مع بداية عام 2012 شارك “حزب الله” اللبناني في الحرب إلى جانب القوات الحكومية السورية، إذ كان ميالا آنذاك لإخفاء مشاركته في القتال واقتحام البلدات والمدن السورية، حيث تدرج في إعلان موقفه السياسي من الحراك ليعلن اصطفافه السياسي والعسكري الكامل مع الحكومة السورية. كما أخذ على عاتقه مسؤولية برامج الدعاية المؤيدة لها في عموم المنطقة العربية.

لم يكن “حزب الله” صاحب قرار استراتيجي مستقل، فالقرارات تُتخذ من طهران وليس في ضاحية بيروت الجنوبية، ومشاركة “الحزب” في الحرب السورية إلى جانب حكومة دمشق، هي بالضرورة أهداف إيرانية، ودور “حزب الله” بالنسبة لطهران كذراع متقدمة لها في منطقة المشرق العربي، هو ما دفعها لتجنيد كافة قواها غير الإيرانية للمشاركة في الحرب بسوريا لمنع سقوط نظام الحكم وقيام نظام جديد معاد لها.

إلى الآن ما تزال سوريا تشكل خلفية داعمة لمشاريع “الحزب” التي ترعاها طهران، حيث تعد بمثابة شريان الحياة الذي يمده بالسلاح والعتاد على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على الحرب، ولا يُعلن “حزب الله” رسميا عن عدد مقاتليه في سوريا، والذي يتغير بين يوم وآخر تبعا للعناصر المكلّفين بمهمة محددة، بالإضافة إلى نوعية هذه المهمة، وفق لمحللين عسكريين.

دور الحزب في سوريا

بعض المسؤولين الكبار بـ”حزب الله” يشرفون فقط على تدريب عناصر الميليشيات الإيرانية على القتال بعدما كانوا في المرحلة الأولى من دخولهم إلى سوريا يشاركون شخصيا بالمعارك، كما أن معظم عناصر “الحزب” اليوم هم من الفئة الشابة من وحدة التعبئة، بعدما تم سحب معظم المسؤولين العسكريين الكبار والكوادر، خوفا من استهدافهم كما حصل مثلا مع عماد مغنية ومصطفى بدر الدين، إذ إن الحرب أدخلت “الحزب” في حرب استنزاف لكوادره لا يزال يعاني من تداعياتها حتى الآن، وفق لموقع “العربية نت”.

“حزب الله” يأخذ اليوم دور “الحرس الثوري” في سوريا، إذ يقوم بعمليات التجنيد والتدريب لعناصر الميليشيات الموالية لإيران، بعد ضمان ولائهم لـ”ولاية الفقيه”، وهو يُشرف أيضا على القوات الموالية لطهران في منطقة البادية السورية، حيث يسعى “الحزب” إلى أن يكون هو القوة الضاربة في سوريا، وأن يأخذ الصدارة من “الحرس الثوري”، بحسب حديث الصحفي عهد الصليبي لـ”الحل نت”.

قد يهمك: ما علاقة “حزب الله” بالدفاع الجوي الإيراني في سوريا؟

مهمة “حزب الله” الاستراتيجية هي مساندة الحكومة السورية بالدرجة الأولى، وفق صليبي. ولا سيما أن التواجد الروسي تضاءل نتيجة الحرب في أوكرانيا، كما يحاول “الحزب” خلق ميليشيات محلية تابعة له في سوريا، على غرار ما يفعله “الحرس الثوري”، إذ إن وجوده لم يعد مقتصرا على العمليات الميدانية والقتال، بل بات لتعزيز الوجود الاجتماعي، وهذا مهم بالنسبة لطهران كونه يشكل صلة وصل ثقافية مع السوريين لتنفيذ مشروعها، وفق تعبيره.

عناصر “حزب الله” في سوريا يعملون اليوم ضمن وحدات أمنية موجودة داخل الحزب، لكل واحدة منها عمل محدد، والوجود الأكبر للحزب في سوريا هو عبر الوحدتين، “9000” التي تعرف بـ”وحدة الأمن الوقائي والنقل في سوريا”، و”8000″ التي تُعرف بـ”الوحدة العسكرية”، بالإضافة إلى وحدة التدخل “4100”. كذلك تعمل إلى جانب هذه الوحدات، “وحدة النقل 4400” في سوريا، إذ إن مهمتها الأساسية نقل العتاد والآليات العسكرية، وفق ما أفادت به مصادر مطلعة لموقع “العربية نت”.

استغلال الأزمات

الدور الذي يلعبه “حزب الله” خضع لكثير من التحولات خلال الحرب في سوريا، وتحول من النشاط العسكري إلى عدة نشاطات أخرى مترافقة مؤخرا، منها الأمني والدعوي والتدريبي والتجنيد. وأيضا هناك نشاطات أخرى غير شرعية تتعلق بالتعاون مع شبكات المخدرات وتأمين خط التهريب من لبنان إلى سوريا فالأردن، بحسب حديث الباحث السياسي المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، عباس شريفة، لـ”الحل نت”.

هناك أيضا انتشار لـ”الحزب” في الجنوب السوري، كما يحاول التواجد، على الحدود الإسرائيلية، وفق شريفة. ويكثف الحزب مؤخرا من عمليات تجنيده للسوريين بشكل كبير من خلال استغلال ظروفهم المادية المتدنية، حيث يسعى جاهدا لإيجاد قواعد اجتماعية خصوصا في المناطق التي يكثر فيها التواجد الشيعي مثل السيدة زينب في دمشق.

جزء من “الحزب” لا يعمل بشكل مستقل إنما يعمل بشكل واضح ضمن النفوذ الإيراني، ونتيجة تضاؤل التواجد الروسي امتدت إيران إلى الكثير من القواعد العسكرية خصوصا بمناطق دير الزور والمنطقة الشرقية على العموم، وتم تعبئة هذه الأماكن أو المناطق من خلال الميليشيات الإيرانية وعلى رأسهم “حزب الله”، وفق شريفة.

شريفة يرى بأن عناصر “حزب الله” المتواجدين في سوريا ليس جميعهم مقاتلين، وإنما هناك جماعات ثقافية دعوية منهم، تقوم بنشر التشييع وأيضا لهم تواجد اقتصادي، حيث يحاول “الحزب” الاستثمار وإيجاد موارد لاقتصاد الحرب في ظل الأزمة التي تعيشها إيران، وعدم قدرتها على تمويل ميليشياتها بشكل كامل، وهناك نشاط آخر يتمثل بتهريب للمخدرات وتصنيعها في سوريا، إلى جانب المهمات الأمنية وجمع المعلومات وهو أحد المهمات الأساسية التي يقوم بها “حزب الله”.

إضافة للأهداف الاستراتيجية التي هي تأمين الطريق البري الواصل من العراق إلى لبنان، يقول شريفة، إن “حزب الله تلقى الكثير من الدعم عبر إيران وبالتالي هو بحاحة لتأمين هذا الطريق، وهو يشارك خلال الآونة بتأمين طريق البوكمال الذي يمر من البادية إلى دمشق ثم بيروت، ومنه إلى بغداد فطهران، من أجل نقل الدعم اللوجستي والأسلحة إلى عناصر حزب الله في سوريا ولبنان، لذلك الحزب منخرط بهذا بشكل أساسي”.

اقرأ أيضا: هكذا بدأ تدخل حزب الله في سوريا.. وهذه كبرى المجازر التي ارتكبها

“الحزب” يتواجد في الشمال السوري وتحديدا في حلب باعتبارها نقطة ارتكاز استراتيجية له، ووجوده بالقلمون أيضا لتأمين الحدود السورية اللبنانية للعبور بطريقة غير مشروعة بعيدا عن مراقبة الدولة اللبنانية، بحسب شريفة. وأيضا تواجده في دمشق في منطقة السيدة زينب لأسباب طائفية وكما يتواجد في الجنوب السوري على حدود الجولان.

مواقع الحزب

دراسة أعدّها “مركز جسور للدراسات”، في وقت سابق، تضمنت عدد المواقع والنقاط التي يتمركز فيها “حزب الله” على الأراضي السورية، منذ عام 2013، بلغت 117 موقعا، منها مواقع مستقلة، وأخرى مشتركة مع مليشيات، ومع “الحرس الثوري” الإيراني. وبحسب الدراسة، فإن “الحزب” منذ نيسان/أبريل 2013 وحتى اليوم، انتشر في تسع محافظات سورية دون الاعتماد على حضوره المباشر فحسب، بل بعد إنشاء شبكات محلية تدين بالولاء له.

الدراسة توضح أن العدد الأكبر من نقاط انتشار “الحزب” كان في شمال غرب سوريا، وتحديدا على خط التماس الواصل بين ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وريف حلب الجنوبي والغربي، وصولا إلى ريف اللاذقية، ويعد الخط الأكثر انتشارا لـ”الحزب” في الوقت الحالي، ويضم ذلك الخط وفق الدراسة 55 نقطة، فيما يأتي الانتشار الثاني الأكبر في محافظتي درعا والقنيطرة جنوب البلاد بـ28 نقطة، تليها محافظة حمص بـ15 نقطة، بينما تتوزع بقية النقاط في كل من دير الزور ودمشق والسويداء.

بحسب الدراسة، فإن تلك النقاط تتوزع ما بين مرابض وكتائب مدفعية ومقرات قيادة وقواعد إمداد، ومعسكرات تجنيد وتدريب، منها ما يستقل الحزب بها بنفسه، ومنها مشتركة مع “الحرس الثوري”.

“حزب الله” اللبناني يعد من أبرز القوات الأجنبية التي تقاتل في سوريا إلى جانب القوات الحكومية بحسب مراقبين، وكان له دور كبير في عمليات العسكرية ضد قوات المعارضة، وبخاصة في ريف حمص ومنطقة القلمون الغربي ومحيط العاصمة دمشق، ولا تقتصر أهمية سوريا لـ”الحزب” على دورها كقناة للدعم المالي والمادي، فقد وفرت دمشق على مدى السنوات الماضية ملاذاً آمناً لمعسكرات تدريب “حزب الله” وتخزين لأسلحته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.