سيناريو الذرائع الإسرائيلية والردود الأميركية.. إلى أين يتجه مسلسل القصف الجوي على سوريا؟

غارات جوية كثيفة، شنها الطيران الإسرائيلي خلال السنوات السابقة، على مواقع تابعة للفصائل المسلحة الإيرانية والعراقية داخل الأراضي السورية، ورغم أن تل أبيب، التزمت الصمت فيما يخص الأزمة السورية في بدايتها، ولكنها تدخلت لاحقاً، وشنت هجماتها داخل الأراضي السورية، وبحسب الاعتقاد الشائع، فإن تدخلها، يندرج ضمن رغبتها بإيجاد التوازن في المنطقة، رداً على التغلغل العسكري الإيراني داخل سوريا، وهي بحسب هذا التفسير ترغب في حماية حدودها الشمالية من أي هجمات مسلحة قد تشن ضدها.

ولكن هذا التدخل، لا يتوقف على الحافز الأمني، إذ يضع مراقبون هجماتها الجوية الأخيرة داخل سوريا، في خانة محاولاتها لإبعاد اليد الإيرانية عن السياسة السورية، ودفع دمشق للعودة إلى مفاوضات السلام، التي رعتها الولايات المتحدة بينهما في عام 2009، والتي أكدها المبعوث الأميركي في سوريا، فريدريك هوف، في كتابه “الوصول إلى المرتفعات” المنشور عام 2022.

مسار العمليات الجوية الإسرائيلية داخل سوريا

لم تعلن إسرائيل موقفها من الأزمة السورية في البداية، ولكنها سرعان ما لمحت باحتمالية تدخلها، عبر تصريحات أدلى بها وزير دفاعها، إيهود باراك، في تموز/يوليو، عام 2012، وقال في لقاء تلفزيوني، إن إسرائيل تستعد لتدخل عسكري في سوريا، إذ سلمت الحكومة السورية، صواريخ أو أسلحة كيميائية لـ “حزب الله” اللبناني.

بعد أقل من عام واحد من تصريحاته، وتحديداً في 5 أيار/مايو عام 2013، شنت تل أبيب أولى هجماتها داخل سوريا، في قصف طال رتل عسكري بالقرب من مركز “جمرايا” للبحوث، في منطقة قدسيا شمال غرب العاصمة السورية دمشق، وادعت أن القصف، استهدف شاحنات تابعة لـ “حزب الله”، كانت محملة بأسلحة إيرانية مضادة للطائرات، ولكن الحكومة السورية نفت صحة هذه الاتهامات.

في 27 نيسان/أبريل عام 2017، شنت طائرات مجهولة المصدر، هجمات جوية بالقرب من مطار “دمشق الدولي”، استهدفت مخازن سلاح تابعة لفصائل مقربة من “حزب الله” اللبناني، ورغم عدم تعليق إسرائيل على هذا الهجوم، ولكن وزير استخباراتها، يسرائيل كاتس، لمح بشكل غير مباشر عن ضلوعهم فيها، وقال إن هذه العمليات تتناسب من سياسة إسرائيل، لمنع إيران من تهريب الأسلحة إلى “حزب الله”.

لم تُثر هذه الضربات فضول المطلعين على الشأن السوري، إذ درجت ضمن خانة العداء المتبادل بين البلدين، وارتياب إسرائيل من الدور العسكري الذي تلعبه إيران في المنطقة، فهي لطالما أبدت اعتراضها على الوجود الإيراني بالقرب من حدودها الشمالية، وخوفها من أن تتحول سوريا إلى قاعدة لشن هجمات صاروخية جديدة، داخل العمق الإسرائيلي.

ولكن وتيرة الطلعات الجوية الإسرائيلية، اتخذت منحى جديد، بعد 10 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2021، بعد أن شنت طائرات مسيرة مجهولة، هجماتها على مواقع عسكرية تابعة للفصائل المسلحة العراقية والإيرانية، في مدينة البو كمال الحدودية السورية.

على بعد أمتار من الحدود العراقية-السورية

في 17 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2022، تكرر سياق هذه الهجمات، على منطقة البوكمال أيضاً، ورغم الشكوك السائدة، فإن إسرائيل تجنبت إعلان مسؤوليتها عنها في البداية، حتى 14 كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعد أن أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، عن تبنيه لهذه العمليات العسكرية، ضمن مساعيهم لمنع وصول الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله” في سوريا ولبنان.

مثل هذه الهجمات تؤكد مراقبة إسرائيل للحدود العراقية-السورية، وتالياً تدفع للسؤال عن سبب عدم قصف القوافل العسكرية الإيرانية والعراقية، قبيل وصولها إلى حدود سوريا، خاصة وأن إسرائيل سبق أن شنت طلعات جوية ضد مواقع تابعة لـ”الحشد الشعبي” في محافظة الأنبار غربي العراق، في أيلول/سبتمبر عام 2019، أبان رئاسة عادل عبد المهدي لمجلس الوزراء العراقي، بحسب تصريح رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلي السابق، عموس يدلين، لموقع بريكينج ديفينس الأميركي.

مصدر إعلامي في رئاسة الوزراء العراقية، يرجع سبب اعتكاف إسرائيل عن استهداف الأرتال العسكرية الإيرانية داخل الحدود العراقية إلى المانع الأميركي، إذ يقول إن واشنطن تعهدت عبر سفيرتها في بغداد، إلينا رومانوسكي، بعدم السماح بشن أي غارات، من خارج نطاق تحالف “الناتو” داخل حدوده، لمنع أي احتكاك قد تسببه مثل هذه العمليات الإسرائيلية، بين الحكومة العراقية والجماعات المسلحة.

هذه التعهدات، طرحت في تفاهمات سرية خاضتها بغداد وواشنطن، ضمن مبدأ تبادل المصالح الإقليمية والاقتصادية، بحسب تصريح المصدر لموقع “الحل نت”، وشارك فيها قيادات حكومية من البلدين.

ليس هذا فحسب، إذ تعتقد الولايات المتحدة أن أي هجمات إسرائيلية داخل الحدود العراقية، قد تبعدها عن تقاربها الحالي مع بغداد، وعودته إلى الحضن الإيراني أو إثارة توترات جديدة بينهما، وتالياً، ضياع دوره كوسيط بينها وبين طهران ودول خليجية أخرى.

الدور الأميركي

رغم اعتكاف إسرائيل عن شن هجماتها داخل الحدود العراقية، فإن طهران تعتزل الرد على هجمات تل أبيب ضد قطعاتها ومواقعها العسكرية في الوقت ذاته، وفي ذلك يؤكد الباحث السياسي السوري، مصطفى النعيمي، أنه ورغم الانعكاسات السلبية التي سببتها هذه الهجمات، فإن طهران ترغب بتجنب التصعيد ضد إسرائيل، ولا تجرء على مواجهتها، وتلجئ تالياً إلى الرد عليها عبر استهداف القواعد الأميركية المنتشرة داخل الجغرافية السورية، والتي ترد عليها الولايات المتحدة بدورها حتمياً، من خلال استهداف شحنات الأسلحة المارة عبر المنطقة الحدودية السورية-العراقية.

النعيمي، يعتقد في تصريحه لـ”الحل نت”، أن الهجمات التي يشنها الطيران الإسرائيلي والأميركي، داخل منطقة البوكمال، إضافة إلى الغارتين اللتان طالتا مطار “حلب الدولي” مؤخراً، توضح التعاون الاستخباري الوثيق بين البلدين في هذا المجال.

إلى ذلك يرى الباحث السياسي العراقي، حيدر سلمان، ضرورة التفريق بين الهجمات الأميركية والإسرائيلية في سوريا، حيث يدرج الهجمات الإسرائيلية داخل سوريا ضمن خانة الذرائع، فهي تتحجج بوجود الجماعات المسلحة المقربة من إيران، وخوفها على أمنها لتبرير هجماتها الجوية.

في حين يضع في حديثه مع “الحل نت”، الهجمات الأميركية في خانة الردود، خاصة وأن معظم العمليات الجوية الأميركية ضد الفصائل المسلحة المتواجدة في سوريا، تأتي رداً على هجمات مماثلة تشنها الأخيرة ضدها، أو ضد قواعدها.

وبالفعل، إذ غالباً ما ترد الولايات المتحدة على أي هجمات تطال قواعدها بهجوم أخر ضد المواقع الإيرانية أو التابعة لـ”الحشد الشعبي” المقرب من طهران، كان أخرها في 23 أذار/مارس الماضي، بعد أن قصفت طلعاتها منشأة عسكرية تابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني” في محافظة دير الزور السورية، وبررت القيادة المركزية الأميركية عمليتها في بيان نشرته في 24 أذار/مارس، على صفحتها الرسمية في تويتر، قالت فيه إن هجماتها تأتي رداً على سلسلة هجمات شنها “الحرس الثوري” ضد مواقعها، في إشارة إلى الاستهداف الذي شنته طائرة مسيرة إيرانية على منشأة أميركية، أسفرت عن مقتل متعاقد مدني و5 عسكريين.

سيناريوهات توقيت الغارات

لا يزال توقيت زيادة الهجمات الجوية ضد الجماعات المسلحة الإيرانية أو المقربة منها محل الارتياب، معهد “السياسات الخارجية الأميركي”، يعتقد أن رغبة إسرائيل بإضعاف الدور الإيراني في البلدان المحيطة بها، واعتقادها بأن سوريا تحولت إلى ممر أمن لتمرير شحنات الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله” في لبنان، قد يبرر هذه الزيادة الملحوظة في هجماتها الجوية داخل سوريا، بحسب تقريره المنشور في 27 شباط/فبراير الماضي.

لكن عدم استخدام طهران للأراضي السورية ضد إسرائيل، رغم مرور أكثر من 10 سنوات على أزمتها الأمنية، يدحض مثل هذا الاعتقاد، فيما يسود رأي شائع، بأن إسرائيل ترغب في كسب رهان التغييرات السياسية الحاصلة في المنطقة، عبر ضم سوريا إلى قائمة المطبعين معها، ولكن نفوذ إيران القوي داخل السياسة السورية يعيق هذه المحاولات. وتالياً، ترغب بإضعاف الأخيرة من أجل تحقيق هذا السيناريو، ويجد هذا الرأي مبرراته في العودة المفاجئة للعلاقات السورية-الإماراتية مؤخراً، خاصة وأن الأخيرة تعتبر من أشد المعارضين للرئيس السوري، بشار الأسد سابقا والمطبعين الجدد مع إسرائيل.

في الحقيقة، فإنه وسبق أن أشار المبعوث الأميركي السابق في سوريا، فريدريك هوف، إلى مثل هذا السيناريو في كتابه “الوصول إلى المرتفعات، القصة الداخلية لمحاولة سرية للتوصل إلى سلام سوري – إسرائيلي”، أن كلا من دمشق وتل أبيب، أوشكا على توقيع معاهدة سلام بينهما، برعاية أميركية في عام 2010، ولكن الأحداث التي شهدتها سوريا في عام 2011، وما رافقها من زيادة التغلغل الإيراني في المنطقة، عكرت إتمامها.

رغم كل ذلك، فإن موقف إيران من هذه التغييرات الجذرية في السياسة السورية أو سياسة المحاور الدولية معها، لا يزال مجهولاً، ولكن مركز “سوفان” الأميركي المختص بالسياسات الخارجية، يعتقد في تقريره المنشور في 27 أذار/مارس الماضي، أن المنطقة قد تشهد تخفيض ملحوظ في العمليات العسكرية داخل سوريا، لاسيما وأن قادة طهران، يحاولون إيلاء مفاوضاتهم الدبلوماسية مع السعودية ودول أخرى أهمية كبرى، ولا يرغبون في الخوض بأي تصعيد جديد داخل مناطق نفوذهم، في حين يُعتقد أن احتمالية التصعيد داخل سوريا لا تزال مرجحة بشكل كبير، بالاستناد إلى عمليات المراقبة الجوية التي شنتها طائرات “بوينغ أرسي 135” التابعة لسلاح الجو الاستخباري الأميركي، على الحدود العراقية-السورية في محافظة دير الزور، فجر 29 أذار/مارس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة