرية بشكل صحيح.

لذلك، كان هذا الاجتماع لبحث الخطوات التي يمكن تؤرق دول الخليج العربي وتسببت في جنوحها نحو الصين وتوقيع اتفاقيات معها. حيث نوقش بناء تحالف دفاعي إقليمي فعّال قادها المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي، ومسؤولة سياسة الشرق الأوسط في “وزارة الدفاع الأميركية” (البنتاغون) دانا سترول، والمدير بالإنابة لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية كريستوفر لاندبرغ، بالإضافة لمسؤولين وعسكريين من السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عُمان.

وفقا للجنرال مايكل إريك كوريلا، القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية في الشرق الأوسط، يعمل الجيش الأميركي مع السعودية لتطوير أول رؤية للأمن القومي على المدى الطويل والتي من شأنها تقنين “الرؤية الإستراتيجية للمملكة للأمن القومي والأمن الإقليمي”. لذا من الناحية المثالية، مع الاعتراف بأنه ليس لدى الخليج بدائل حقيقة في هذا المجال، وأن الاتفاقيات التي وقعت مع بكين لا يمكن أن تلبي اهتماماتها العسكرية، كون بكين في الأصل متحالفة مع أعداء الخليج، وأيضا من الناحية الاقتصادية لا يثق المستثمرون الخليجيون بالشراكة مع الصين كما يثقون بغيرهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.