زيارة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، إلى كوريا الجنوبية التي بدأها أمس الأحد، تأتي ضمن خطط البلدين لمواجهة التهديدات النووية والصاروخية طويلة المدى المتزايدة لكوريا الشمالية. حيث تُعدّ القمة بين طوكيو وسيول، الأولى منذ 12 عاما خطوة جديدة.

على الرغم من قضية العداء التاريخي، فإن القلق المشترك بين البلدين والمناورات المتصاعدة وغير المتوقعة التي يقوم بها نظام كيم في كوريا الشمالية، هي العامل الدافع لهذه القمة، حيث يرى البلدان أن تهديدا يلوح بالأفق من قبل كوريا الشمالية بسبب التصريحات غير المتوقعة والمناورات العسكرية النووية للأخيرة.

الزيارة تشير إلى فصل جديد في العلاقات بين البلدين، حيث تركز على استكشاف سُبل التعاون من أجل مواجهة التهديدات العسكرية، لكن إلى أي مدى ممكن أن يصل تعاون طوكيو وسيول لمواجهة بيونغ يانغ، وهل تنجح كل من اليابان وكوريا الجنوبية بردع التهديدات الكورية الشمالية، وهل يكفي التعاون الثنائي فقط من قبل طوكيو وسيول.

استراتيجيات دفاعية جديدة

أحد التحديات الرئيسية التي تواجه طوكيو وسيول، في تنحية العزلة بين البلدين والعمل معا هو مواجهة التهديد المشترك الذي تشكله كوريا الشمالية. لدى كلا البلدين مخاوف أمنية خاصة بهما، لكنهما يشتركان في مصلحة واحدة في الحفاظ على الاستقرار والسلم الإقليميين. 

وصل رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، إلى كوريا الجنوبية - إنترنت
وصل رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، إلى كوريا الجنوبية – إنترنت

بحسب حديث الخبير في العلاقات الدولية لشرق وجنوب شرق آسيا، دانيال لينش، لـ”الحل نت”، فإنه سيكون التعاون بين اليابان وكوريا الجنوبية حاسما في ردع العدوان الكوري الشمالي وضمان بقاء المنطقة آمنة. حيث يتفق البلدان على أن تطوير كوريا الشمالية للأسلحة النووية والصاروخية يشكّل تهديدا خطيرا لشبه الجزيرة الكورية وكذلك للسلام والاستقرار في العالم.

النتائج والتغييرات المحتملة للتعاون الياباني الكوري الجنوبي كبيرة وفقا للينش، فمن خلال العمل معا، يمكن للبلدين تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق ردودهما على الاستفزازات الكورية الشمالية. وهذا سيجعل من الصعب على كوريا الشمالية شنّ هجمات مفاجئة، ويزيد من فرص اكتشاف واعتراض أي صواريخ قد يتم إطلاقها.

الاجتماع في حد ذاته بالنظر إلى تاريخ هذه الدول خطوة في الاتجاه الصحيح نحو حلّ التوترات المستمرة منذ فترة طويلة والتي أدت إلى انخفاض الاتصالات العسكرية بين الدول، فهدف هذا اللقاء وضع عدم الثقة المتبادل ونزاعات الماضي جانبا والذي سيؤدي للتركيز بشكل مشترك على الأزمة الأمنية الحالية، طبقا لحديث لينش.

الرئيس الكوري يون، أفاد بأنه سيزور هيروشيما باليابان لحضور قمة “مجموعة العشرين” في يوم 19 أيار/مايو القادم، بدعوة من رئيس الوزراء الياباني. وأضاف أن قادة البلدين اتفقا على زيارة النصب التذكاري لضحايا القصف الذري الكوريين في حديقة هيروشيما التذكارية للسلام معا.

لكن الإشارة الجديدة في هذا اللقاء، هو ما لفت إليه رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، بأنه ليس من المستبعد مشاركة اليابان في “إعلان واشنطن” الذي يحتوي على إجراءات لتعزيز الردع الموسّع بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، ما يعني أن إجراءات استراتيجية الدفاع الجديدة في جنوب شرق آسيا قد تكتمل أخيرا.

من المتوقع أن يلتقي وزير الدفاع الكوري الجنوبي لي جونغ سوب بنظيره الياباني ياسوكازو هامادا، على هامش حوار “شانغري-لا” هذا العام، وهو اجتماع أمني إقليمي، في سنغافورة في الفترة من 2 إلى 4 حزيران/يونيو المقبل.

حرب من نوع آخر

من النتائج المحتملة الأخرى للتعاون بين البلدين أنه يمكن أن يساعد في تقليل التوترات في المنطقة. نظرا لأن اليابان وكوريا الجنوبية تعملان معا لمواجهة كوريا الشمالية، فقد يكونان قادرين على بناء الثقة وتحسين علاقتهما الشاملة. وقد يكون لذلك انعكاسات إيجابية على الأمن والاستقرار الإقليميين، وكذلك على التعاون الاقتصادي بين البلدين.

القمة اليابانية الكورية الجنوبية تتزامن مع تنامي التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية - "رويترز"
القمة اليابانية الكورية الجنوبية تتزامن مع تنامي التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية – “رويترز”

رئيس الوزراء الياباني التقى مشرّعين وقادة أعمال في سيول، اليوم الإثنين، لمناقشة التعاون الثنائي المحتمل في ختام زيارته، حيث ذكرت وزارة الخارجية اليابانية أن كيشيدا وقادة أعمال شركات متنوعة يأملون أن يسفر اجتماعهم عن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وتضمّن الاجتماع محادثات عن بناء سلاسل إمداد مرنة وتشجيع التعاون الصناعي في مجالات التكنولوجيا المتطورة.

نائب مدير برنامج آسيا في مركز “ويلسون” في واشنطن شيهوكو غوتو، كان قد صرح لوكالة “فرانس برس”، أن “نجاح الزيارة سيقاس بمدى عقد اجتماعات ومشاركات منتظمة بين البلدين على مستوى القيادة”. مضيفا “سيتمثّل التحدي في ما إذا كان الرأي العام في البلدين سيدعم مبادرات مماثلة”.

لكن تبعا لحديث لينش، فإنه يمكن لسيول وطوكيو وقف تجارة كوريا الشمالية بسهولة، وبدء حرب من نوع آخر، حيث يمكن للاستراتيجية الاقتصادية أن تقوم على استخدام إجراءات مثل فرض الحصار البحري، وتكون الغاية الأساسية منها إضعاف اقتصاد بيونغ يانغ.

اللقاء خطة للتوسع

التعاون الثنائي بين اليابان وكوريا الجنوبية وحدهما قد لا يكون كافيا للتخلص من التهديد الكوري الشمالي طبقا لما يراه لينش، إذ سيحتاج المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة إلى لعب دور في معالجة التهديد الكوري الشمالي والدعم الروسي والصيني لمنظومة كيم، بحيث تكون العقوبات والضغط الدبلوماسية والمفاوضات كلها أدوات ضرورية لجلب كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات.

اليابان توافق على زيارة خبراء كوريين جنوبيين إلى فوكوشيما - إنترنت
اليابان توافق على زيارة خبراء كوريين جنوبيين إلى فوكوشيما – إنترنت

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، أعلن العام الماضي أن وضع بلاده كقوة نووية “لا رجعة فيه”، عملية تطوير الأسلحة واختبارها. وأجرت بيونغ يانغ سلسلة قياسية من عمليات إطلاق الصواريخ هذا العام، بما في ذلك اختبار أول صاروخ باليستي يعمل بالوقود الصلب، وهو اختراق تكنولوجي كبير لقوات كيم جونغ أون المسلحة.

في المقابل، عزّزت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تعاونهما الدفاعي، وأجرتا سلسلة تدريبات عسكرية، بما فيها تدريبات ثلاثية شاركت فيها اليابان هذا العام. 

لكنّ واشنطن وسيول تسعيان للقيام بالمزيد، فخلال اجتماعهما الشهر الماضي، أصدر بايدن ويون “إعلان واشنطن” الذي يعزز المظلة النووية الأميركية فوق كوريا الجنوبية، وتعهّدا بتسريع التعاون الثلاثي مع اليابان.

مسؤولون بوزارة الدفاع الكورية الجنوبية قالوا اليوم الاثنين إن كوريا الجنوبية تخطط لإجراء مناورات بحرية متعددة الجنسيات في وقت لاحق من هذا الشهر كجزء من مبادرة دولية تهدف إلى منع عمليات نقل أسلحة الدمار الشامل.

سيول تخطط بعد التفاهم مع طوكيو للتنظيم مناورات “إيسترن إيندأوفر 23” في محاولة لتعزيز القدرات لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، عند استضافة الاجتماع رفيع المستوى للمبادرة الأمنية لمنع الانتشار هذا الشهر.

الزيارة التي كانت منتظرة منذ 12 عام تعدّ خطوة مهمة نحو تحسين التعاون الثنائي ومواجهة التهديد الكوري الشمالي، وسيعتمد نجاح هذا التعاون على قدرة اليابان وكوريا الجنوبية على التغلب على خلافاتهما التاريخية والعمل معا لتحقيق هدف مشترك. في حين أن النتائج والتغييرات المحتملة كبيرة، فمن الواضح أنه ستكون هناك حاجة إلى جهود دولية أوسع للتصدي لتهديد كوريا الشمالية وتحقيق سلام دائم في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات