في تحول مفاجئ للأحداث والتصريحات، ذكر رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، أمام رئيس الحكومة السورية، حسين عرنوس، أن مالكي شركات الصرافة السورية استحوذوا على أصول عقارية كبيرة في مدينتي إسطنبول ودبي وأنهم باتوا يمتلكون نصف المدينتين.

الادعاءات التي أطلقها جمال القادري، أمس الاثنين، لم يتم إثباتها بأدلة ملموسة، لكنها أثارت فضولا وقلقا واسع النطاق داخل دوائر مختلفة ولفتت انتباه الحضور ووسائل الإعلام على حد سواء، خاصة أن اللقاء كان يبحث مشاكل العمال وطرح القضايا المتعلقة بالأجور والرواتب. 

تفاوت الثروة ارتفع في سوريا بسبب سياسة الحكومة التي أدت إلى استحواذ بعض رجال الأعمال ومنهم مالكي شركات الصرافة السورية على عقارات في إسطنبول ودبي حيث أصبح اتساع فجوة الثروة وعدم المساواة في الدخل من الاهتمامات الملحّة للطبقة العاملة في سوريا.

تفاوت الثروة وصراعات الطبقة العاملة

رئيس الوزراء السوري، أقرّ بحسب صحيفة “الوطن” المحلية، بأن الشريحة العاملة في القطاع العام بكل مؤسساته ما زالت تعاني من تدني الأجور، وهذه الشريحة تصل إلى ما يقرب من 2.5 مليون عامل قائم على رأس عمله ومتقاعد، معيدا السبب في ذلك إلى فقدان الدولة أغلب مواردها.

تزايد الضغوط على المستهلكين في سوريا - موقع "غيتي"
تزايد الضغوط على المستهلكين في سوريا – موقع “غيتي”

عرنوس، بيّن أن الحكومة تعمل جاهدة في البحث عن أي مورد يمكن من خلاله تحسين الرواتب والأجور للعاملين في الدولة، وهي الآن تقوم بهذا الصدد وفق الإمكانات المتوافرة، طالبا التفريق بين الراتب الذي يعتبر حقا لكل عامل، والحافز الذي لا يستحقه إلا من يقوم بالعمل المحقق لقيمة مضافة.

إلا أن القادري كان له رأي آخر، حيث قال في اللقاء الذي جمع رئاسة الحكومة مع النقابات العمالية، إن كل ما طرحه أعضاء المجلس العام هي مطالب عمالية طُرحت في مؤتمرات النقابات التي عُقدت في المحافظات، وتأتي قضية الرواتب والأجور في مقدمة هذه المطالب لأن تدني قيمة الرواتب والأجور، أصبحت تشكل المعاناة الأساسية للطبقة العاملة.

رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، كشف أمام الجميع أن الحد الأدنى للأجور لا يكفي سوى يوم واحد لأسرة متوسطة، حيث إن الطبخة الواحدة أصبحت تكلف 100 ألف ليرة. لافتا إلى أن التفاوت المتزايد في الثروة بين الأغنياء والطبقة العاملة ازداد، وأدى تركيز الثروة بين قلة من الأفراد إلى تفاقم الصراعات المالية التي تواجهها الطبقة العاملة.

مدير “مكتب الإحصاء المركزي” السابق شفيق عربش، كشف في وقت سابق أن معدل الفقر في سوريا بلغ 90 بالمئة، فنحو 8.3 بالمئة من الأسر تعاني من انعدام شديد بالأمن الغذائي، و47.2 بالمئة يعانون من انعدام متوسط، في حين يتمتع نحو 39.4 بالمئة بأمن غذائي مقبول.

مؤشرات “وايد” العالمية، تبيّن أن توزيع الدخل في سوريا يحافظ على نسبة واحدة لم تتغير كثيرا منذ التسعينات، وهو موزّع بالنسب التالية، يحصل أغنى 10 بالمئة على 49 بالمئة من الدخل، بينما يحصل الـ 40 بالمئة الوسط على 36.9 بالمئة.

أما أفقر 50 بالمئة من السوريين يحصلون على 14.2بالمئة. وفي مزيد من المفارقات، فإن أغنى 1 بالمئة يحصلون على 14.7 بالمئة من الدخل، بينما أفقر 40 بالمئة يحصلون على 9.5 بالمئة من الدخل فقط.

تراكم الثروة لأصحاب شركات الصرافة

القادري أقرّ بتراجع موارد الدولة نتيجة السرقة، لكنه دعا إلى ضرورة معالجة وضع الرواتب بأي طريقة كانت حتى لو تم العمل بالتمويل بالعجز، لأن الوضع المعاشي الضاغط أدى إلى انتشار ظواهر سيئة مثل الجريمة وغيرها، وتكلفة التمويل بالعجز مهما كانت سلبياتها لن تكون بقدر التكلفة الاجتماعية التي ستسببها هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة.

محال الخضار والفاكهة في سوريا - إنترنت
محال الخضار والفاكهة في سوريا – إنترنت

التردي الواضح في الوظيفة العامة برأي القادري، رغم وجود مشروع الإصلاح الإداري الذي لم يستطع مقاربة وضع الوظيفة العامة. حيث طالب بالبحث عن آليات تجعل العامل شريكا في العملية الإنتاجية، حينها تتم معالجة انخفاض الإنتاجية وتحسن دخل العامل في آن واحد.

متوسط رواتب وأجور العمال في سوريا مقابل تكلفة المعيشة في مدن مختلفة مثل إسطنبول ودبي مختلفة كليا، فالتفاوت بين الأجور التي يحصل عليها العمال السوريون وتكلفة المعيشة الباهظة في هذه المدن لا يمكن مقارنتها، لذلك فإن حديث القادري عن أصحاب شركات الصرافة أثار الجدل.

العديد من المتابعين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، اتهموا الحكومة السورية بأنها السبب وراء تنامي ثروات أصحاب شركات الصرافة السورية، معللين ذلك بأن الحوالات القادمة من الخارج كانت تشكل للحكومة مسألة حياة أو موت وهي الشريان الرئيسي إمدادها بالعملة الصعبة.

وما حدث خلال السنوات السابقة والأشهر الأخيرة خصوصا يكشف مدى اهتمام الحكومة بهذا الشريان، وإلحاح الحاجة للعملة الصعبة حتى لو كان ذلك يعني مزيدا من ارتفاع الأسعار، وتراجعا في سعر صرف الليرة السورية. فبنك “سوريا المركزي”، على الأرجح، يراهن أن تكون تلك الأضرار الجانبية، لذا قرر خوض حرب مع السوق السوداء للحوالات وخفض قيمة الليرة لأكثر من النصف.

أكبر شركة حوالات مُرخّصة داخل سوريا هي “الهرم”، قبل نحو تسع سنوات، كانت مجرد شركة صرافة وحوالات، بارزة، في السوق السورية. أسسها، عام 2007، فؤاد عاصي، رجل الأعمال البارز، والذي ترأس في وقت ما، إدارة “مجلس المصدّرين السوريين”، و”الجمعية الوطنية لمكاتب الشحن”.

فؤاد عاصي بحسب موقع “السورية نت” نجح في نسج شراكات مع متنفذين كبار داخل سوريا، وأخذت الشركة تنمو بشكل سريع، لتفتتح نحو 125 فرعاً، في مختلف المحافظات السورية، واحتكرت 70 بالمئة من سوق النقد السوري، وباتت تنشط بشكل ملحوظ للغاية في دول الخليج ومصر ودول أوروبية وتركيا.

التداعيات الاقتصادية

المواطنون السوريون ينظرون إلى هذا التطور، بعدم المساواة في الدخل، خصوصا وأن استثمارات السوريين في تركيا تخطت 10 مليارات دولار، ومعظم هؤلاء لا زالوا يتمتعون بحرية أعمالهم في دمشق.

صورة أرشيفية لمحل صرافة في سوريا- "فرانس برس"
صورة أرشيفية لمحل صرافة في سوريا- “فرانس برس”

عدم نشر الإحصائيات بحسب تصريحات العديد من مسؤولي الحكومة السورية، كان بسبب عدم رغبة الحكومة بالاعتراف بنسبة الفقر التي وصل إليها الناس، والتي تتشكل نتيجة الفجوة بين الحاجة والمواد الغذائية المتاحة، إذ إن الفقر أصبح عميقا حاليا، حيث لم يكن بهذا المستوى قبل عشر سنوات، وكان بالإمكان إنقاذ الوضع، أما الآن فيحتاج إنقاذ الناس لجهود كبيرة.

في عام 2019 كانت نسبة من هُم تحت خط الفقر الأعلى 86 بالمئة، وقدّرت “مؤسسة مداد” عام 2017 نسبة السوريين الذين يعانون من الفقر المدقع بـ 67 بالمئة، وهي نسبة كبيرة، في حين كان خط الفقر الأعلى عام 2015 يشمل 63.6 بالمئة من الأُسر السورية، والحد الأدنى 41.5 بالمئة.

عمال المؤسسات التابعة للحكومة السورية يتقاضون رواتب شهرية لا تختلف عن رواتب الموظفين لدى المؤسسات الحكومية، والتي لا تزيد عن 140 ألف ليرة سورية، علما أن الدولار يساوي 9125 ليرة سورية اليوم.

رئيس مجلس الوزراء، كشف خلال اللقاء الأخير، عدم وجود إمكانات أو موارد متاحة حاليا لتحسين الأجور وفق المأمول، مؤكدا في الوقت نفسه أن كل العمالة الخاصة، والحرفيين والعاملين بقطاعات التجارة والصناعة، تمكّنوا من موازنة أجورهم إلى حد ما باستثناء القطاع العام. 

آخر زيادة للرواتب والأجور كانت في عام 2021، حين صدرت 3 مراسيم تشريعية، زاد الأول رواتب وأجور العاملين في الدولة بنسبة 30 بالمئة، ونص الثاني على زيادة رواتب المتقاعدين 25 بالمئة، فيما قضى الثالث باحتساب التعويضات على أساس الراتب الحالي. 

الرواتب والأجور في سوريا بشكل عام وفي القطاع الحكومي خاصة، تُعتبر منخفضة مقارنة بباقي الدول، وتحديدا مع تراجع قيمة الليرة السورية، بحيث بات راتب الموظف الحكومي الشهري المقدر بأقل من 100 ألف ليرة، يعادل حوالي 11 دولار أميركي فقط، لكن التصريحات بانحسار المجتمع في البلاد بين فئة فقيرة وأخرى غنية تشي بأن الحكومة باتت مكبلة الأيدي ولا قدرة لها على تسيير أبسط حقوق العاملين فيها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات