بمعدلات قياسية وتحديدا منذ بداية شهر رمضان، ارتفعت أسعار معظم السلع في الأسواق السورية. ليفاقم ذلك من معاناة السوريين، فكانت للحوم نصيب الأسد من هذا الغلاء حيث ارتفعت أسعارها إلى أن أصبح سعر كيلو واحد من اللحم معادلا لراتب موظف حكومي في حدّ ذاته.

هذا الغلاء الفاحش، وتحديدا في أسعار اللحوم بشقّيه الأحمر والأبيض، جعلها بعيدة عن موائد المواطنين السوريين. فتكلفة وجبة الإفطار البسيطة أصبحت تتجاوز قدرة العديد منهم مع ندرة مواد الخدمات العامة، بما في ذلك شحّ الكهرباء والمحروقات، وارتفاع سعر ربطة الخبز وانخفاض كميتها وحجمها، وبقاء أسعار السلع والمواد الغذائية مرتفعة لا تناسب جيوب المواطنين، وسط ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية؛ ليسجل سعر صرف الدولار 7550 ليرة بتاريخ اليوم الخميس.

بالتزامن مع أسوأ واقع معيشي يواجهه السوريون منذ نحو 11 عاما، خرجت بعض السلع الغذائية من قائمة مشتريات الأسرة السورية واحدة تلو الأخرى، فبعد أن وصل سعر كيلو اللحم لأكثر من 80 ألف ليرة، استبعد الكثيرون اللحوم الحمراء بسبب ارتفاع سعرها عن موائدهم ومن ثم صار المواطن يبحث عن بدائل أخرى تُغنيه عن تناول وجبات “الرفاهية”، وفق ما يصفونه.

بدائل اللحوم تطغى على وجبات رمضان

نحو ذلك، كشف تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم الإثنين الماضي عن أن المواطنين يبحثون عن بدائل تُغنيهم عن شراء اللحوم، وأصبح المنتج الجديد “كفتة بديل اللحمة” الذي اكتسح أسواق دمشق، وهو منتج نباتي مصنوع من دقيق بروتين الصويا، أحد هذه البدائل.

مواطنة دمشقية تخبر الموقع المحلي أنها قرأت المعلومات المدونة على العبوة ووجدت أن منتج “كفتة بديل اللحمة” صحي أكثر من اللحوم وخالٍ من الكوليسترول وأرخص بكثير من اللحوم، حيث يبلغ سعر العلبة 15 ألف ليرة سورية، ووزنها 350 غراما، فرأت أن تجرّبها علها تكون بديلا من اللحوم خلال شهر رمضان وباقي الأيام.

كذلك تحدثت مواطنة أخرى وقالت إنها لا تستطيع شراء أكثر من أوقية من اللحمة في الشهر بسبب تدني دخلها وارتفاع أسعار اللحوم، وعندما سمعت بوجود بديل عن اللحوم سارعت لشرائه علّها تُمتّع أطفالها بتذوق طعم اللحم في رمضان، خاصة وأنهم لا يتذوقونه إلا نادرا، وأردفت للموقع المحلي “أتمنى لو أن هناك بدائل رخيصة عن الفروج والأسماك والسلع الغذائية المرتفعة الثمن، فقد خرجت كافة أنواع اللحوم الحمراء والبيضاء من قائمة غذائنا، وعجزنا عن تأمين ولو أوقية من اللحمة لأطفالنا”.

ما يعمق فجوة الوضع المعيشي في سوريا ويبعث بمدى عجز الحكومة في تأطير أو حلحلة الحال قليلا هو أن المواطن بات يبحث عن حلول غذائية بديلة علّها تخفف همّه الاقتصادي ونفقاته المعيشية فالإعلانات والمنتجات الغذائية البديلة انتشرت، إذ اعتمد المواطنون فيها على عامل السعر المتدني مقارنة بالمنتج الأساس، وتحديدا اللحوم التي فاقت أسعارها قدرة العائلة السورية المحدودة الدخل، إضافة لارتفاع سعر اللحوم البيضاء في الآونة الأخيرة.

قد يهمك: ارتفعت للضعف.. “المعروك والخبز الرمضاني” إلى قائمة المقننات الرمضانية في سوريا الحل نت 

هكذا صار المواطن السوري أمام واقع قاتم، يبحث عن طرق لعلها تنجّيه من أزمته المعيشة في هذه البلاد، واستبدال اللحوم الحمراء والبيضاء بالفطر، باتت طريقة تتبعها نسبة كبيرة، كما تقول إحدى السيدات بسوريا “أشتري علبة فطر بـ 6 آلاف ليرة تكفيني لطبختين، فمثلا البارحة كان إفطارنا معكرونة بالفطر بدلا من اللحمة واليوم سأقوم بإعداد شوربة الكشك وسأضع بدل لحمة الدجاج الفطر وهكذا كما يقال، الحاجة أم الاختراع”.

كذلك، فإن نسبة كبيرة من ربات البيوت في سوريا يضطررن إلى شراء قالب من الزبدة مقابل 6 آلاف ليرة من أجل وضعها بقليل من الزيت أثناء طهي الطعام، حيث يقولون إن هذا بديل للسمنة، نظرا لارتفاع الأسعار الجنوني الذي طال كل شيء. وبحسب ما رصده الموقع المحلي، فإن هناك أيضا عائلات بدأت تستخدم الدجاج عوضاً عن اللحمة فمثلا “شاكرية بالدجاج أو حشو الكوسا بالقليل من الدجاج”، فيما هناك عائلات استغنت كلّيا عن اللحم والدجاج منذ أشهر وعن طبخات باتت كلفتها كبيرة خاصة مع قدوم شهر رمضان.

على إثر تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار بشكل “جنوني”، ظهرت “عادات أكل” جديدة لدى السوريين عموما، إذ بات الجزارون يبيعون العظام بالكيلوغرام، وبأسعار تصل للآلاف الليرات السورية، ذلك لأن نسبة كبيرة من السوريين باتوا يشترون هذه العظام كبديل للحوم.

اليوم العديد من السوريين يتحسرون على الأوضاع المعيشية التي وصلت إليه البلاد، حيث يضطر السوريون إلى التخلي عن العديد من المواد الغذائية التي كانت ضرورية في الماضي، ولم تعد كذلك مع الارتفاع المستمر في الأسعار مقابل ظهور عادات غذائية جديدة أدت إلى انتشار أصناف لم تكن تُباع من قبل في الأسواق.

الخبراء يرجعون لجوء الأهالي إلى هذه العادات لكون اللحوم بأنواعها خارجة عن قدرتهم الشرائية، فكل يوم تزداد الفجوة بين قيمة الرواتب والمداخيل وأسعار اللحوم الرائجة في الأسواق، وتراجع نسبة شراء اللحوم الحمراء دليل على ذلك، حيث قال اللّحامون مرارا إن الناس باتوا يشترون كميات قليلة من اللحوم بحيث تتناسب مع المبلغ الذي يمكن أن يدفعوه.

أسعار اللحوم “مريخية”

في المقابل، فقد وصل سعر بيع كيلو اللحم في بعض أحياء مدينة دمشق، قبل أيام إلى 120 ألف ليرة سورية، وسط توقعات بارتفاعه أكثر خلال الأيام المقبلة. ونقلت إذاعة “ميلودي” المحلية، مؤخرا عن رئيس جمعية اللحامين بالعاصمة السورية دمشق محمد يحيى الخن، قوله إن حركة شراء اللحوم خفيفة، ويُفترض أن تكون أقوى بكثير حيث إن مجمل الذبائح في دمشق في أول يوم رمضان بلغ 760 رأس غنم و63 رأس عجل، علما أنه في بداية العام كانت تصل إلى مئة رأس عجل وألف رأس غنم يوميا.

الخن، أردف أنه على الرغم من أن البيع ضعيف جدا، إلا أن الكيلو يتراوح بين 90 – 100 ألف كما أنه يصل 120 ألف في بعض الأحياء، متوقعا أن تتواصل الأسعار بالارتفاع، خصوصا مع هطول الأمطار التي ستسبب برفعها أيضا كون المربّين سيتوجهون نحو الرعي بالإضافة لقدوم فصل الربيع وبالتالي ستقل الذبائح ما ينعكس على رفع الأسعار وقلة البيع.

قد يهمك: تكلفة الطبخة 100 ألف.. كيف يعيش السوري في رمضان؟ – الحل نت 

الخن لفت إلى أن سعر الكيلو لم يكن يتجاوز 30 ألف في رمضان الماضي، محملا ارتفاع أسعار اللحوم إلى عمليات التهريب وأسعار الأعلاف المرتفعة، مؤكدا أنه وخلال عيد الأضحى الماضي تم استهلاك ثلث الثروة الحيوانية حيث قُدّر عدد الذبائح بـ 300 ألف رأس غنم ومع عدم القدرة على تعويض الفاقد ما رفع من أسعارها.

المعضلة في قيمة الرواتب

العديد من المراقبين والمعنيين يقولون إن سبب ارتفاع أسعار اللحوم يعود إلى قرار الحكومة السماح بالتصدير، حيث تم تصدير ما يقارب 200 ألف رأس، بالإضافة إلى التهريب وارتفاع كلف الأعلاف والنقل وقلة المراعي الخضراء، فضلا عن ارتفاع الأسعار الذي كان واضحا خلال هذه الفترة رغم قلة الطلب على المادة نتيجة تدني القدرة الشرائية لغالبية المواطنين.

كذلك، نقل موقع “أثر برس” المحلي، في وقت سابق عن رئيس جمعية اللحامين السورية إدمون قطيش، وأقر بأن اللحوم بارتفاع دائم طالما أن هناك زيادة في أسعار الأعلاف والمحروقات فمثلا وصل سعر طن الصويا إلى 8 ملايين ليرة وهناك أجرة مربين وتدفئة وغير ذلك، مضيفا أن أسعار لحوم، الغنم والعجل متقاربة فإذا كانت نسبة الهبرة، اللحمة الحمراء من دون دهن، 25 بالمئة فسوف يباع كيلو الغنم بـ 45 ألف ليرة ولحم العجل بـ 43 ألفا.

قطيش لفت إلى أن دخل المواطن السوري لا يسمح له بشراء اللحمة، مردفا “لا أراها مرتفعة لكن طبيعة الدخل في هذه المرحلة لا تتناسب مع الأسعار”.

هذا ويبدو أن المشكلة ليست في عدم رغبة الناس في شراء اللحوم وإنما في تدني مستوى الرواتب والمداخيل، وفي الحقيقة معظم الذين يشترون اللحوم وخاصة الغنم، هم أما مقتدري الحال أو أصحاب الدخل الجيد، أما باقي المواطنين من الموظفين الحكوميين فلا يشترون سوى بعض غرامات أو ربع كيلوغرام في أحسن الأحوال، ولولا الحوالات الخارجية لما كانوا استطاعوا شراء هذه الغرامات أيضا.

في خضم تفاقم الأزمة الاقتصادية يوما بعد يوم في سوريا، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، فضلا عن انهيار الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي، وعجز حكومة دمشق في حلحلة الأزمات، الأمر الذي حوّل قيمة رواتب، ومداخيل السوريين بشكل عام في البلاد إلى أدنى المستويات.

لدرجة أن راتب الموظف الحكومي اليوم لا يخوّله شراء 100 غرام من اللحوم يوميا، ولا حتى أسبوعيا، لوجود المتطلبات والمستلزمات الحياتية الأكثر ضرورة، إلى جانب متطلبات الحياة العامة الأخرى مثل تأمين الكهرباء وشراء المياه والتدفئة وغيرها، التي ظهرت بعد عام 2011، وزادت من أعباء المواطن بشكل أكبر، الذي صار يتّبع طرق لتقليل تكاليف المعيشة المرهقة، وكذلك تقنين المواد الغذائية الذي أصبح جزء من عادات الأكل اليومية لهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات