في حين تستقبل دول العالم الإسلامي شهر رمضان بأقل التحديات الممكنة، يبدو أن سوريا ستستقبله بأسوأ الظروف، وعلى كافة المستويات، ولا سيما واقع الكهرباء الذي لا يزال من أكبر المشاكل التي تواجه السوريين منذ أكثر من 10 سنوات، في جميع المدن والمحافظات السورية.

إن كشف وزير الكهرباء السوري غسان الزامل، قبل يومين، عن لا تعديل مهم على برامج التقنين خلال شهر رمضان ما لم يتم حدوث تحسّن في حوامل الطاقة، وتحديدا أوقات الإفطار والسحور، فإن ذلك يعبّر عن حجم وعجز الحكومة السورية توفير أبسط مقومات الحياة لمواطنيها. وهذا ما سبب الكثير من العقبات للمواطنين السوريين في الداخل، مثل عدم وجود الإنارة والتدفئة، وتوقف الأعمال ودراسة الطلبة وعمل المؤسسات الحكومية لساعات طويلة بسبب تقنين الكهرباء لأكثر من 20 ساعة في اليوم الواحد بعض الأحيان.

من هنا لا بد من التركيز على الواقع المأساوي للكهرباء في سوريا، وكيف أن عجز الحكومة عن توفير الكهرباء في شهر رمضان وتحديدا أوقات الإفطار والسحور، دليل على عجزٍ في مواردها وليس العكس كما تدّعي، بالإضافة إلى إبراز غياب الكهرباء من حيث مضاعفة تكلفة المعيشة على السوريين مقارنة برواتبهم الضئيلة وتداعيات ذلك ككل.

نفاد للموارد

وزير الكهرباء السوري، الزامل قال لصحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الأربعاء أنه لا تعديل مهم على برامج التقنين خلال شهر رمضان ما لم يتم حدوث تحسّن في حوامل الطاقة، وأن استطاعة وزارة الكهرباء على تأمين التيار في أوقات الإفطار والسحور رهن توفر الطاقة.

أما حول الاشتراكات المعفاة من التقنين “الخطوط الذهبية”، أضاف الزامل، أن الوزارة أوقفت منح هذه الاشتراكات لأنها وصلت لسقف الكميات المخطط تخصيصها والمقدرة بـ 400 ميغا واط، وهو ما يعادل حاليا 20 بالمئة من الطاقة المتاحة على الشبكة والمقدرة بنحو 2200 ميغا واط.

هذا الوضع المأساوي الذي يمر به السوريون، سببه المباشر الحكومة السورية، وهو دليل واضح على عجزها في تأمين الطاقة للمواطنين، على الرغم من ادعائها عكس ذلك، بأن تدمير المنشآت الكهربائية جرّاء الحرب يقف وراء هذه الأزمة الممتدة منذ سنوات طويلة، بحسب مراقبين.

على الرغم من إطلاق حكومة دمشق، خلال الفترات الماضية العديد من الوعود لتحسين وضع التيار الكهربائي، لكن الواقع كان يؤكد عجز الحكومة عن تنفيذ وعودها، حيث زادت ساعات التقنين في معظم المناطق السورية، وسط انخفاض الإنتاج.

إن عدم توفّر الكهرباء في شهر رمضان، لا سيما أوقات الإفطار والسحور حيث سيكون تناول الطعام إما على أضواء الشموع أو إنارة الشواحن، من شأنه أن يخلق ويعزز علامات البؤس لديهم، بل وربما قد يخلق العديد من المشاكل والضغوطات النفسية، التي دائما ما ينجم عنها مشكلات اجتماعية جمّة، من سرقات وحالات انتحار وتشتت الأًسر، بحسب مختصين.

قد يهمك: أزمة الكهرباء.. كيف تحولت لسبب يؤرق نوم السوريين وجيوبهم؟ – الحل نت 

الزامل زعم أن نحو 75 بالمئة من الخطوط الذهبية تذهب للمدن والمناطق الصناعية والمنشآت الحيوية، بينما تحصل المنشآت السياحية والتجارية التي لديها اشتراكات معفاة من التقنين على الربع المتبقي من الكميات المعفاة، معتبرا أن الهدف من الاشتراكات المعفاة من التقنين تحسين واردات وزارة المالية للحكومة السورية.

إلا أن بعض المصادر المحلية تقول غير ذلك، إذ إن الأحياء الراقية والتي يسكن بها المسؤولون، ينعمون بساعات كهرباء جيدة، حتى أن بعض الخطوط معفاة تماما من ساعات التقنين الكهربائي الجائر بحق السوريين.

زيادة أعباء المواطنين

الزامل توقّع أن يكون حجم الإنفاق الاستثماري وكلف أعمال تأهيل الشبكات نحو 1500 مليار ليرة في العام 2023، في حين أن إجمالي ما حققته الوزارة من قيم الفواتير وبيع الكهرباء لا يتجاوز ألف مليار ليرة، منها 800 مليار ليرة من المتوقع أن تحققها الاشتراكات المعفاة من التقنين. وبلغ ثمن الكيلو واط للخطوط المعفاة من التقنين حدود 450 ليرة للمنشآت الصناعية في حين يتجاوز 800 ليرة للمنشآت السياحية.

تأكيدا على عدم جدّية الحكومة في قراراتها، ذكرت تقارير محلية سابقة مطلع فصل الشتاء الفائت على لسان مسؤولين في مؤسسات تابعة لـ”وزارة الكهرباء السورية” أن وضع التقنين الكهربائي خلال الشتاء مرتبط بحوامل الطاقة وإذا كان هناك مردود إضافي بحوامل الطاقة فسيشهد تحسنا، وأن دمشق تسعى دائما لوضع كافة الإمكانيات لتحسين الواقع الكهربائي.

إلا أن واقع الكهرباء طوال الفترة الماضية وتحديدا في ذروة فصل الشتاء لم يشهد تحسّنا أبدا، بل ازداد سوءا. وبحسب مختصين، فإن كمية التوليد للكهرباء في سوريا أقل من الاستهلاك بنسبة كبيرة، وعمليات الصيانة للمحطات الرئيسية شبه متوقفة، وتقتصر الصيانة على الشبكات والأعمدة والأسلاك، وهذا هو السبب وراء عدم توفر الكهرباء، رغم ادعاءات الحكومة بتوفيرها في كل مرة.

المواطنون يقولون إن غياب الكهرباء يؤثر على حياتهم المعيشية، فالأسعار ترتفع نتيجة غياب الكهرباء، حيث تستخدم المصانع والمعامل والمحال التجارية وغيرها مولدات الكهرباء التي تعمل بالمحروقات لتقضية احتياجاتهم من التيار، وسط شحّ للمحروقات في عموم سوريا.

راتب الموظف الحكومي والمداخيل بشكل عام في سوريا لا يتجاوز الـ 200 ألف ليرة سورية، أي قرابة 20 دولارا، وفق سعر الصرف الحالي، حيث يساوي كل 7500 ليرة سورية دولارا واحدا فقط. وبالتالي هذا المواطن السوري الذي بات يقاتل على عدة جبهات اليوم، من العمل الوظيفي إلى عمل إضافي آخر إلى تقنين في المصروف الشهري وما إلى ذلك، أن يتحمل تكاليف إضافية لتوفير الكهرباء لعائلته.

الأوضاع إلى أين؟

عموم المحافظات السورية وتحديدا مناطق سيطرة الحكومة السورية تشهد تردّيا في الواقع الكهربائي، في ظل غياب برنامج تقنين منظم حقيقي، حيث وصلت ساعات القطع في بعض المحافظات إلى أكثر من 20 ساعة متواصلة، في حين يؤكد سكان بعض الأرياف البعيدة وأطراف المدن أن الكهرباء لا تصل إليهم بشكل متواصل لأكثر من 5 دقائق كل 24 ساعة.

استمرار غياب الكهرباء لساعات طويلة، يعود لعدم امتلاك دمشق لرؤية وخطط مستقبلية واضحة، وفق مراقبين. وبالتالي هذا يؤثر على مستقبل البلاد ككل، من ارتفاع الأسعار وزيادة حجم المشاكل الاقتصادية والتضخم والتحديات والأزمات الاجتماعية ككل، من زيادة وتيرة النزوح والهجرات فضلا عن تفاقم معدل البطالة والفقر.

كل ذلك يجري وسط انهيار قيمة الرواتب والأجور أمام هذا الواقع المعتم، على الرغم من تحذير العديد من الخبراء ضرورة معالجة الواقع الخدمي حتى يعيش المواطن السوري ويكمل مسيرة حياته اليومية بأقل الخسائر، أي ضرورة تحسين وضع الكهرباء وتوفير المحروقات ورفع مستوى الدخل وما إلى ذلك.

إن وقوف دمشق عاجزة عن إيجاد أي حلول لأزمة الكهرباء، إذ يبلغ الطلب على الكهرباء حاليا بين 6 و7 آلاف ميغا واط، في حين لا يتجاوز المتاح حاليا 2200 ميغا، بحسب تصريحات رسمية، يوحي بأن الوضع السوري يتجه نحو المجهول، وسط تقلبات سياسية يشهده الملف السوري، إلا أنه لا معطيات أو مؤشرات تبعث بالأمل بحلحلة أو انفراجة في الواقع السوري المأزوم على كافة الأصعدة.

منذ حلول عام 2023 الجاري والأسعار في ارتفاع مستمر وعلى فترات متقطعة ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

لا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط مجريات الأمور الحياتية في البلاد، فقد فشلت جميع الآليات التي أقرّتها منذ بداية العام الجاري حتى الآن، إذ إن عدم قدرة حكومة ما على توفير الكهرباء لمواطنيها خلال شهر رمضان يدل على مدى عجزها وإفلاسها وتهالك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.