غالبا ما تؤدي تداعيات الكوارث الطبيعية إلى أزمة سكن، مما يترك العديد من العائلات بلا مأوى وفي حاجة ماسة إلى حلول سكنية بديلة. في أعقاب الزلزال الأخير الذي ضرب سوريا في شباط/فبراير 2023، تواجه الحكومة قرارا صعبا بشأن كيفية توفير سكن سريع وملائم لآلاف الأفراد والأُسر المتضررة.

أحد الخيارات التي تم اقتراحها هو تشييد الأبراج، والتي يمكن أن توفر حلّا سريعا لأزمة الإسكان. ومع ذلك، نظرا لأن عدد الأشخاص المتضررين يفوق بكثير العدد المحدود للشقق المكتملة، يبقى السؤال، مَن سينظّم قائمة الأولويات للمستفيدين من الشقق المكتملة.

هذه قضية مُلحّة يجب على الحكومة السورية بكامل مؤسساتها النظر فيها بعناية، حيث أن تخصيص الموارد والوحدات السكنية المحدودة سيكون له تأثير عميق على حياة المتضررين، وعليه ما التحديات والتعقيدات المتعلقة بتوفير حلول سكنية بديلة بعد وقوع كارثة طبيعية.

الفكرة بلا جدوى؟

جدوى بناء أبراج عشوائية ومبعثرة كحلّ لضحايا الزلزال هي فكرة مثيرة للجدل لدى العديد من السكان الذين تضرروا في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب أجزاء من سوريا وتركيا في شباط/فبراير الماضي، حيث تُركت العديد من العائلات بلا مأوى وتحتاج إلى حلول إسكان عاجلة، فيما تدرس الحكومة خيار بناء الأبراج كحلّ سريع لتلبية الطلب على المساكن البديلة.

آثار الزلزال العنيف على إحدى المباني في مدينة اللاذقية - "رويترز"
آثار الزلزال العنيف على إحدى المباني في مدينة اللاذقية – “رويترز”

تم تكليف وزارة الأشغال بتقييم جدوى هذا الخيار، بحسب ما نشرته صحيفة “البعث” المحلية، أمس الاثنين، وما إذا كان ذلك كافيا لتوفير سكن لائق لآلاف الأفراد والعائلات المتضررة، لكن لم تتخذ الوزارة قرارا بعد بشأن المُضي قدما في بناء هذه الكتل السكنية أو استكشاف خيارات أخرى.

أحد الاهتمامات الرئيسية التي أثارها الخبراء هو ما إذا كانت الأبراج حتى لو تم تشييدها بسرعة ستكون قادرة على استيعاب جميع أولئك الذين تم تهجيرهم. فمع وجود أكثر من 4700 مبنى بحاجة إلى هدم، فإن بناء عدد مكافئ من الأبراج يتطلب أكثر من ضاحية سكنية واحدة.

علاوة على ذلك، هناك أيضا مسألة إعطاء الأولوية للمستفيدين للعدد المحدود من الشقق المكتملة؛ لكن من سيقرر أي العائلات لها الأولوية وأيها سيتعين عليها الانتظار لفترة أطول للحصول على سكن.

هذه كلها أسئلة تدرسها وزارة الأشغال حاليا لأنها تحدد إيجابيات وسلبيات تشييد الأبراج. وفي حين أن هذا الخيار قد يوفر حلّا سريعا لأزمة الإسكان، لا يزال هناك العديد من التحديات اللوجستية التي تحتاج إلى معالجة.

بحسب الصحيفة، فإنه مع استمرار الحكومة في التعامل مع هذه القضية الصعبة، من الواضح أنه لا توجد إجابات سهلة أو حلول سريعة. إذ سيتطلب إنشاء المشروع تخطيطا وتنسيقا وتعاونا دقيقا بين جميع أصحاب المصلحة المشاركين في جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.

أكثر من ربع مليون خارج منازلهم

إحصائية وزارة الإدارة المحلية كشفت عن عدد الأشخاص المهجّرين من جراء الزلزال داخل وخارج مراكز الإيواء، حيث أكدت أنه وصل إلى 328301 شخص، منهم 136920 شخصا في مراكز الإيواء، بينهم 70403 من الأطفال، و 41809 من النساء.

إذا كان متوسط أعداد الأسرة الواحدة 5 أشخاص، فهذا يعني أن هناك 6600 أسرة تحتاج إلى شقق بديلة ودائمة، وقطعا فعدد الأبراج التي أعلنت وزارة الأشغال عن المباشرة ببنائها في القادم من الأيام لن تكفي سوى لعدد قليل جدا من الأُسر المنكوبة.

وزارة الإدارة المحلية بيّنت في وقت سابق أن عدد الأبنية التي تحتاج إلى التدعيم، يبلغ 63905 مباني، في المحافظات المنكوبة، وإذا كان هذا العدد الكبير من الأبنية آمنا إنشائيا، أي صالحا للسكن، لكن هل هذه المباني آمنة بعد تعرّضها لعدد كبير من الهزات في مواجهة أي زلزال شديد غير معروف حدوثه.

وفقا للصحفية فإن إنجاز الضواحي بتقنيات التشييد السريع لا يستغرق أكثر من عام، يمكن خلالها تأمين السكن المؤقت للمتضررين من خلال عدة خيارات، كتجهيز مراكز إيواء تضمن للأسر بداخلها نوعا من الاستقلالية والخصوصية، وإنجاز المنازل المسبقة الصنع التي وصل بعضها من الصين، والتي بدأت الإمارات ببناء ألف منها في اللاذقية، والتي باستطاعة الشركات الإنشائية إنجاز عدد كبير منها بزمن قياسي.

لكن في حال لم تعلن وزارة الأشغال عن تبنّي خيار الضواحي السكنية بتقنيات التشييد السريع، فهناك مخاوف من الاكتفاء ببضعة أبراج سكنية مبعثرة في عدة مناطق، وتدعيم الأبنية المتصدعة “ربما على نفقة أصحابها”، والاحتمال الأخطر أن تتحول المنازل المؤقتة إلى دائمة.

حقيقة أزمة الإيجارات بعد الزلزال

بحسب تقرير سابق لصحيفة “الوطن” المحلية، فإن الإحصاء الكامل للمنازل المتضررة نتيجة الزلزال لم يُنجز بشكل كامل لوجود أبنية تعرضت للهدم الكامل وأبنية آيلة للسقوط وأبنية متضررة بشكل نسبي ومتفاوت. وأن كل ما تم تقديره حاليا هو أن متوسط كلفة ترميم المنزل تبلغ نحو 150 مليون ليرة سورية.

الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا أدت إلى مقتل أكثر من 42 ألف شخص - موقع "الحرة"
الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا أدت إلى مقتل أكثر من 42 ألف شخص – موقع “الحرة”

نجاة رشدي نائبة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، قالت مؤخرا، إن ما لا يقل عن 8 ملايين شخص في سوريا تأثروا بالزلزال، مشيرة إلى التزام المنظمة ببذل المزيد لمساعدة السوريين. وكانت “الأمم المتحدة” قد ناشدت دول العالم بجمع 400 مليون دولار من الهبات والتّبرعات للمنكوبين في سوريا.

ذلك على إثر خروج الكثير من الوحدات السكنية عن الخدمة، إضافة إلى استغلال فئة من أصحاب العقارات لزيادة الطلب التي حصلت خلال الأشهر الماضية لرفع إيجارات منازلهم، فضلا عن أن أسعار العقارات كانت بالأساس ترتفع كل شهر، نتيجة انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية والتي تُبرر في الكثير من الأحيان لأصحاب العقارات رفع أجور منازلهم كونها تشكل مصدر دخل لهم.

بالتالي فإن مسألة الإيجارات ارتفعت أكثر من حركة البيع والشراء في سوق العقارات بسوريا، كما وبدون شك ترك الزلزال آثارا سلبية كبيرة في نفوس السوريين الذين عانوا الأمرّين نتيجة الحرب التي عصفت بالبلاد منذ أكثر من 12 سنة.

تأكيدا على هشاشة المؤسسات السورية أمام الأزمات والكوارث الطبيعية، فإنها منذ وقوع الزلزال خصصت 50 مليار ليرة سورية كمبلغ أولي للاستجابة الطارئة، وهو ما يعادل 6.7 مليون دولار حسب سعر الصرف المتداول. فيما تذهب تقديرات أولية إلى أن قيمة الأضرار تصل إلى 5 مليار دولار.

باختصار، يبدو أنه لا توجد نيّة لإعادة الإعمار في سوريا أو تعويض المتضررين من أي حكومة أو جهة معيّنة، طالما أنه لا مؤشرات دالة لأي حل سياسي حقيقي شامل. لذلك فإن المتضررين سوف ينضمون إلى المنكوبين في مخيمات النزوح، أو سيترنّحون بين وطأة غلاء المعيشة في البلاد، وكيفية تأمين وتمرير حياتهم اليومية، ولا شك أن الزلزال سيخلّف أخطر الآثار على سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات