بالتزامن مع الاحتجاجات الداخلية المستمرة التي تعيشها طهران، تصاعدت حدة الإضرابات العمالية في عدة مدن إيرانية خلال الأيام القليلة الماضية، احتجاجا على مجمل الظروف العامة، كاحتجاجات العاملين في المصانع على تأخر رواتبهم وسوء أوضاعهم المعيشية بشكل عام، رغم مطالباتهم المستمرة بالعمل على تحسين أوضاعهم وزيادة رواتبهم وصرفها بشكل منتظم.

زيادة الفئات المشاركة في هذه الاحتجاجات، يراه مراقبون تقوية للاحتجاج السياسي في طهران واستمراريته، والعكس صحيح حيث باستمراريته ستدخل فئات جديدة مطالبة بحقوقها أو معترضة على واقعها، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تمدد الاحتجاجات إلى عموم المدن الإيرانية.

بحسب التقارير ومقاطع الفيديو الواردة مؤخرا من إيران، فقد أضرب عمال شركة “بايا صنعت” بمصفاة “بتروبالاش”، أول أمس الأحد، وتركوا العمل احتجاجا على عدم زيادة أجورهم في العام الإيراني الجديد. في اليوم نفسه، انضم إلى الإضرابات في البلاد العمال المتعاقدون في منجم “درالو كرمان” للنحاس، و”خاتون آباد كرمان” للنحاس، ومصفاة “آديش كرمان”، ومصفاة “باد جم2″، كما تشير بعض التقارير إلى استمرار إضراب عمال شركة “سبند كستر سبيد رود سيرجان”، للبتروكيماويات، بحسب موقع “إيران إنترناشيونال “.

تصاعد الاحتجاجات

في ظل سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية واستمرار انقطاع الرواتب، تشهد إيران احتجاجات عمالية وإضرابات منذ العام الماضي، بسبب تجاهل السلطات الحاكمة لمطالب العمال المحتجين، وعادة ما تستخدم القوات الإيرانية القوة المفرطة لتفريق الاحتجاجات العمالية، بالإضافة إلى الاعتقالات بتُهم تتعلق بالإرهاب، وكانت الأمم المتحدة قد انتقدت في وقت سابق طريقة تعامل السلطات الإيرانية مع الاحتجاجات العمالية.

احتجاجات إيران (GETTY)
احتجاجات إيران (GETTY)

لا شك أن تصاعد الاحتجاجات العمالية نتيجة طبيعة للأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها إيران منذ سنوات، جراء العقوبات الاقتصادية أو الفساد المالي والإداري، كما أنها جزء من سلسلة طويلة من احتجاجات موازية، لفئات مهنية أخرى تشكو نفس الشكوى، حيث المطالبة بزيادة الرواتب حتى تتمكن هذه الفئات والشرائح المجتمعية المختلفة من مواجهة ارتفاع الأسعار والتدهور في العملة الإيرانية المحلية، وتصاعد التضخم لمستويات غير مسبوقة، بحسب حديث الباحث في الشأن الإيراني أسامة الهتيمي لـ”الحل نت”.

قد يهمك: إدارة الاحتجاجات الاجتماعية في إيران.. اللاقيادة تجعل القمع صعبا

لعل استقراء موقف النظام الإيراني من التعاطي مع الاحتجاجات العمالية أو غيرها والتي شهدتها إيران على مدار السنوات الفائتة، يعني بوضوح عدم قدرته على الاستجابة لهذه المطالب، أو على أقل تقدير ستكون هذه الاستجابة وإن حصلت، بطيئة وغير مرضية للعمال المحتجين، وفق الهتيمي.

 إذ يعتقد النظام كغيره من الأنظمة الشمولية المستبدة، أن الرضوخ للمطالب الفئوية والعمالية يعني فتح الباب لاتساع الاحتجاجات لفئات أخرى، كالسائقين والمتقاعدين والمعلمين وغيرهم، وأن الطريقة الأجدر للتعاطي مع هذه الاحتجاجات هو قمعها والحد من تصاعدها من منطلق أمني بحت.

استمرار الاحتجاجات

تقارير ومقاطع فيديو تلقتها “إيران إنترناشيونال” ونشرت أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت استمرار الإضرابات الاحتجاجية للعمال في مختلف القطاعات، لا سيما صناعات النفط والغاز والصلب، في مناطق متفرقة من إيران، الاثنين 24 نيسان/أبريل.

مقاطع الفيديو المنشورة أظهرت أن عمال شركة “مادكوش بندر عباس” للصلب توقفوا عن العمل ودخلوا في الإضراب، وأيضا عمال في مجمع “شادكان” للصلب أضربوا عن العمل، احتجاجا على عدم زيادة الرواتب.

من بين العمال المُضربين، عمال شركة “إيمن سازان” في كنغان، وعمال شركتي “رامكو” و”جهان بارس” في مس سرجشمه، وعمال شركة الكهرباء والأدوات الدقيقة، الذين يعملون في مشروع “كجساران” للبتروكيماويات، وعمال شركة “درالو” للنحاس في كرمان.

عمال هذه المصانع والشركات أضربوا احتجاجا على قرار الحكومة بزيادة أجور العمال بنسبة 27 في المئة، وعدم دفع المتأخرات، والمطالبة بتحسين ظروف العمل. هم يطالبون بشكل خاص بزيادة في رواتبهم متناسبة مع مستوى التضخم.إن استمرار إضراب العمال في إيران حتى أمس الاثنين، يأتي في حين أفادت تقارير صحفية بأن العمال بدأوا إضرابا فيما لا يقل عن 10 محافظات إيرانية منذ يومين.في هذا السياق نشرت قناة عمال شركة “قصب السكر” على تطبيق “تلغرام” في إيران بيانا للتضامن مع إضرابات قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات جاء فيه، “نحن بدورنا نطالب كافة العمال في البلاد بالدخول في الإضرابات للاحتجاج على الرواتب المتدنية، وأن الإضرابات باعث أمل لتضامن العمال من أجل حياة أفضل”.

قمع الاحتجاجات

في وقت سابق، نشرت “إيران إنترناشيونال”، في تقرير خاص، رواية أحد عمال شركة “الخليج الفارسي للصناعات البتروكيماوية”، والذي أكد أن “قوات الأمن تهدد العمال وعائلاتهم بوقف الإضراب”. لكن النشطاء العماليين يعتقدون أن هذا الإضراب ليس مثل الإضراب السابق وأن أوضاع المجتمع على وشك الانفجار، ويتوقع النشطاء أن الإضرابات العمالية ستستمر وستزداد رقعتها في عموم المدن.

في موازاة ذلك، قرر المجلس الأوروبي أمس الإثنين فرض عقوبات على ثمانية أفراد وكيان واحد مسؤولين عن “انتهاكات لحقوق الإنسان” في إيران، وذلك بعد ساعات قليلة من فرض عقوبات بريطانية على مسؤولين إيرانيين.

اقرأ أيضا: تداعيات وأبعاد الاحتجاجات الإيرانية إقليمياً ودولياً

المجلس أفاد في بيانه بفرض عقوبات على شركة “آرين تل” الإيرانية لخدمات الهاتف المحمول التي ساهمت في تنفيذ عمليات مراقبة وضعت الحكومة الإيرانية خططها لسحق المعارضة، بحسب ما نقلت وكالة “رويترز”.

العقوبات الجديدة تشمل أيضا نوابا في “البرلمان الإيراني” وعناصر في “الحرس الثوري” والمؤسسة التعاونية لـ”الحرس” المسؤولة عن إدارة استثماراته.

من جهته يقول الباحث أسامة الهتيمي، بأنه ليس من المرجح أن يجهض القمع كل أشكال الاحتجاجات العمالية وغيرها في إيران، إذ يبدو أن الحركة العمالية أو الذين يقودون قطار الاحتجاجات بشكل عام، يدركون حجم التضحيات التي يمكن أن تقدم خاصة وأن هذه الاحتجاجات أحد مظاهر التعبير عن حالة رفض شعبي عام، لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والسياسية للبلاد، من ثم سيبقى لدى الحركة الاحتجاجية مخزون شعبي هائل.

 ليس من المتوقع أن ينفذ سريعا أو أن يتنازل عن تحقيق مطالبه المشروعة، وفق الهتيمي، والحقيقة أن كل من الاحتجاجات العمالية وغيرها من جهة، والتحرك الشعبي العام من جهة أخرى هما وجهي عملة واحدة، إذ يخدم كلا منهما على الآخر ويستفيد كل منهما من زخم الآخر، فهما يعبران بكل تأكيد عن سوء الإدارة السياسية والاقتصادية، وأن النهج الذي يتبعه النظام الإيراني فشل في تحقيق الحد الأدنى من متطلبات واحتياجات الشعب الإيراني.

في ظل غياب حلول عملية لمطالب الشعب في إيران، قد تستمر الاحتجاجات لفترات طويلة، وفق لمراقبون، وقد تصبح أكثر توترا وعنفا إلى درجة  تصبح فيه تهديدا حقيقا لبقاء النظام الإيراني، ما يعني المزيد من تآكل شرعيته المحدودة أصلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات