في الوقت الذي تكثف فيه السعودية جهود التوصل إلى حلّ نهائي للحرب في اليمن، وبينما يستمر “الحوثيون” في إطلاق تهديداتهم تجاه السعودية، التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أمس الأربعاء، كبير مفاوضي ما تسمى بـ “حكومة الإنقاذ الوطني” غير المعترف بها دوليا، التابعة لـ “الحوثيين” في اليمن، محمد عبدالسلام، وذلك في سياق مناقشة انعكاسات الاتفاق الإيراني السعودي على الساحة اليمنية التي لم يمضِ سوى أيام قليلة على استضافتها مفاوضات مباشرة بين السعودية و”الحوثيين”.

اللقاء الذي جرى في العاصمة العمانية مسقط، ناقش معه تأثير الاتفاق بين الرياض وطهران وفق ما ذكرته وزارة الخارجية الإيرانية، كما تطرق إلى مجريات المفاوضات التي جرت بين الوفد السعودي خلال زيارته على رأس السفير السعودي في اليمن إلى صنعاء، مع الجماعة الموالية لإيران، بحضور عماني.

الخارجية الإيرانية وصفت لقاء عبداللهيان وعبد السلام بالإيجابي، حيث قالت إن وزير الخارجية قد قيّم خلال لقاء كبير مفاوضي “حكومة الإنقاذ الوطني” اليمنية، في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مسقط، بشكل إيجابي الانفراجات في مجال القضايا الإنسانية وتبادل الأسرى، فيما نقلت عن الوزير ترحيبه بأي مبادرة أو خطة أو إجراء يؤدي إلى رفع الحصار عن اليمن وإرساء وقف إطلاق نار شامل وتفاهم بين التيارات السياسية اليمنية. 

إيران و”الحوثيون” يتحسسون مشاعر السعودية؟

الخارجية الإيرانية أشارت أيضا إلى أن عبدالسلام، قيم بشكل إيجابي تأثير الاتفاق الأخير بين الرياض وطهران على الأوضاع في المنطقة، لافتة إلى أن عبدالسلام تعهد بالاستمرار في “المقاومة” والمفاوضات حتى الوصول إلى اتفاق يضمن حقوق جميع اليمنيين، في حين استعرض مع عبداللهيان آخر تطورات المفاوضات مع السعودية في صنعاء على كافة الأصعدة. 

بينما أعرب كبير مفاوضي “الحوثيين” عن تقديره لـ “الدعم الإنساني” الذي قال إن إيران تقدمه لليمن، وعلق على لقائه بوزير الخارجية الإيراني عبر صفحته على موقع “تويتر” قائلا؛ قد ناقشنا خلال اللقاء آخر المستجدات على الصعيد الوطني والإقليمي وجهود سلطنة عمان لإنجاح مساعي السلام في اليمن، وتطورات الشأن الفلسطيني، مثمّنين مواقف إيران “الداعمة للسلام والاستقرار في اليمن والمنطقة”.

اقرأ/ي أيضا: “الحرب المستمرة”.. هل تضع السودان تحت “البند السابع”؟

لكن الأجواء الإيجابية التي تحدث بها وزير الخارجية الإيراني والقيادي في جماعة “الحوثي” فتحت الباب على تساؤلات عدة، لاسيما في ظل الإشارات الودية التي حاول الطرفان تمريرها إلى السعودية، بعد نحو أربعة أيام من تهديدات ما يُعرف بوزير الدفاع في حكومة “الحوثيين”، محمد ناصر العاطفي، الذي عزا سبب لجوء التحالف العربي الذي تقوده السعودية إلى طلب الهدنة ما هو إلا فشل وخسارة بجبهات القتال، مهددا باستهدافات في عمق “الأعداء” في حال عدم ترك الساحة اليمنية.

خصوصا وأن التصعيد “الحوثي” جاء بعد التقارب السعودي مع “الحوثيين” الأخير والذي تجلّى في زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء، وفي ضوء الحديث عن إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد في اليمن والتي يُفترض الإعلان عنها قريبا، وهو ما عزز الشكوك حول موقف “الحوثيين” فيما إذا كانوا جادّينَ بالتوصل إلى السلام، وموقف إيران الذي لا تبدو ملامحه واضحة بعد فيما إذا كانت راغبة بالسلام، أم أن ما يجري يأتي في سياق ترطيب الأجواء مع الرياض التي ترفض بشكل قاطع استمرار “حكومة الحوثيين” وتدعم وحدة اليمن.

حول ذلك، أوضح المختص بالشأن الإيراني مسعود الفك، أن لقاء المسؤولين الإيرانيين مع “الحوثيين” في هذا الظرف يأتي لمناقشة تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران وتأثير ذلك على الوضع في اليمن، خاصة وأن الوضع في اليمن وقبول “الحوثيين” بالحل السياسي الشامل الذي تؤكده السعودية وتحالف دعم الشرعية يحظى بأهمية قصوى، وهنا يأتي دور طهران لتمارس الضغوط على “الحوثيين” الذين يتمتعون بدعمها.

خطوات تنتظر التطبيق

لكن مع ذلك، يرى الفك في حديثه لموقع “الحل نت”، أنه لا يمكن الحكم على النوايا حاليا بل يتطلب ذلك الانتظار لرؤية ترجمة الأقوال إلى أفعال، مبينا أن الوضع في اليمن يمثل التحدي الرئيسي لتطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، بخاصة وأن إيران بحاجة ماسة للخروج من الحصار الاقتصادي المفروض عليها.

المختص بالشأن الإيراني، أشار إلى أن الظروف الموضوعية دفعت طهران نحو خيار البراغماتية المدعومة بقرار سياسي من أعلى السلطات، على ضرورة اللجوء إلى السلام والاستقرار والوحدة في اليمن، لافتا إلى أن أي أمر يحول دون ذلك من شأنه أن يوقف عجلة تطوير العلاقات بين الرياض وطهران.

اقرأ/ي أيضا: تحذيرات جزائرية من عودة الأصوليين.. ما الدلالة والمآلات؟

لكن الخبير في الشأن الإيراني علي رجب، يرى من جهته، أن لقاء وزير الخارجية الإيراني برئيس الفريق المفاوض لجماعة “الحوثيين”، يؤكد الدعم الإيراني لـ “الحوثيين” بشكل غير مختلف عن السباق؛ أي غير معلن، وذلك بالرغم من اتفاق المصالحة بين طهران والرياض، لافتا إلى أن هذا اللقاء يأتي ليضع الاستراتيجية المستقبلية لتعامل “الحوثيين” مع السعودية في ضوء التقارب الايراني السعودي وفي سياق ترطيب الأجواء مع السعودية.

رجب وفي حديثه لموقع “الحل نت”، أكد أن هذا اللقاء لن يغيّر من واقع “الحوثيين” شيء، بل أن الجماعة ستبقى محافظة على كل شي وعلى ارتباطاتها بالجماعات الموالية لإيران في المنطقة، مبيّنا أن الموقف الإيراني من وحدة اليمن لا يعبر عن صدق النوايا، لأن الوحدة اليمنية لا تناسب السياسة الإيرانية التي لا ترغب باستقرار أي من الدول العربية وتحديدا في المناطق التي تراها عمقا لنفوذها وأمنها القومي، والتي منها منطقة الخليج ومضيق “باب المندب” التي تُعد من أهم المناطق العسكرية بالنسبة لإيران في ظل توترات برنامجها النووي.

فيما لفت إلى أن إيران تحتفظ بعلاقتها ببعض القوى والفصائل في الجنوب اليمني المعروفة بالحراك الجنوبي، وهي معروفة تاريخا بارتباطها بإيران و”حزب الله” اللبناني، ولها مقرات في الضاحية الجنوبية بلبنان، لذلك أن إيران لا تسعى إلى عملية استقرار في اليمن، بل أن الأمور ستتجه إلى استراتيجية جديدة تتبنى مبدأ التهدئة فقط، لغرض تجاوز إيران لأزماتها الداخلية الحالية والعقوبات الخارجية، لا سميا بعد إقرار “مجلس النواب” الأميركي، خطة عقوبات تستهدف المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي والرئيس الإيراني وقادة “الحرس الثوري”.

إيران والخشية من الدولة الموازية

الخبير في الشأن الإيراني، بيّن أن، إيران في الأساس لا تسعى إلى دولة خاصة بـ “الحوثيين” في شمال اليمن، لأنها لا تريد وجود دولة شيعية منافسة لها، لكنها تسعى إلى استمرار عملية شبه الدولة التي تسيطر عليها الميليشيات كما في النموذج العراقي وأيضا في النموذج اللبناني، مشيرا إلى أن هذا النموذج يحقّق لإيران مصالحها الاستراتيجية أكثر من وجود دولة شيعية مستقرة في اليمن، يمكن أن تتعارض مصالحها مع مصالح طهران في مرحلة من المراحل.

ذلك يأتي في الوقت الذي عُرفت فيه الجهود الجارية لتحقيق السلام في اليمن زخما إيجابيا طيلة الفترة الماضية، كان من أبرز مظاهرها إتمام صفقة تبادل كبرى للأسرى بين “الحوثيين” والسلطة الشرعية.

إذ إن تقارب السعوديين “والحوثيين” المطّرد جاء في ضوء تصاعد مساعٍ إقليمية ودولية لتجديد الهدنة، التي انتهت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بين الحكومة و”الحوثيين” على خلفية تجديدها مرتين خلال العام الماضي، ورفض الجماعة الموالية لإيران تجديدها ما لم تحقق شروطها.

الجدير بالذكر، أن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، صرّح خلال إحاطة له أمام “مجلس الأمن الدولي” الأسبوع الماضي، أن اليمن أمام فرصة تاريخية لتحقيق السلام، محذرا من إمكانية ضياعها في حال لم تُقدم أطراف الصراع على المزيد من التنازلات.

إلى ذلك، وعلى الرغم من أن التقارب السعودي الإيراني خلق دفعة قوية لإنهاء الحرب التي تسببت خلال السنوات الثماني الماضية بأسوأ أزمة إنسانية في اليمن والعالم، حسبما وصفتها “الأمم المتحدة”، وأسفرت عن سقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى اليمنيين من المدنيين وأطراف النزاع في جبهات القتال، إلا أن هناك شكوك كبيرة تدور حول تحقق ذلك، بخاصة فيما يتعلق بالتزام “الحوثيين”.

هذا ويعاني اليمن منذ نحو تسع سنوات من حرب مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية، وقوات “الحوثيين”، المدعومين من إيران والمسيطرين على عدة محافظات منذ 2014.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة